آراء

معادلة القِوى الإقليمية!!

مرتكز القوة العربية يتحدد في ثلاثة دول هي العراق وسوريا ومصر، هذه الدول الركيزة الأساسية لقدرة العرب، وأي إضعاف لها يتسبب في إنهيار القِدر العربي وإنسكاب ما فيه.

وبإنهيار العراق كدولة وجيش وقوة ذات قيمة إقليمية وكذلك سوريا، إندلع ما في العرب وإنسكب فوق رمال وجودهم المتصحر، وبقيت مصر تريد الحفاظ على إستقامتها وثبات عمودها، لكن أوتاد الخيمة العربية تقطعت، والعمودان الآخران قد إنكسرا.

وهكذا أخذت الرياح والعواصف تعبث بالوجود العربي، وإجتاحته أعاصير المصالح والتطلعات وتصفية الحسابات، وخرجت من جحورها الآفات والوحوش المفترسة، التي تريد الإنقضاض على فرائسها بلا هوادة.

ووجد العرب أنفسهم أمام إرادة المحق الحضاري، التي إستهدفت تأريخهم ولغتهم وهويتهم ودينهم ، فالآثار مستهدفة ورموز وجودهم الروحي والفكري، يتم تدميرها بإستخدام أعتى الأسلحة وأدوات التدمير الشامل، كما أن الفساد أصبح دستورا، وإنتشرت المحسوبية وعمّ الفقر والتهجير والقتل والسلب والنهب والخطف، برعاية الحكومات المأسورة في زنزانات مناطقها، والمحاطة بذوي المصالح المكشرة أنيابهم والمندلعة ألسنتهم، والذين يسيل لعابهم على مصالحهم المُعلنة والخفية.

وصار التدخل السافر أمرا مقبولا، والرضوخ لمشاريع الآخرين سياسة مطلوبة، وما عاد الوجود إلا كارتونيا، ويُدار بمن يسمون أنفسهم بالساسة والقادة، وكأنهم يؤدون أدوارهم الدرامية الدامية، وبعد أن يتم ذلك يتساقطون من على خشبة مسرح الويلات، ويوضعون في أكياس قمامة سوء المصير.

ولهذا فالحديث عن إسترداد العافية العربية مع إغفال تقوية سوريا والعراق، إنما نوع من الهذيان وإضطراب التفكير، والضحك على الذقون لغايات في نفس يعقوب.

وفي هذا الخضم الإنهياري، لا يمكن الحديث عن القضاء على التطرف والإرهاب، وأعمدة القوة العربية ساقطة أرضا، أو أنها في مرحلة التهاوي والإنهيار.

فالإرهاب يمكن القضاء عليه بإعادة قوة العراق وسوريا، وترسيخ قيم الدستور الوطني الصالح والقانون، والإستثمار الفعال في الثروات والإنسان، وبإبعاد الأحزاب الدينية المتطرفة المنغلقة عن السياسة، ومساعدة أبناء البلاد المتنورين الكفوئين على القيام بدورهم الوطني، ووضع الأسس والبنى التحتية لثقافات وطنية معاصرة، وبالتأكيد على التعليم وبناء المدارس اللائقة بالإنسان.

فالدول كافة تسعى لتحقيق مصالحها وإمتلاك الطاقة، وكما هو معروف وعلى مر العصور، والإفتراس يعني إمتلاك طاقة الآخرين وتوظيفها لصالح إرادة المُفترس، ولهذا جرت الحروب وتجري أبدا.

وتحول العرب إلى فريسة، يتم هضمها وتسخير طاقاتها وفقا لمقتضيات مصالح الدول القادرة على إفتراسها، وتلعب دول الجوار شرقا وشمالا دورا سلبيا في هذا الخصوص، لأن مصالحها الوطنية قد أعمتها، وجعلتها تتناسى الدور الإنساني وحقوق الجيرة والمصالح المشتركة، والتفاعل التأريخي الحضاري العقائدي على مرّ العصور.

وفي الواقع المحفوف بالمخاطر ، فتِحت الأبواب وأشرِعَتْ المنافذ للقادمين من كل حدب وصوب، حتى تحولت الأرض العربية إلى ميدان إفتراس شرس، لا يعرف إلا الخراب والدمار وسفك الدماء.

وتحولت ثروات النفط إلى دخان، والبشر إلى سجير، وما عادت الأوطان إلا مواقد متأججة، وكأن الوطن أصبح تنورا.

تلك مصيبة الوجود العربي وأوجاعه المتنامية، التي تسعى لتحويله إلى رماد تتناهبه الرياح والأعاصير العدوانية الهابة عليه بلا هدوء ولا إنقطاع.

وهذا يفسر سقوط العراق في مخالب الحروب منذ أكثر من ثلاثة عقود، وإبتداء ولوج الدول العربية في مسيرة حمام الدم وجحيم النيران، التي ستبسط حريقها على عقود القرن الحادي والعشرين القادمة، وهي المقدمة اللازمة لمحق العرب عن بكرة أبيهم!!

 

فهل سيتحقق الخروج من قبضة اليأس ومخالب القنوط وحُفر الضياع؟!!!

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم