آراء

لـعــبـة المـتــاجــرة بالــدم

hasan zayedالسياسة هي البديل العقلي والعصري للحرب، والتفاهم بالحوار هو البديل المنطقي للتحاور بالسلاح. والحروب الحديثة، تخلت عن لغة المواجهة المباشرة بالسلاح، وأصبحت القوة الناعمة هي البديل العصري للقوة الخشنة فيها. وأصبحت القوة الغاشمة، دلالة علي التوحش، والتخلف، والهمجية، والرجعية، وما يُحسَم بالسياسة لا يُحسَم بالسلاح، وما يُلتجأ إلي السلاح إلا وصولاً إلي مائدة السياسة. والدولة الحديثة فيما بعد عصر الإستعمار، ما أصبحت تعتمد علي القوة المسلحة، إلا درءًا للعدوان من دولة أخري، تعتمد ذات الأداة في عدوانها عليها. قد نجد استثناءًا هنا، أو استثناءًا هناك، ولكن دائماً وأبداً، الإستثناء يثبت القاعدة ولا ينفيها، كما أنه لا يقاس عليه، وإنما يقاس علي الأصل، ويبقي الإستثناء كما هو استثناءًا وحسب. ولا شك أن اللغة المعتمدة داخل المجتمع الواحد هي لغة العقل والحوار، لا لغة السلاح والإستحمار، لأن ما يجمع المجتمع كوحدة واحدة، هو ذاته ما يجمع الأسرة الواحدة، فلا يصح منطقاً ولا عقلاً، قبول حل النزاعات الأسرية بالسلاح، أو الإلتجاء إلي القوة الخشنة ؛ لفرض الهيمنة والسطوة. كذلك الأمر داخل المجتمع الواحد، الذي تمثل الأسرة نواته الأولي. ولذا فإنه لا يصح في الدولة الحديثة، ألا يكون هناك احتكار للقوة المسلحة، وأن تكون الدولة ـ دون غيرها ـ هي صاحبة الحق المطلق في احتكار هذه القوة. هكذا أرست الدساتير هذا الحق للدولة، دون غيرها، وجرمت حيازة الأفراد والجماعات للسلاح، دون ترخيص من الدولة، حتي لا تكون اللغة المعتمدة داخل الدولة، في فض ما ينشأ من نزاعات، بين مكوناتها الإجتماعية، هي لغة السلاح والقوة ؛ وذلك حفاظاً علي الدولة، وصيانة لكيان المجتمع، الذي قبلنا أن نعيش في كنفه. فإذا قلنا أن هناك فصيلاً في المجتمع، قد خرج مشهراً سلاحه في وجه الدولة، فهل يعد منطقياً مواجهة هذا الفصيل بالحوار، والتعامل معه بالسياسة، أو المهادنة، ويجري تقليم أظافر الدولة في مواجهته ؟. بالقطع لا ؛ لأن ذلك سيهدد وجود الدولة، ويقوض أركان المجتمع، ويصبح وجود هذا الفصيل محل مقارنة بينه وبين وجود الدولة والمجتمع، وهذا ما لايصح. فإن طالب البعض بالحوار، فهل يكون شرطاً له أن تضع الدولة أسلحتها، ويضع هو سلاحة؟. بالقطع لا، فالمنطق يقول بأن هذا الفصيل يضع أسلحته أولاً، ثم يحاسب علي حيازتها ـ سواء شراءًا، أو تهريباً، أو تصنيعاً ـ ثانياً، ثم يحاسب علي استخدامها، ونتائج ذلك الإستخدام ثالثاً، ثم بعد ذلك يجلس إلي ممثلين للدولة للبحث في أسباب الخروج، ودواعيه. وجماعة الإخوان وما تفرع عنها، وتوابعها، وأذيالها، قد جاءت في غفلة من الزمن، وجثمت علي صدر مصر، بعبلها، وهبلها، وعبطها، وجهلها ـ والهاء هنا عائدة علي الجماعة كضمير غائب ـ فأبي شعب مصر في معظمه، تسليم قياده لهم، لأنهم قد انكشفوا، وتعروا، وبانت سوءاتهم. ورفض الشعب المصري لهم هو رفض سياسي، كان يتعين الرد عليه سياسياً وفكرياً، إلا أن الرد جاء في إعلان غير دستوري ـ علي سبيل الإستهبال ـ ينصب مرسياً نفسه ملكاً، كلامه لا يرد، ولا يجوز الطعن عليه أمام أي جهة. وهو ما يمثل نوعاً من استلاب الإرادة، والمصادرة علي المطلوب. فخرجت من رحم الشعب حركة تمرد لترفض هذه الجماعة، ومخططاتها التي تهدف إلي ابتلاع الجماعة للمجتمع، واحتوائها له، وصبه في قالبها. وكان يمكن للجماعة قبول هذا الرفض سياسياً، والتعامل معه بالحوار علي الموائد. وكان أمامها فرصة الإنسياح في المجتمع، وعرض برنامجها من جديد علي نحو مختلف0فلا ريب أن هناك قصوراً، أو خللاً، أوعطباً قد أصاب بضاعتهم، أو أسلوب، ومنهج، عرضها وتهافته. أو أن الظرف الإجتماعي، غير موات لتقبلهم في السلطة، علي هذا النحو الذي ظهروا به. إلا أنهم بدلاً من ذلك، أخذتهم العزة بالإثم، فاستغشو ثيابهم، وركبوا رؤوسهم، وأصروا علي غيهم، وقال لسان حالهم، إما أن نحكمكم أو نقتلكم. ومضوا في طريقهم لا يلوون علي شيء، سوي صناعة أيقونة الدم. فاصطنعوا بخبث مواجهة غير متكافئة بين عصابة منهم، اعلنت العصيان علي توجه المجتمع، والحرس الجمهوري، رمز الدولة، وممثلها، وارتضوا لغة السلاح بديلاً عن لغة الحوار، ثم كان ما كان. وتكررت مشاهد صناعة البكائيات من جانبهم في اعتصامي رابعة والنهضة، سواء بأيديهم، أو بأيدي قوات الدولة، المرخص لها بحمل السلاح، واستخدامه، علي نحو شرعي، في مواجهة جماعة، رفعت السلاح في وجه الدولة والمجتمع.

في المثقف اليوم