آراء

الإعلام ومكافحة الإرهـاب

hasan zayedلقد أصبح من المعلوم بالضرورة، لدي رجال الإعلام، أن الإعلام له الدور الأبرز، في تشكيل الرأي العام. فقد أصبحت وسائل الإعلام المرئي، والمسموع، والمقروء، رافداً رئيساً من روافد المعرفة، بعد أن انزوي دور الكتاب قليلاً، وخفت صوته، وبهت تأثيره، مع إقتحام عالم الإنترنت للحياة المعاصرة . كما أصبحت وسائل الإعلام هي نوافذ الإنسان علي العالم من حوله، بعد أن أصبح العالم بفضلها قرية صغيرة، يمثل معدل الدوران المعرفي فيها مستويات قياسية لم تشهده البشرية من قبل. أما عن علاقة التدفق المعلوماتي بتشكيل الرأي العام وتوجيهه، فمرجعها إلي علاقة التأثير الذي تحدثه هذه المعلومات في السلوك البشري، فمكونات السلوك البشري هي الإدراك، والوجدان، والنزوع. والإدراك تحدثه الحواس الخمس في الإنسان، وعلي ضوء ما يتدفق من خلالها من معلومات أو بيانات يتشكل الإدراك، ويمثل الإستحسان أو الإستقباح الموقف الوجداني الناتج عن الإدراك، ويترتب عليهما السلوك البشري الذي يطلق عليه " النزوع " . فإذا استطاع الإعلام النفاذ إلي منطقة الإدراك، أمكنه اللعب فيها، ومن ثم إمتلك القدرة علي تشكيل الوعي، علي النحو المستهدف من الرسالة الإعلامية . وقد أدرك العالم مبكراً هذه الحقيقة، ومن هنا لم تعد وسائل الإعلام مجرد أدوات، أو وسائط ؛ لتوصيل الرسالة الإعلامية، وإنما أصبحت منصات لقصف العقول . والتطور الحاصل أنه قد انتقلنا من مرحلة الكلمة التي كانت تنقل الرسالة الإعلامية، علي أهميتها، إلي مرحلة الصوت، والصورة الملونة، التي تنقلك إلي قلب الحدث، بدلاً من نقله إليك . فالبراعة في خلق المشهد، بما ينطوي عليه من مؤثرات صوتية / سمعية، ومؤثرات بصرية، وخدع الكترونية، تجذبك إلي داخل المشهد، والإستغراق فيه بكليتك، بعد أن يكون قد خلق لك الصورة الذهنية المستهدفة . هذه الصورة الذهنية المُخَلَّقة، لن يمكنك الفكاك من أسرها بسهولة، ويسر، مهما بلغت درجة يقظتك، وحذرك، وحيطتك، إذ أن تأثيرها سيظل يلاحقك، ويطاردك، ويضغط علي مشاعرك، وأحاسيسك، وانفعالاتك، علي نحو ينعكس علي نظرتك للأمور سلباً أو إيجاباً . وقد أدركت الجماعات الإرهابية ـ وفي القلب منها جماعة الإخوان ـ هذه الحقيقة علي نحو مبكر كذلك، وقد سبقت هذه الجماعات الدولة الرسمية في هذا المضمار خطوات أحدثت فارقاً نوعياً في التأثير في الرأي العام المحلي والدولي. رغم إختلاقات المشاهد، والمواقف، ومجافاتها للحقيقة، والواقع، مع أن الدولة تمتلك الحقائق، والوقائع، كما حدثت دون زيف أو تضليل. وبدلاً من دخول الدولة بأجهزتها الرسمية، وإمكانياتها، إلي جانب قنوات التلفزة الخاصة، التي لا يمكن مقارنتها بإمكانيات جماعة، مهما بلغ تنظيمها، محلياً ودولياً، إلي حلبة الصراع الإعلامي، إلتجأت إلي الصراخ والعويل، والمطالبة بحجب القنوات، وغلق مواقع هذه الجماعات علي الشبكة العنكبوتية " الإنترنت "، ورغم استحالة ذلك عملياً، فإنه يجري ذراً للرماد في العيون، وتغطية للعجز عن المواجهة. والطريف في الأمر أن العجز هنا ليس لنقص في الإمكانيات، أو الوسائل والأدوات، وإنما هو عجزفي الإستعداد، وانعدام في الرغبة، وركون إلي الكسل العقلي، الذي يتنافي ومتطلبات المرحلة . ورغم ظهور بعض الدعوات، التي تسعي علي استحياء، إلي حل هذه المعضلة، وردم هذه الفجوة، وسد هذا العجز، عن طريق تجميع مقاطع الفيديو، المنتشرة علي مواقع التواصل الإجتماعي، وترجمتها، وتصديرها إلي الخارج، في محاولة لمخاطبة الرأي العام العالمي . إلا أن هذه الدعوات قد غفلت عن مخاطبة الرأي العام المحلي، من باب أولي، باعتبار أن الرأي العام المحلي هو الأحوج إلي هذه المعرفة، والأجدر بالإهتمام والرعاية ؛ لأنه القاعدة الصلبة، التي بدونها لا جدوي من التأثير في الرأي العام الخارجي . وأنا هنا لن أدعو وسائل الإعلام التقليدية في تبني القضية، ولا الإعلاميين التقليديين، وإنما أعول علي شباب مصر، علي مواقع التواصل الإجتماعي، في إنتاج أفلام وثائقية قصيرة، اعتماداً علي مقاطع الفيديو المتناثرة علي هذه المواقع، مصحوبة بالترجمة والتعليق. وبذلك قد يمكننا مواجهة الإرهاب إعلامياً، علي المستوي المحلي والدولي،،

 

حــســـــن زايـــــــــد

في المثقف اليوم