آراء

آفــات الإنـتــخابــات الـبرلــمــانـيـة

hasan zayedالتفكير في حال الإنتخابات البرلمانية المصرية، سواء في السابق أو بعد اندلاع ثورتي 25 يناير و30 يونيه أصبح ضرورة حياة، وضرورة وجود. ففي العهد الملكي كانت التجربة الليبرالية تجربة جادة، رغم أنها كانت تجري علي السطح بين النخب السياسية، وعلة جديتها كانت في وجود كوادر سياسية مدربة، تتلمذت في مدارس حزبية فاعلة، كانت تتداول السلطة فيما بينها. ثم جاءت ثورة يوليه لتطيح بالتجربة الحزبية في مصر، قبل أن تنضج وتتجذر في التربة المصرية، واعتمدت نظام التنظيم الواحد، شأنها في ذلك شأن الأنظمة الشمولية التي كانت سائدة في حينه. وفي أول عودة شكلية للحياة الليبرالية في عهد الرئيس السادات،هرول بهلوانات السياسة، والمتسلقون، ومحترفو الإنتهازية، إلي حزب الرئيس، الذي ظل مهيمناً علي الحياة السياسية، حتي تم حله بعد ثورة يناير، واقتصرت الأحزاب الأخري، التي ولدت بقرار سلطوي علوي، علي لافتة، وجريدة، مجرد أحزاب ديكورية، لزوم الوجاهة السياسية، لنظام يسعي صورياً أن يبدو ديمقراطياً، وفقاً لمقتضيات المرحلة. وتوقف نمو الأحزاب عند هذه المرحلة السنية، وظلت الحياة السياسية ـ في ظلها ـ هشة بلا جذور. ونتيجة للسطحية التي اتسمت بها الحياة السياسية خلال تلك العقود، وجد لدينا نائب من نوع فريد، وتفرده لا يتأتي من كونه لا وجود له في أي من برلمانات العالم، لأنه موجود علي نحو أو آخر، وإنما تفرده يتأتي من كونه النائب الوحيد في العالم، الذي يأتي إلي البرلمان، وهو لا يكاد يفقه دوره النيابي، ولا دوره السياسي، ولا يحمل بداخله أيديولوجية معينة، أو توجه سياسي معين، ينظر من خلاله للأمور، ويحكم عليها. والإستثناء علي هذه القاعدة موجود، ووجوده لا ينفيها، بل يؤكدها، ولا يقاس عليه بحال. وهذا النائب هو مجرد شخص معه أموال، يمكن من خلالها الإنفاق علي دعايته الإنتخابية، وما ترشحه إلا تحقيقاً لوجاهة اجتماعية، أو حصانة برلمانية تعفيه من المساءلة القانونية، إلا في حالة التلبس أحياناً، أو توفيراً لتسهيلات تحقق له منافع شخصية. وهذا النائب يعد نائباً مستأنساً، لا يخشي جانبه عند محاسبة السلطة التنفيذية أو مناقشتها. ولأن الناخب المصري ابن بيئته، شأنه في ذلك شأن غيره في أرجاء المعمورة، فقد انحصر كل وعيه السياسي فيما يقدمه المرشح له ولدائرته من خدمات، لأن السلطة التنفيذية قد انسحبت بالفعل من الساحة التي يتعين أن تعمل فيها، ولذا فإن المرشح يقتصر برنامجه السياسي الذي يتقدم به لناخبيه علي مجموعة من الوعود المتعلقة بالحاجات الملحة، والخدمات الضرورية لأهل دائرته، وليته يملك الوفاء بها، لأن تنفيذها في يد السلطة التنفيذية التي يراقبها قانوناً. وبذلك يبقي النائب أسيراً لدائرته الإنتخابية، ويبقي الناخب أسيراً لحاجاته الآنية، دون نظر للأبعاد السياسية لدور كل منهما في تسيير شئون البلاد. ولعل هذه العلاقة الشرطية، أو الإرتباط الشرطي بلغة بافلوف، هي التي تبعث علي الخوف من دخول الفلول، أو الإخوان الإنتخابات القادمة، لأن دخولهم قد يجد صدي في نفوس الناخبين. فإذا كان الإنتخاب هو أُسلوب ديمقراطي يختار به الشعب نوابا عنه ليتكلموا باسمه ويدافعوا عن مصالحه، فإنه في أحد معانيه يعني إختيار الأفضل والأحسن، فهل تؤدي آلية الإنتخاب في مصر إلي إختيار الأفضل والأحسن؟. لابد أن نعي أولاً دور النائب البرلماني حتي يمكننا تحديد معايير الإختيار، فالنائب البرلماني له دورين لا ثالث لهما، أولهما الدور التشريعي، أي سن القوانين واللوائح التي تحدد مسار المجتمع وتوجهه، ثانيهما الدور الرقابي، أي مراقبة الحكومة في آداءها. وبهذين الدورين يكون النائب البرلماني نائباً عن الأمة لا نائباً عن الدائرة الإنتخابية التي ترشح عليها. ومن هنا يسهل تحديد الإعتبارات التي يمكن اختيار النائب البرلماني ارتكازاً عليها. أما نائب الخدمات،فهو يقوم بدور السلطة التنفيذية، ولا يقوم بدوره البرلماني. والناخب الذي يختار من يمثله من أجل بعض الخدمات التي يؤديها لدائرته هو ناخب ينظر تحت قدميه، ويؤدي باختياره إلي إرباك الحياة السياسية بما يفضي في النهاية إلي الفساد والإستبداد، ولا محل للإصلاح السياسي في مصر إلا بتغيير مفاهيم ناخب الخدمات ونائب الخدمات، ولا يتأتي ذلك إلا من خلال أحزاب قوية ذات برامج واضحة محددة وكوادر فاعلة في كافة ربوع مصر.

حـــســــــن زايـــــــــــد

في المثقف اليوم