آراء

لصوص يعتمرون العمائم

fakhry mashkorعندما وصل فريق الامام الخميني الى السلطة في ايران اصدر امراً بمنع رجال الدين الرسميين (الذين يعتمرون العمائم) من تولي مناصب حكومية.

كان يهمه سمعة الاسلام ويخاف عليها من ان تتلوث بسبب سلوك من يمثل الاسلام ظاهرياً على الاقل، وهم علماء الدين. ولان الناس لا يعرفون درجة العالم واهميته من عمامته، فانهم يعتبرون كل من يعتمر العمامة ممثلاً للدين وناطقا باسم الاسلام. وهذه هي النقطة التي ادركها الامام الخميني فحرص على عدم تصدي المعممين للمناصب الحكومية التي هي مزالق ينحدر الى مهاويها اغلب الذين يصلون اليها

كان الامام الخميني مصيباً في تشخيصه للخطر، لكنه سرعان ما ادرك استحالة الاستغناء عن شريحة واسعة من الكفاءات العلمية والادارية والسياسية من رجال الدين الذين يعتمرون العمامة.

ادرك الامام الخميني ان من الضروري وضع الية جديدة لمنع تشويه سمعة الاسلام بفساد المعممين المنخرطين في السلطة (وحتى خارج السلطة) فصدر قرار يقضي باجبار المعمم الذي تثبت عليه جنحة او جريمة (مخلة بالشرف) بخلع عمامته ومنعه من اعتمارها باقي عمره، صيانة للاسلام من ان يؤاخذ بجريرة من يضع شعار الدين على رأسه ويراه الناس عنوانا للشريعة، ويعتبرون قوله وفعله وتقريره تجسيدا للاسلام.

وشاعت كلمة الامام الخميني في حق الذين تورطوا في الاستيلاء على المال العام: " لا تقولوا هذا المعمم لص، قولوا هذا اللص يعتمر العمامة" .

                     *   *   *   *

ينقسم الموقف من الفاسدين في نظام سياسي او اخلاقي معيّن على ثلاثة انواع:

1. منهم من يرى ان فضح الفاسد وملاحقته ضرورة قصوى حفاظاً على المنظومة التي ينتمي اليها (دينية ام سياسية). اشهر من يمثل هذا الاتجاه: علي ابن ابي طالب

2. ومنهم من يرى ان علي بن ابي طالب اخطأ في هذا الجانب؛ لأن فضح الفاسد يؤدي الى انهيار المنظومة، ولذا يفضل عدم كشف الفاسدين ويطبق بحقهم شعار:" دعهم يعملون" الذي استعاره من منظومته الثقافية ...أخذه من المكان الصحيح لكنه طبقه في المكان الخطأ. واشهر من يمثل هؤلاء نوري المالكي الذي لا زال يؤمن بهذا المبدأ، والمعممين الثلاثة الذين تنتمي لهم كتل برلمانية معروفة

3. ومنهم من يرى ان كشف الفاسدين لا ينبغي ان يكون من ممارسات الانسان المتدين، لأن ذلك قد يدخل في اشكال الغيبة او ظن السوء، خصوصاً ان الشبهات كثيرة، وبين الحق والباطل اربع اصابع، وان الكلام كثير خصوصاً بحق "رموزنا" العلمائية من سلالة البيوت العلمية والمرجعية، وأن هذا الكلام يصدر من الذين يحاولون تسقيطهم لاسقاط المرجعية والعلماء او الاحزاب والمجالس الاسلامية العليا.

هذه الثلاثة هي الاشهر من المواقف من الفساد في اوساطنا.

                     *   *   *   *

- انا لا اريد ان اناقش الموقف الاول (موقف علي بن ابي طالب) لا لانه لا يقبل النقاش- حاشاه - بل لاني مؤمن به وبموقفه، فما عساني اقول؟ اما اتباعه الذين يؤمنون بنهجه فلا قيمة لهم ولا وجود، لانهم في دائرة الهدف من قبل الرماة من اصحاب الموقف الثاني، وكلما برز رأس واحد منهم رمي بسهم مثلث الرؤوس، أو بكاتم غير محسوس.

- ولا اريد مناقشة الموقف الثاني، لأنه لا يرى نفسه قابلا للنقاش، فهو محمي بعمامة او عائلة أومرجعية (موروثة ام مدّعاة) او بقايا حزب، وليس مستعدا لتغيير موقفه من التستر على الفساد عن علم وعمد، وان كنت مخطئا فليكذبوني بقولٍ او فعلٍ او تقرير.

- لكني اريد مناقشة الموقف الثالث الذي يحمله الكثير من المؤمنين الصادقين الذين سلب اللصوص كل ما عندهم لكنهم لازالوا يخشون غيبتهم...

عتبي على الذين يجدون عمارات منتصبة في انحاء العالم وارصدة متخمة في بنوك العالم وشبابا كانوا بالامس لا يملكون مصرف جيبهم فاذا بهم اليوم وصلوا في عالم الاعمال الى قمم لم يبلغها رجال اعمال كبار قضوا نصف قرن في التجارة....كيف يعجز اولئك المؤمنون الطيبون ان يدركوا ان كل تلك الاموال والاملاك أتت من الحرام؟

لا اريد الا ان اقدم لهم اقتراحاً يصلح لدينهم ودنياهم. اقول لهم:

1. ان هؤلاء الذين تخشون غيبتهم اصبحوا من اثرياء العراق الذين يتحدث بثرائهم كل العراقيين، ومن تجار العالم الذين تتحدث بهم العواصم، وكل من يعرف ثروتهم يعلم انها اموال حرام حصلوها باستغلال السلطة

2. وان كل الناس يحسبونهم عليكم وعلى التيارالديني، وان فسادهم لوّث سمعتكم وسمعة كل متدين وانتم لا تشعرون

3. وان سكوتكم بحجة التحرج من الغيبة سوف يشكل سياج امان وشبكة حماية لهم في الدنيا، بينما سوف يشكل لكم لهيباً من نار جهنم لانكم شاركتوهم بالسكوت، فيوم القيامة يُسأل الانسان فان قال لا اعلم يقال له: لماذا لم تتعلم؟

نصيحتي لهؤلاء الطيبين: لا اقول لكم اتبعوا كل اشاعة، او انعقوا مع كل ناعق، بل دققوا وتحققوا و اسألوا: لمن هذه الاملاك التي تنتصب امام اعينكم وامام اعين العالم؟ ثم اتخذوا الموقف الشرعي العقلي على اساس علم وبيّنة:

• فان لم تكن هذه الثروات لهم ولا لاولادهم فاعلنوها للناس ودافعوا عن رموزكم أو اخوانكم الذين تلوكهم السنة الناس بنسبة هذه الاموال اليهم او الى اولادهم. وسأكون انا اول المشاركين لكم في الدفاع عنهم بكل ما اوتيت

• وان كانت لهم او لاولادهم فعلاً، وقد كسبوها بالحلال من الرواتب او من خلال الكسب التجاري وكان هذا الكسب نموّا طبيعاً لرأس المال الذي كانوا يملكونه قبل السلطة، وكان ضمن النمو الطبيعي المتناسب مع العمر والخبرة ومدة الاشتغال بالسوق وضمن سياق النمو الطبيعي في عالم التجارة فدافعوا عنهم ايضاً.

• وان كانت ثرواتهم وثروات اولادهم ومقربيهم اكبر من عوائد التجارة الطبيعية، واكبر من امكانياتهم من حيث الخبرة في السوق والعمر والفترة الزمنية الطبيعية لنمو الثروات، او انها جاءت من دون راسمال سابق، او بجهد يتناسب مع هذه الثروة فاصحروا بالامر لئلا تتلوث سمعتكم كمتدينين هذه نماذجهم، واعلنوا براءتكم وبراءة الاسلام منهم، خصوصا اذا كان هؤلاء معممين

اسهل طريقة ان تطلبوا منهم ان يعلنوا ان هذه الاملاك (التي يقول الناس انها لهم او لاولادهم) هي في الحقيقة ليست لهم. والمفروض ان لا يترددوا عن هذا الاعلان ان كانوا صادقين.

اما اذا بقيتم تخافون التحقيق وتخشون التدقيق لئلا تقعوا في الغيبة وسوء الظن، فانا على يقين (وليس ظن) انكم سوف تخسرون سمعتكم في الدنيا لنكوصكم، وتحاسبون في الاخرة على سكوتكم

فكل الناس يعرفون الحقيقة، الا الزوج المخدوع.

في المثقف اليوم