آراء

سامراء وما جرى"!!

تعودنا على آلية دفاعية إستكانية تعجيزية وتدميرية، عنوانها " أهون الشرّين"، وهي منطق بائد وأسلوب جائر جرت على تسويغه الأنظمة المتسلطة التي تمتهن الشعوب، فعندما تقترف الخطايا والآثام يكون جوابها الذي يسوّغ لها عمل المزيد من البشائع، أنها لو لم تفعل هكذا لحصل الأسوأ، وهذه سفسطة بهتانية للخداع والتضليل ومواصلة الإمتهان، والإذلال والجور المُنافي للقيم المرفوعة أو المدّعاة.

وهي كما في القول "ترضى بالموت لو بالصخونة"، أما أن أميتك، أو أبقيك عليلا كسيحا مستعبَدا أسيرا، تحت سياط رغباتي وتوجهاتي وتصوراتي وأوهامي.

فهذا منهج لا تقره الديمقراطيات والأديان والمعتقدات والدساتير والقوانين، ولا يتفق مع أبسط حقوق الإنسان والحيوان، فكيف بربك إذا كان الفاعل من ذوي المذاهب والأديان؟!!

كما نتناسى أن الشر يلد شرا، والخير ينجب خيرا، والخير ينتصر على الشر دوما، والشر لا ينتصر على الشر أبدا، والصراع بين الخير والشر هو القائم منذ الأزل!!

تلك مقدمة للوصول إلى محاولة عرض بعض حقائق ما جرى - والتي سبقها إختراق أمني عند أحد الحواجز كما يُذكر، وقراءتها، وسط صمت إعلامي شديد - في مدينة تم حجز أطفالها ونسائها وشيوخها طوال الليل في جامع إسمه "جامع الإمام علي بن أبي طالب"، وهم يحتفلون بالمولد النبوي، فيُهانون، ويُعتقلون في الصباح ويُعذبون، ويحشرون في غرف صغيرة وبالعشرات، وهذه الغرف هي لفحص المرضى في بناية كانت مركزا صحيا وقائيا وعلاجيا، والمدينة يزيد عدد سكانها على النصف مليون بكثير، ولا توجد فيها إلا مستشفى متهالكة تفتقر لأبسط الخدمات المعاصرة، وبسعة مئة سرير أو أقل.

كما أن أول مدرسة إبتدائية فيها قد تحولت إلى معسكر أو مقر قيادة، وصارت المناطق القريبة من هاتين البنايتين تتعرضان لقصف عشوائي بالهاونات، وتحصل مداهمات ليلية تروّع الناس، وتصيب الأطفال بأنواع الشدائد النفسية والإنفعالية، لما يشاهدونه ويمرّون به من عناء ومخاوف جِسام.

ويُخشى أن يكون هذا السلوك من بنات الأجندات والمخططات الهادفة للإيقاع ما بين جميع القوى، التي تساند أبناء المدينة للدفاع عنها والحفاظ على الأمن والأمان، والذود عن مراقد الأئمة الأكرام، ويسعى إلى إيقاد الصراع والتفاعل السلبي، ودفعه بإتجاهات الفعل ورد الفعل، لتسويغ ما خفي من التطلعات والنوايا المبيتة.

ويبدو أن هناك مَن أخذ يروج لمغادرة أبناء المدينة وخصوصا محلة القاطول، التي تقطنها الغالبية من عشيرة البونيسان، الطيبة الكريمة الرحيمة ذات القيم والأخلاق والعراقة، والنخوة والعزة والكرامة.

فتحويل المركز الصحي الوقائي إلى مقر عسكري، في مدينة تعاني أصلا من تردي الخدمات الصحية، ومصادرة المدرسة الإبتدائية الأولى العريقة فيها، ومداهمة الناس وإعتقالهم، لهي إشارات واضحة ورسائل ترحيل معززة بالسلوك، كما أن المدن يتم حمايتها والدفاع عنها في محيطها، وليس في التعسكر داخلها وبين الناس.

ومن الحكمة والسياسة والصدق، أن لا تقع جميع الأطراف في هذا المطب الذي ُيضعف قدرات حماية المدينة، وتأمين سلامتها، ولا بد من سيادة القانون، وتدخل المرجعيات التقية وذوي الحلم والرشاد، لمنع التطورات والتداعيات التي قد تتمخض عمّا حصل، لأن هناك الكثيرون المتصيدون في الماء العكر، فالمدينة بما فيها تُلزِم الجميع أن يكونوا كالبنيان المرصوص ، وأن يعتصموا بحبل المحبة والألفة والوحدة الدينية التي تمثلها المدينة على مرّ العصور.

ولابد من الجهود الخيرة الطيبة الرحيمة الغيورة، للحفاظ على العلاقة الأخوية الروحية ما بين الجميع، وأن تتحقق الإيجابية في التفاعل، ويتجاوز الناس ما حصل، والإنتقال إلى رؤية جديدة تؤمّن سلامة المدينة ومواطنيها.

أللهم أعِد لمدينة "سرّ مَن رأى" سرورها ونضارتها وبهجتها، ورمزيتها الحضارية والإسلامية المتميزة التي تصدح بها مآذنها، وتعبّر عنها بثقافتها وسلوكها، وإن مع العسر يسرا !!

"وكُلّ الحادثاتِ إذا تناهتْ .. فمَوصولٌ بها فرجٌ قريبُ"

 

د-صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم