آراء

ألارهاب في فرنسا والفساد الحكومي في العراق .. مقارنة بين ارهابين

تعرف الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" الارهاب على انه "الاستخدام المنهجي كوسيلة من وسائل الإكراه". ويعرف القانون الجنائي الارهاب على أنه "تلك الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من الخوف، ويكون موجهاً ضد أتباع دينية وأخرى سياسية معينة، أو أهداف أيديولوجية، وفيه استهداف متعمد أو تجاهل لسلامة غير المدنيين" . وبعض التعاريف الان تشمل " أعمال العنف غير المشروعة والحرب. ويتم عادة استخدام تكتيكات مماثلة من قبل المنظمات الإجرامية لفرض قوانينها" .

ومن خلال التعريف اعلاه، يصبح من غير المعقول أبدا، ان حكومات العالم، وبالاخص الحكومة الفرنسية، التي عاشت تلك الاحداث الارهابية، وحيث تؤوي اكثر من خمسة ملايين مسلم، انها سوف لا تتوقع أن تجد من بين هذه الملايين المسلمة من لايبالي من جعل مسألة الاسائة للاسلام والاستهزاء بالنبي الكريم "ص"، تمر بلا ردود افعال تتسم بالعنف . فبغض النظر، سواءا أكان هؤلاء الارهابيين ممن قد تم تجنيدهم لتنفيذ وسائل ارهابية باسم الاسلام نفسه، أو ربما حتى لو كانوا مجرد اشخاص من الاخيار، ممن يؤمنون بشكل عميق بان الشهادة في سبيل الدين هي المدخل الى جنات الخلود، فأن الاستهزاء بالرسول محمد (ص)، يبقى بالنسبة لهم من بين اكثر الاستحقاقات للتضحية بالنفس . ولكن، ومع الفرق الهائل بين الهدفين، لكن النتيجة بكلا الحالتين تبقى واحدة. فالارهابي في تبنيه اهداف العنف الذي تشجعه عقيدته الارهابية البربرية للضلوع فيه والتعامل الاجرامي ضد قيم الدين الاسلامي الحنيف، أو ذلك الانسان المؤمن النقي السريرة والذي يضحي بنفسه من اجل نيل الشهادة، فان النتيجة ستكون خسارة كبرى لسمعة الاسلام والمسلمين، بل ومزيدا من ردود الافعال المسيئة للاسلام من قبل الغرب، فما العمل اذا وكيف يمكن ان يكون الموقف للرد على ذلك التحدي العلني للاسلام؟؟؟!!!

كما وانه من غير المعقول أبدا، ان تتناسى الحكومة الفرنسية بهذا الشكل، أن في العراق بالذات، منظمة داعش الارهابية، وقد احتلت اراضي كبيرة منه، فقتلت وشردت مئات الالوف من العراقيين، وفجرت المساجد واضرح الانبياء وخربت مدنا كاملة، وارهابها باق يغذي العالم بالدمار وتهديد أمنه، ولكن، وامام كل ذلك، وجدنا أن الحكومة الفرنسية تخرج بتظاهرات مليونية من اجل ادانة الارهابيين لقتلهم لاثنى عشر من المدنيين، وتقوم أيضا بنشر حوالي 40 ألفا من جنودها لحماية الشوارع !!! وكان حريا بها التدخل العسكري "الفعلي" والتنسيق مع الحكومة العراقية لضرب الارهاب وتدميره وتجفيف منابعه في العراق وسوريا . فهل تعتقد فرنسا أو غيرها ان هؤلاء الارهابيين الدواعش سوف يكفون عن ارهاب الشعب الفرنسي أو غيره بعد خروج التظاهرات ؟؟؟ وهل أن قرار الحكومة الفرنسية هذا صائبا من اجل حماية شعبها من الارهاب، في حين ان القوة وحدها هي الكفيلة بالقضاء عليه ؟؟!!

ففي الوقت الذين ندين فيه الارهاب ومنظماته الاجرامية بشدة، فباعتقادنا، ان الحكومة الفرنسية كان عليها ان تتوقع ردود افعال متطرفة ضد تلك الاسائات للاسلام ولنبيه الكريم، فبدلا من ان تقوم بمعالجة ذلك الارهاب "الفكري" المتطرف الذي تبنته بعضا من مؤسساتها الاعلامية المسيئة لعقيدة الاخرين، كان الاجدر بها الاعتذار الى العالم الاسلامي، والقيام باجرائات معينة لمنع تكرر تلك الاحداث الارهابية، بدلا من تحشيد 40 ألف جندي لحراسة شوارع باريس . كما ولا نعتقد ان هناك أي حاجة لمسيرات مليونية في الشوارع لادانة الارهاب، والارهاب وكما أسلفنا لا يفهم سوى منطق القوة. كما وان تلك المسيرات، كانت في بعض جوانبها الاعلامية، محاولة انتهازية واضحة ونوعا من غزل للحكومة الفرنسية لكسب رضى اسرائيل وضحاياها اليهود. فالنتائج التي خلصت لها تلك المسيرات،انها قد أعطت فرصة لبعض الحكومات العربية التي ترعى الارهاب وتغذيه وتشجع علمائها في فتاوى شاذة على استمراره وتبريره، كالسعودية وقطر وتركيا والاردن، لتسارع الى الانضمام الى تلك المسيرات، تماما، كمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته. !!

لقد كان على الحكومة الفرنسية ان تدرك، أن التطرف الفكري والديني الذي تمارسه بعض مؤسساتها الاعلامية كان مجرد نوعا من "مقايضة"مع الارهاب الذي ضربها من خلال اسائتها الى الاسلام، حتى وان لم يكن ارهابها عن طريق استخدام العنف . حيث كانت اسائاتها تلك لا تخلوا من الاستفزاز ودوافع الكراهية والتحدي من خلال ممارسة نوعا من الارهاب الفكري الديني ضد مشاعر الشعوب الاسلامية . لكننا وجدنا، ان سياسات الحكومة الفرنسية لم تكن معنية بردود افعال مؤسسة ارهابية استخدمت وسائل لتلك الاسائات للرسول، ألامر الذي جعل من كلا العقيدتين متساويتان في الاجرام . وكانت النتيجة، هي تلك المواجهات الدامية، وهي قضية اجرامية مورست على مستوى الجانبين، الفرنسي وداعش على حد سواء. فالضحايا كانوا نتيجة الممارسة الخاطئة من قبل تلك المؤسسات الاعلامية من خلال ارهابها الفكري، بينما داعش كانت جريمة ارهابها القتل وترويع خلق الله تعالى. ولكن النتيجة ألاهم في كل ذلك، أن الكراهية ضد الاسلام قد ازدادت وربما بشكل أكبر وأكثر عنفا في المستقبل. فالفساد الاخلاقي والقيمي من قبل تلك المؤسسات الاعلامية في فرنسا ومن خلال تلك الكاريكتيرات الساخرة بعقائد وأديان الشعوب، انما هي وسائل ارهاب فكري ديني بحد ذاته، وهو أحد أنماط التطرف والتحريض على مزيدا من العنف .

في كل ما حصل، باعتقادنا انها حالة تذكرنا بما متوفر من عار الفساد الاجتماعي والسياسي الذي ينخر بالبنية الاجتماعية في الوطن العراقي ولا يجد له من قيادة تتسم بالمسؤولية لكي تمارس الردع المطلوب وبالطرق الناجعة والتعامل معه كأي ارهاب أخر!! فالارهاب وكما أسلفنا أنه الاستخدام المنهجي كوسيلة من وسائل الإكراه .

فبالاضافة الى الارهاب الداعشي، فأن الارهاب في العراق متعددة الجوانب والالوان . فان ما يحصل من فساد اداري ومالي واجتماعي، يعتبر من أعتى وجوه الارهاب الاخرى وكأحد وسائل الاكراه الذي يمارس ضد الثروة العراقية، وهو لا يقل صرامة وشدة وقسوة على جوانب الحياة التي لا يزال يعاني منها شعبنا . ومع ذلك، فان هذا النوع من الارهاب لا يلقى اكتراثا كبيرا من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية من خلال اهمالهم ومحاربته بعنف والقضاء عليه من خلال تشريع القوانين والممارسات الصارمة وفضح المتهمين بالضلوع فيه وتقديمهم للعدالة . فهذا الاهمال وعدم النظر له بجدية، كان بسبب ان الحكومة تتعامل معه كنوع من تحصيل حاصل، وقد يسرهذا الاهمال استفحال هذا العنف الاجتماعي ليستمر في المجتمع بهذا الشكل الهدام .

فعندما يفتقرشعبنا لقادة وسياسيين ومسؤولين شرفاء تنقصهم القيم الوطنية والاخلاقية والانسانية، فمن المستحيل للحياة ان تنصلح . ويصبح من الصعب النظر الى الحكومة والبرلمان والعملية السياسية برمتها، انها تمثل الامال الوطنية لشعبنا، وكما يحصل الان . فلطالما بقيت مجموعات "الحرامية" ودنيئي النفوس وعديمي الضمائر والاخلاق في مرافق الدولة والعملية السياسية، يصبح من الصعب جدا على العراقي في الخارج التفكير بالعودة لوطنه، وتبقى هذه الظواهر الهدامة يهيمن على استمرارها هؤلاء "الارهابيين" . فالعراقي في الخارج، يعلم ان عودته تحت ظل هكذا تحاصصات سياسية، سوف لن تجعله يتوقع أن يحيا الحياة الكريمة التي يجدها اليوم هنا، فما الداعي لعودة سوف لا يعيش من خلالها في ظل كبرياء وطني، او أنه سيستطيع تحرير نفسه من سجن هوانه .

باعتقادنا، ان فرنسا وغيرها من دول العالم، ستبقى مهددة بالارهاب، ما لم تسارع مع الإتلاف الدولي بنوايا "حقيقية"، للقضاء الفعلي والتخلص من داعش في ضرب منابعه في العراق وسوريا والقضاء عليه، لا ان تقوم بمسيرة "اعلامية" لكسب رضا ضحايا اسرائيل .

ان منظمة الدواعش الارهابية تمتلك اليوم مقومات الدولة بسبب انها محاطة برعاية دول عربية جبانة وخبيثة لا تزال تغدق عليهم، فكيف لانجد ان هذه المنظمات بارهابها تتمادى في ارجاء العالم؟ فمن غير المعقول أن شعبنا اليوم هو من يدفع ثمن ارهاب هذه المنظمة الارهابية بما تمارسه من قتل وارهاب، وفوق كل ذلك، يبقى السياسيون السفلة في الحكومة محميون من قبل الحكومة، بينما شعبنا برمته باقي لا حول ولا قوة له لدرأ هذا الارهاب الذي تحميه السلطة التنفيذية والتشريعية من خلال صمتها عليه، ليستمر بحياة تحت وطأة هذا الشر، بينما يستمر الاعتقاد أننا نحيا في دولة "ديمقراطية" ...

حماك الله يا عراقنا السامق ..    

في المثقف اليوم