آراء

إصلاح الـجهاز الإداري للدولة

hasan zayedيظن البعض جهلاً، أو سذاجة، أو عدم دراية ، بأن الثورة طالما أنها قد اندلعت في بلد ما، فلابد أن تجرف في طريقها، الجهاز الإداري للدولة، باعتباره الجهاز الفاسد، الذي أفضي آداؤه إلي تراكم العلل والدواعي، التي وقفت وراء اندلاع الثورة ؛ ففساد النظام من فساد جهازه الإداري، وفساد الجهاز الإداري من فساد النظام؛ وطالما قامت الثورة علي النظام، فلابد أن تجرف في طريقها جهازه الإداري، لأن هذا الجهاز هو الأداة المنفذة لسياسات النظام، وبقاءه مع ذهاب النظام يفرغ الثورة من مضمونها، لأنه سيعوق النظام الثوري عن بلوغ الثورة مداها. والعلة وراء قولي بجهل، أو بسذاجة، أو بعدم دراية من يقول بذلك، هي أن الجهاز الإداري للدولة يتمثل في أشخاص، وأفكار ومفاهيم، فإن أزاحت الثورة الأشخاص بأفكارهم ومفاهيمهم، فقد جرفت الدولة بكاملها، وأصبح مصطلح الدولة يسبح في الفراغ، وهذا خطر داهم يتهدد الدولة والمجتمع معاً. وليس هناك عاقل يقول بذلك ؛ لأن الثورة تكون علي نظام حكم، وليس كيان دولة، وهيكل مجتمع. فإن قيل فلنذهب بهؤلاء، ونستبدلهم بغيرهم، نقول بأننا بذلك نكون قد استبدلنا فاسداً بجاهل، والجاهل أشد خطراً وفساداً من الفاسد العالم. والقول بإزاحة الأشخاص دون الأفكار والمفاهيم مطلب عبثي لأن الأشخاص هم الوعاء الطبيعي للأفكار والمفاهيم. بخلاف أن الأفكار والمفاهيم ذاتها فاسدة سواء كانت داخل الوعاء البشري أو خارجه . وربما يقال أنه من الأجدي الإطاحة برؤوس الفساد في كل هيئة ومؤسسة ومصلحة وجهاز، حتي ولو وصل الأمر إلي المستوي الثاني في القيادة، مع الإبقاء علي الكوادر الشابة، وتصعيدها إلي المستويات القيادية، وبالتالي يتم التغلب علي فكرة الفراغ، التي ستخلقها الإزاحة الكاملة للجهاز . ولمن يقول بذلك نقول أن الهيكل التنظيمي للجهاز الإداري للدولة، هو في الأساس يقوم علي المركزية الإدارية ، والمركزية الإدارية تعني ربط الأطراف بالمركز، رباط التابع بالمتبوع، وهذا الرباط هو رباط الوجود والعدم، أي: يوجدان معاً، وينعدمان معاً . وقد ورثت الأجيال اللاحقة بكل مستوياتها الإدارية مفاهيم، وقيم، ومعارف، وخبرات الأجيال السابقة، بكل عبلها، وأخطائها، وانحرافاتها، وصوابها. وتشربت هذا الإرث تشرب المجتمعات للعادات والتقاليد، جيلاً بعد جيل، حيث يصعب التعديل والتغيير والتبديل. وقد وضعت التشريعات القانونية للعمل فيما بعد ثورة يوليو 1952 م، بما يتوافق ومركزية الدولة المصرية، حيث تبنت الدولة النهج الإشتراكي الذي تقوم فلسفته علي الإقتصاد الموجه. فالتخطيط ، والتنظيم، والتوجيه، والتنسيق، والرقابة، يتم علي نحو مركزي، دون تفويض صلاحيات، أو اختصاصات، أو سلطات، إلا في أضيق الحدود. ويجري اكتشاف هذا الأمر بسهولة بنظرة عابرة علي قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 م، وتعديلاته. ولعل من أسباب العجز المصاب به الجهاز الإداري للدولة، أن الجميع يذهب إلي عمله في الصباح، يجلس في انتظار التعليمات والقرارات الفوقيه التي تحدد له ماذا يعمل؟. ومتي يعمل؟ إنصياعاً لهذه المركزية . فإن تجاوز ذلك تعرض للمساءلة القانونية . بل إن تشريعات العمل تشرعن للفساد حين تقضي بأنه لو صدرت من الرئيس تعليمات بالمخالفة للقوانين واللوائح، فلا يعفي ذلك المرؤوس من المسئولية، إلا إذا نبه الرئيس كتابة إلي تلك المخالفة، فإن أعاد عليه الأمر، نفَّذ، وتقع المسئولية علي مصدر الأمر . فبدلاً من الإحتكام لجهة ثالثة، يجري التنفيذ في غفلة من الزمن، ويمر الأمر دون محاسبة الرئيس. وبذلك يمكننا القول أن الإطاحة برؤوس الأجهزة، حتي ولو وصلت الإطاحة إلي المستوي الثاني من القيادات، لن تحل المشكلة . فإن كان لا يصح الإطاحة بالجهاز ككل، ولا يصح الإطاحة بالمفاهيم والأفكار دون الأشخاص، ولا يصح الإطاحة بالأشخاص دون المفاهيم والأفكار، ولا يصح الإطاحة ببعض الأشخاص دون البعض، فما هو المخرج من هذا المأزق؟ . وأري ـ وقد أكون مخطئاً ـ أن المخرج في تصحيح المفاهيم، فالثورة هي نقطة البداية الصحيحة، للإنطلاق في الإتجاه الصحيح للإصلاح، وليست نقطة النهاية،والثمرات تجني في النهاية لا البداية، ومن ثم ليس من المعقول أو المقبول مطالبة حكومات الثورة بثمار الثورة، ولكن يُطلب منها التأسيس لنقاط الإنطلاق الصحيحة، التي تصل بنا إلي الثمار . وأتصور أن نقطة البداية الصحيحة في إصلاح الجهاز الإداري للدولة تتمثل في خطوتين، إحداهما عاجلة، والأخري آجلة . أما الخطوة العاجلة فتتمثل في وضع برنامج تدريبي توعوي، لحمته مادة إدارة الأعمال، وقوانين العمل ولوائحه، يجري تدريب العاملين عليه،بقصد محو الأمية الوظيفية، مع ربط الترقية من مستوي إلي مستوي باجتياز الدورة المقررة للمستوي الأعلي، حتي نضمن جدية التدرب . والخطوة الآجلة فتتمثل في وضع مادة إدارة الأعمال، وقوانين العمل، ضمن المناهج الدراسية للطلاب، بما يتناسب والمرحلة الدراسية، حتي يتسني القضاء علي الأمية الوظيفية في مهدها لدي جميع العاملين في الدولة .

حــســـــــن زايـــــــــــد

 

في المثقف اليوم