آراء

إخـــوان الــــدم

hasan zayedلم أدهش للبيان الذي نشرته جماعة الإخوان علي موقع "إخوان أونلاين"، والذي تحدث عن الجهاد، وتشكيل الكتائب، وحمل السلاح ضد الدولة المصرية. ما أدهشني حقاً هو ردود الأفعال حول هذا البيان. دعك من ردود الأفعال الغاضبة، والرافضة، والمحتجة، والمتفاجئة، فهي معروفة، ومتوقعة ابتداءًا، ومن ثم فلا محل معها للإندهاش. أما ردود الأفعال المدهشة حقاً، فهي تلك التي أتت من جانب الدكتور / حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وتلك التي أتت علي لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، وتلك التي تمثلت في الصمت المطبق الذي خيم علي مواقف منظمات حقوق الإنسان، وأتباعها، وتوابعها، والدول الغربية المنهاضة للدولة المصرية، بدعوي انتهاكها لحقوق الإنسان، ومن يطالب بإدماج جماعة الإخوان في الحياة السياسية المصرية. والواقع أن البيان ليس بياناً منشئاً، أي أنه لا ينشيء حالة غير موجودة، أو لاينقل الحالة الإخوانية من حال العدم إلي حال الوجود، ونقول ذلك، حتي لا يفهم البعض أنها حالة طارئة، برزت إلي الوجود من العدم، بزعم أنها مجرد رد فعل، علي فعل صادر عن الدولة. وإنما البيان هو بيان كاشف، أي أنه حالة موجودة بالفعل، ولكنها كانت مستترة، أو سرية من الناحية الحركية للجماعة. فالجماعة كانت تزعم أنها طلقت العنف طلاقاً بائناً، وأن عنفها الفكري والحركي صار جزءاً من التاريخ المهمل في حياة الجماعة، إلا أن هذا البيان قد كشف المستور. وقد يقول قائل أن نسبة البيان للإخوان نسبة مكذوبة، إذ ما الذي يضطرهم إلي هذا الإنكشاف والتعري؟. وفي ذلك نقول: بأن العودة إلي الأساليب التقليدية في التعمية والتستر والإستخفاء،عودة غير مأمونة، لأنها لن تنطلي علي أحد. هذا بخلاف أن الجماعة نفسها، قد كشفت عن أن طريق الدم ممتد من حسن البنا حتي صدور البيان، لأن البيان قد نقل نصاً ما خطه حسن البنا بيمينه، في رسالة التعاليم. فقد جاء في البيان: " يقول الإمام البنا: ونحن نعلم أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ثم يلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح، ولا يصحّ أن توصف جماعة بالقوة، حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعًا، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال، مضطربة النظام، أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان، فسيكون مصيرها الفناء والهلاك ". ويضيف: " يقول الإمام البنا: وفي الوقت الذي يكون فيه منكم ـ معشر الإخوان المسلمين ـ ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسيًا روحيًا بالإيمان والعقيدة، وفكريًا بالعلم والثقافة، وجسمانيًا بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار، واقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله ". ثم يختتم البيان بـ: " على الجميع أن يدرك أننا بصدد مرحلة جديدة نستدعى فيها ما كمن من قوتنا، ونستحضر فيها معاني الجهاد، ونهيئ أنفسنا، وزوجاتنا، وأولادنا، وبناتنا ومن سار على دربنا لجهاد طويل لا هوادة معه، ونطلب فيها منازل الشهداء ". وهكذا يفصح البيان عن وجود تشكيلات سرية مسلحة، وأنها تعيش المرحلة الثالثة، وهي مرحلة قوة الساعد والسلاح. والتنظيم السري للإخوان موجود منذ حسن البنا وحتي الآن. وبعد هذا البيان تتفاجأ بتصريحات الدكتور نافعة التي يقول فيها: " إذا ثبت صحة البيان المنشور على موقع «إخوان أونلاين» بعنوان «وأعدوا»، أو أن الجماعة هي التي أصدرته أو وافقت على نشره، فهذا يضعها في موقف المسئول عن العنف ". وهو بذلك يتشكك في صدور البيان عن الجماعة، يدعم ذلك تساؤله: " عن السبب الذي سيجعل جماعة الإخوان تنشرا مقالا أو بيانا كهذا باسم مستعار على موقعها، وفي هذا التوقيت ". بل إنه يذهب إلي أبعد من هذا حين يقول: " إذا ثبت صحة البيان وموافقة الجماعة على نشره، فلا نستطيع أن نقول إلا أنه بيانا غير موفق على الإطلاق، جاء في توقيت غير صحيح ويدل على افتقاد الجماعة للقيادة الرشيدة والرؤية الصحيحة ". وهنا يتبادر إلي الذهن تساؤل مشروع، عما وراء تلك الرقة، والعذوبة، البادية في كلامه. ثم إن هذا الكلام لايصدر إلا عن شخص يعيش بمعزل عن الأحداث، وما تبثه القنوات الإخوانية، من تهديدات بالقتل، وتحذيرات، للأجانب والسفارات ومقار السفراء والدبلوماسيين، باسنهدافهم بالقتل. وذات التوصيف ينطبق علي الإدارة الأمريكية، التي أدانت البيان، وأردفت أنها في حاجة إلي مزيد من المعلومات حوله، وكأن أمريكا لم تكن حاضنة الإخوان، بعد أن ورثت الإستعمار القديم، وحلت محله. أما عن الفئة الثالثة، فهي تلك الدول التي لفها صمت القبور، وابتلعت ألسنتها، إزاء مواقف الجماعة الإرهابية علي الأرض، وحتي بعد أن طفحت قنواتهم إرهاباً ودماً، وبدت منهم العداوة والبغضاء للدولة والمجتمع، بل والعالم، من خلال القاعدة وداعش. فقد سلك الإخوان طريق الدم، وغاصت فيه أقدامهم، بعد أن مارسوا الذبح والحرق. فهل إلي عودتهم للمجتمع من سبيل ؟.

 

حــســـــــن زايـــــــــــد

في المثقف اليوم