آراء

أنا مسلم .. إذن أنا متهم حتى أثبت براءتي!!

latif shafiqأنا مسلم بالولادة والجنسية ومنحت أولادي وأحفادي هذه الصفة واعتبروا مسلمين بالولادة أيضا حتى من اكتسب الجنسية الأجنبية منهم .

حفظت عن ظهر قلب أجزاء وسور من القرآن الكريم كجزء عمة وجزء تبارك في المرحلة الابتدائية وبعض السور التي أصبحت مقررة في امتحان الصفوف المنتهية للمراحل الثلاثة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، أما في بداية حياتنا فقد تلقينا ما يؤكد انتمائنا للدين الإسلامي وابتداء من رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي وكذلك عند تلقيننا أجوبة عن أسئلة مفادها من هو ربك والجواب الله ربي ومن هو نبيك والجواب محمد نبيي وما هو دينك الجواب الإسلام ديني ومن بعدها تعرفنا ومن المدرسة أيضا ولغرض الامتحان أركان الإسلام وهي خمسة الصوم والصلاة والحج والزكاة وشهادة أن لا إله إلا الله محمد عبده رسول الله، وأضيف إلى معلوماتنا كيفية أداء الصلاة بأوقاتها الخمسة وبهذه المناسبة أذكر أن معلم اللغة الانجليزية في الصف الخامس الابتدائي في مدينة كربلاء المقدسة عام 1945 كان يرسب كل طالب يصل لعلمه بأنه لا يقيم الصلاة والمفارقة أن المعلم المذكور كان يأتي للصف مرتديا الجبة و(السيدية) وهي لباس الرأس لسدنة الحضرتين في كربلاء .

لقد كنا نجد في غالبية بيوتنا من يؤدي فرائض الإسلام الخمسة إضافة لتلاوة القرآن الكريم وخاصة كبار السن منهم ولذلك فقد كانت تطلق تسمية حاج وحاجة عليهم حتى ولو لم يؤد فريضة الحج،كما وأن وجود كتاب الله الخاص بالمسلمين وهو القرآن الكريم ضروري ويسمع ترتيله يوميا وخاصة من دار الإذاعة ومؤخرا من التلفزيون كما أن آذان الصلاة يرفع في أوقاتها ومن مكبرات الصوت المثبتة على مآذن الجوامع العديدة والقريبة من دور السكن .

إن أغلب من وجد نفسه مسلما منذ نشأته الأولى وتربى في أحضان أم وأب مسلم وفي بيت جميع ساكنيه من المسلمين وتم تصنيفه في سجل الأحوال المدنية تحت عبارة مسلم دون الإشارة إلى مذهبه لم يقرأ أو يتوسع في البحث والاطلاع عما ورد بتعاليم الإسلام ومذاهبه إلا من تخصص بهذا الشأن وإن الغالبية العظمى انتمت واندرجت وانحازت وتشددت أحيانا إلى مذاهبها الدينية لا تعرف عنها سوى ما يصلها من المنابر وخطباء الجوامع الذين يلقون خطبهم وفتواهم دون حسيب أو رقيب وقد تصل في أكثر الأحيان لتأجيج الصراعات وإثارة العواطف والفتن ضد الفئة الأخرى، إن مثل هذه الأمور قد تطفو على السطح في أوقات وظروف معينة وذات أهداف مرسومة بإتقان ولغاية هدفها تفكيك النسيج الاجتماعي العراقي الذي يتميز بتنوع طوائفه وانتماءاته المذهبية والعرقية، من منا لم يتعرف على ما تحتويه بيوتنا من هذا التنوع ومن منا لم يجد في بيت أو بالأحرى في فراش واحد يضم السني مع الشيعية والشيعي مع السنية وينشأ أولادهم وأحفادهم وبالتولد أيضا وهم يحملون صفة مسلم دون الإشارة إلى المذهب وهذا الأمر ينطبق على اختلاف القوميات أيضا.

لقد كانت دور المسلمين تجاور دور المسيحيين والصابئة ومثلها دور العرب تجاور دور الأكراد والتركمان إضافة لصلة الرحم بينهم أيضا، وكثيرا ما كانت موائد المناسبات الدينية والاحتفالات تجمع شتى الأطياف من مسلمين شيعة وسنة وأصحاب ديانات أخرى يجمعهم المثل القائل (بينه وبينهم زاد وملح) .

إنني وخلال مسيرة عمري التي ابتدأت عام 1932 ولغاية هذا العام 2015 لم أجد نفسي متدينا بمعنى الكلمة ولكنني خلالها دخلت العديد من الجوامع والمزارات والكنائس وبقلب خاشع وقد أبهرتني رؤية القباب والأضرحة والزخارف والفسيفساء مما يدل على اهتمام وتعلق الإنسان بمعتقداته الدينية وقد انعكس هذا الأمر على بعض رسوماتي وضمنتها بعض تلك المشاهد كما استفدت من هذا الموروث في صياغة مقطوعاتي الشعرية واعتمدت على ما تضمنته لغة القران وآياته المحكمة، إن الكثير من أبناء جيلي وخاصة في مرحلة الشباب تبنوا الأفكار اليسارية والتي تدعو لسعادة الناس وإزالة الفوارق الطبقية وإنصاف الفقراء ولم يقتصر هذا الأمر على ما تحتويه الكتب من توجه يساري وفلسفة اشتراكية فقد يجد المتتبع بأن أكثر الكتب السماوية والتعاليم الدينية تنهج هذا النهج ومنها ما ينطبق على الدين الإسلامي وقوله المسلم من سلم الناس من يده ولسانه وتحيته الشائعة بين جميع مسلمي المعمورة ومع اختلاف لغاتهم (السلام عليكم وردها وعليكم السلام ورحمة الله) وكما خاطب الله تعالى رسوله الكريم محمدا (ص) بقوله (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، كما وأن معظم الآيات التي تعالج الأوضاع الاجتماعية قد أنصفت المسكين والفقير وابن السبيل (فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث)، ودعت كذلك إلى العدل (ويا قوم أوفوا المكيال والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين) ،أما فيما يتعلق بالنهي عن القتل والإرهاب فقد جاء قوله تعالى واضحا دون لبس (من قتل نفسا بغير نفس أو فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا وأيضا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) .وهناك العديد من آياته تدعو للفلاح والصلاح ومن أراد أن يتبعها بنفس زكية ونقية وبعيدة عن الإثم والعدوان يساهم بالتأكيد على أن الإسلام هو دين المحبة والسلام ويدحض من يحاول أن يشوه رسالته السمحاء،

ألم يدعو النبي محمد (ص) قومه بقوله الناس سواسية كأسنان المشط ولا فرق بين أعجمي وعربي إلا بالتقوى وإن الكلمة الطيبة صدقة والكثير منها، أما الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم فقد اتبعوا سننه وأقاموا دولة العدل والإنصاف من بعده ومثلما قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه (لو كان الفقر رجلا لقتلته) وقول الخليفة عمر رض الله عنه (متى استعبدتم الناس وقد خلقتهم أمهاتهم أحرارا) ولا يمكننا التوسع في هذا الشأن لضيق المجال وتجنب الابتعاد عن صلب الموضوع وهو تبرئة المسلمين مما تقوم فيه بعض الزمر التي خرجت عما جاء فيه الإسلام الحنيف ونبيه الكريم محمد (ص)، تبرئة المسلم الذي يقتل منه بيد هؤلاء العتاة آلاف الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ وشباب وتمزق أشلاءهم بفعل الأحزمة الناسفة والعبوات والسيارات المفخخة حتى بلغ عدد من قتل منهم وجرح أكثر من مليون إنسان في العراق عدا من هجر وتشرد فهم بالملايين يسكنون في الخيام وتحت ظروف مناخية قاسية والبعض منهم هاجر وترك بيته ووطنه الذي عاش فيه وعائلته لسنوات طويلة، أن عملية القتل والتهجير والإبادة الجماعية لم تستثن أحدا فقد طالت المسلم السني والشيعي والمسيحي وجميع القوميات والطوائف وأبشع وسيلة للقتل اتخذها هؤلاء المجرمون هي قطع الرقاب بعد تلاوة عبارة الله أكبر والله والإسلام منهم براء، كل هذه الممارسات تجري تحت سمع ومرأى العالم المتمدن والذي لم يبد احتجاجه العلني بالإعلام أو التظاهر ضدها، وما معنى تدفق آلاف الأوربيين من دول عديدة للمشاركة بذبح العراقيين والسوريين هل جاؤوا لنصرة الدين الإسلامي أم أنهم جاؤوا وبمهمة متسترة من أجل تدمير وتمزيق هذه البلدان ومن ثم السيطرة على مواردها الهائلة؟

إن ما حدث في فرنسا ضد مجلة (شارل أبدو) وقتل أثنا عشر فردا من كوادرها من قبل أفراد تدعي أنها تنتمي إلى الديانة الإسلامية يندرج تحت ما تقوم فيه هذه الزمر الأرهابية وبذات الشعارات والرايات التي ترفعها في العراق وسوريا على وجه الخصوص وباسم إقامة الدولة الإسلامية في العراق والشام والذي امتد خطرها إلى أرجاء مختلفة من العالم وتقف وراء انتشارها وأجنداتها جهات منتفعة عديدة تندرج تحت مفاهيم لعبة الأمم التي ابتدأت تحت ما يعرف بالاستعمار(الكولونيالي) وامتد زاحفا بأساليب مختلفة وبعناوين براقة ومغرية ظاهرها نصرة الشعوب وباطنها استنزاف خيراتها ومواردها، وليس ببعيد ما يحدث وحدث في العراق والذي هو من أغنى بقاع الأرض موردا وحضارة وقد بلغت ميزانته خلال الأعوام المنصرمة ما يقارب 150 مليار دولار ذهبت هباء بفعل فاعل خبيث وترك الشعب يعيش تحت خط الفقر والحرمان والتخلف وهو ما خطط له الطامعون ويمكن اعتباره السبب في تفشي حالة الارهاب والتي تتلخص بسببين أولها جعل المنطقة تعيش حالة من الفوضى والتخلف والحرمان ومحاصرتها بالعادات والتقاليد البالية والغيبية وثانيها منع تلك الدول من الاستفادة من مواردها الطبيعية وطاقاتها البشرية وتبذير أموالها في حروب عدمية مما ينتج عنها أعداد هائلة من العاطلين يمكن استغلالهم وضمهم إلى صفوف الأرهاب بعد غسل أدمغتهم وإغراءهم بالمال وبدعايات براقة ومنها الجهاد في سبيل الإسلام .

ألا يكفي هذا تبرئة المسلمين وبقية الأديان من الفقراء والمعدمين والذين يسومهم الأرهابيون سوء العذاب يوميا وبذريعة محاربة المرتدين عن الدين والقضاء على الكفار من أجل إقامة دولة الخلافة بعد إزالة كل معلم للحضارة والحياة التي تعود الناس عليها منذ مئات السنين ولم يشعروا خلالها بأي فارق بين مكون وآخر ولم يتجاوز أو يتطاول واحد منهم على أي مقدس أو مرقد من المراقد الدينية،لقد كانت العلاقة الحميمية تشكل حالة متميزة من التعايش السلمي والاجتماعي بين أفراد الشعب العراقي المتنوع بالأديان والقوميات لدرجة لا يشعر كل طرف بأي اختلاف بالعادات والتقاليد ولم تظهر أي صراعات وتصفيات دموية إلا في الفترات الأخيرة والتي برز فيها التدخل الخارجي في شؤون البلد، إن من أبرز مظاهر التجانس والانسجام بين أفراد الشعب العراقي هو ما نجده في أسماء مواطنيه ومنها ما يشير إلى أنبياء وأولياء لمسيحيين ويهود فهي موجودة عند المسلمين بسبب ذكرها في القرآن الكريم كاسم زكريا ويحيى وعيسى وذو النون وموسى وهارون ومريم وساره وغيرها من الأسماء إضافة لوجود العديد من مراقد أنبياء الله من اليهود كالنبي شيت والنبي جرجيس والنبي يونس وذي الكفل قامت أيادي الشر بتفجيرها وإزالتها في وقت كانت ولفترة طويلة مزارا للمسلمين أيضا والى جانب هذا الانفتاح والأيمان الموجود عند المسلمين لم نجد هناك أسماء تخص نبيهم وأولياءهم عند المسيحيين كاسم محمد وعلي والحسن والحسين وعثمان وزهراء وفاطمة وزينب وعائشة والخ، إن ما يؤسف له أن تكون بعض هذه الأسماء سببا في قتل أصحابها والسبب هو ما دعت له قوى الشر والتفرقة لإثارة الفتنة وتمزيق لحمة الشعب من أجل تمرير مخططاتها المشبوهة .

لقد ظهرت وتوسعت هذه الممارسات مع ظهور الحركات والتنظيمات المتشددة والتي تمارس القتل والتنكيل وتنشر الرعب بين الناس بأساليبها الوحشية ومظهرها الغريب في الشكل والملبس وتحت مسمى أحياء الدين الإسلامي وإقامة دولة الخلافة وإن ما تقوم فيه هذه التجمعات المرفوضة من الغالبية العظمى من الإسلام لا تمت إلى السلف الصالح من حملة لواء الإسلام وإن ما ترتكبه هذه الزمرمن جرائم قتل وتدمير وسبي وتهجير لجميع الطوائف يمثل بالأساس الفكر المتخلف والبدائي (ولا تزر وازرة وزر أخرى).

وعلينا أن نفتش ونستدل عن أسباب ظهور هذا التطرف ودوافعه ونشخص بشكل واضح الدوافع والغاية منه والفترة الزمنية التي بدأت تلك الجماعات بالظهور وكيف نمت وتوسعت ومن هي الجهات التي تمولها بالمال والسلاح المتطور والدعاية الواسعة لنشر أفكارها ومن هي القنوات التي تروج لها .

ألا يكفي هذا الحال الذي يعيشه الإنسان العربي والعراقي على وجه الخصوص من تدمير وتهجير وقتل يومي على يد نفس العناصر التي ترتكب الجرائم في بلدان المشرق والمغرب؟ ويمكن أن تشكل دعوة رفض لكل من يتهم المسلمين بشكل عام بأنهم أرهابيون وذباحون بينما تشير كل الدلائل بأن الدين الإسلامي لا يختلف عن بقية الديانات السماوية وإن نبيهم محمد (ص) هو خاتم الأنبياء والرسل وإنه موحى من الله بلسان عربي أنزل عليه كما أوحى لموسى وعيسى عليهما السلام بنشر العدل والإحسان بين بني البشر لذلك فإن الإساءة لأي واحد من الأنبياء تثير مشاعر قومه وتدفعهم إلى الاستنكار والاحتجاج الصارخ إننا في الوقت الذي ندين فيه قتل الأبرياء والاعتداء على ممتلكاتهم ومقدساتهم ومنها ما حصل في فرنسا وبلدان غربية أخرى وما يجري بأبشع منها في العراق وسوريا وبلدان عربية نرى أن من واجب الدول والحكومات والمنظمات العالمية أن توضح لشعوبها أن ما تقوم فيه هذه الزمر يندرج تحت مسمى واحد هو الارهاب العالمي الذي يضرب في كل مكان ولا صلة له بالدين أو المعتقد وأن حرية التعبير لا تعني التجاوز على مشاعر الغير ومعتقداته الموروثة ومن ذلك يمكن القول بعدم وجود أي من المسلمين قد سب وشهر بأنبياء الديانات الأخرى وأظهرهم بمظهر مشين وغير لائق إن ما أقدمت عليه مجلة شارل الفرنسية ومجلات أخرى من نشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد (ص) قد استفز وقبل كل شيء مشاعر ما لا يقل عن نصف مليار من المسلمين واتخذته العناصر المتطرفة ذريعة لارتكابها المجزرة بحجة الانتقام للرسول والذي لقي صداه عند الكثير من المسلمين ممن يعتبر أن المساس بشخص نبيهم وإظهاره بهذا الشكل هو جريمة لا يغتفر لها في المعتقد الإسلامي وإن مما يؤسف له أن تلك المجلة أعادة نشر تلك الصور بملايين النسخ وكأنها بذلك تصب الزيت على النار بدلا من إطفائها ونقول للمجلة ولأخوتنا ممن يعتنق ديانات أخرى ما هو موقفكم وموقف شعوبكم لو أن صحيفة أو مجلة إسلامية تعرضت لأنبيائكم ورسلكم ومعتقداتكم السماوية وعلى سبيل المثال إلى السدة البابوية فهل إن عملها سيندرج تحت مفهوم حرية الرأي والتعبير ولن تواجه بحملة شعواء من قبل شعوبكم إن شعار التعايش السلمي بين مختلف الأديان يجب أن يشمل احترام شعائر ومعتقدات ومقدسات كل طرف من الأطراف وبذلك يتحقق عنه غلق المنافذ بوجه عناصر الشر والجريمة ومنعها من التسلل لبث سموم التفرقة والاقتتال وبالتالي توجيه الاتهامات لطرف من الأطراف وبهذا الأجراء سيؤخذ المجرم بجريرته ويسلم من شروره الأبرياء والأخذ بما ورد بالمادة (77) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي نصت (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) وحث المجتمع الدولي إلى إحالة المجرمين إلى المحكمة المذكورة وضمن اختصاصها وفق المادة (5) من نظامها وهو النظر بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان وعندها لا يحاسب البريء بجرم لم يقترفه وجزاء المجرم ما اقترفت يداه ....      

 

لطفي شفيق سعيد

21 كانون ثاني 2015

  

                      

في المثقف اليوم