آراء

مـنـهــج صـنـاعـة الإرهـــابـي

hasan zayedإلي عهد قريب كان الإخوان يزعمون أنهم قد طلقوا العنف طلاقاً بائناً، وقد جاء هذا الإعتراف باقتراف العنف بعد سنوات طويلة من التنكر لما اقترفته أيديهم في الحقبة الملكية " فترة حكم أسرة محمد علي "، من أعمال قتل وحرق، حيث راح ضحيتهم النقراشي باشا، وأحمد الخازندار، وأحمد ماهر، وآخرون من دونهم لا نعلمهم، ولكن الله يعلمهم. كما حرقوا محلات اليهود ومتاجرهم، ولا أدري إن كان لهم علاقة بحريق القاهرة أم لا. وفي الحقبة الناصرية خططوا لإغتيال عبد الناصر، وقد جاء منهم من اعترف بالواقعة بعد عقود من الإنكار، ووصف حادث المنشية بالمؤامرة، حاكها عبد الناصر للتخلص منهم. ثم جاء تنظيم 1965 م لإعادة إحياء الجماعة، ومحاولة قلب نظام الحكم ؛ ليكون سبباً في إعدام سيد قطب. وفيما بعد الحقبة الناصرية، انتهجت الجماعة نهجاً جديداً، تتفادي به الضربات الأمنية لها، ويقوم هذا النهج علي إنشاء أذرع لها، تضرب في الدولة بعنف، فإن سقطت الدولة ركبوا الحكم، وإن انكشف الذراع، ضُرِب بمنأي عن الجماعة الأم. ومن هنا كان تنظيم الفنية العسكرية بقيادة صالح سرية، وتنظيم التكفير والهجرة بقيادة شكري أحمد مصطفي، ثم تنظيم الجهاد، والجماعة الإسلامية. وقد قامت هذه الأذرع بأحداث الفنية العسكرية، ثم قتل الشيخ الذهبي وزير الأوقاف بعد اختطافه، ثم اغتيال الرئيس السادات رأس الدولة المصرية، وما أعقبها من أحداث، علي رأسها مذبحة أسيوط، وما أعقب ذلك من أحداث عنف وإرهاب من منتصف الثمانينيات، إلي منتصف تسعينيات القرن الماضي. وها هم قد وصلوا إلي محطتهم الأخيرة بالبيان الذي زينوا به موقعهم علي الشبكة العنكبوتية " الإنترنت "، تحت عنوان: " وأعدوا "، وهي الكلمة القرآنية التي تتوسط شعار الإخوان، المتمثل في مصحف بين حدي سيفين متقاطعين. والبيان ذاته هو فقرات من كلمات مرشدهم حسن البنا، وقد اختتم البيان بقوله: " على الجميع أن يدرك أننا بصدد مرحلة جديدة نستدعى فيها ما كمن من قوتنا، ونستحضر فيها معاني الجهاد، ونهيئ أنفسنا، وزوجاتنا، وأولادنا، وبناتنا ومن سار على دربنا لجهاد طويل لا هوادة معه، ونطلب فيها منازل الشهداء ". وياتي البيان اعترافا من الجماعة بحملها السلاح كما يكشف وجود تشكيلات سرية داخل التنظيم مؤكدا أن حمل السلاح ركن أصيل من أركان الجماعة. فما هو المنهج الذي يقف وراء تشكيل تلك العقلية التي تعتمد العنف والإرهاب وسيلة للوصول إلي الحكم ؟. منذ البداية تشكلت جهات سرية داخل الجماعة بقيادة صالح عشماوي، كانت تندس بين الجماهير وتختلط بهم، ويجري تصنيفهم، يلي ذلك وضع الصالح منهم للعمل السري والعسكري تحت المراقبة والإختبار لمدة ستة أشهر دون أن يشعر بذلك. فإذا تبينت صلاحيته، يجري الإقتراب منه، ويعرضون عليه الإنضمام للنظام الخاص " التنظيم السري "، باعتباره طريق الإخوان العاملين، الذين ستعتمد عليهم الجماعة في حركتها. بعدها تتم البيعة علي المصحف والمسدس في طقوس غريبة ومريبة، حيث يجري أخذ البيعة في غرفة مظلمة، علي يد شخص مجهول مغطي الوجه والرأس، ورائحة البخور والعطور تملأ جو الغرفة، ولقد حدد حسن البنا أركان البيعة وهي: الفهم، والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والإخوة، والثقة. وقد كان يجري توقيع الكشف الطبي علي العضو قبل البيعة. وهؤلاء الأعضاء يجري تدريبهم علي استخدام السلاح بأنواعه، والقنابل اليدوية، والمتفجرات، وغيرها. ويقرءون كتباً في القانون الجنائي، والإسعافات الأولية، وحرب العصابات. وقد كان ـ وما زال ـ شعار الجهاد والموت هو الشعار الذي ينتظم هؤلاء الأفراد. والأخ العامل في الجماعة عليه واجبات روحية، وثقافية، وصحية، وخلقية، ومظهرية، وعملية، واجتماعية. واجتماع الكتيبة كان يبدأ بعد صلاة العشاء ـ بعد أول وقتها ـ ثم يجري تناول طعام العشاء، الذي يتم خلاله التعارف بين الإخوان، وبعد الصلاة يجلس الأستاذ في مواجهتهم، ويبدأ في التعرف عليهم واحداً واحداً، ثم يبدأ في حديث يستمر قرابة الساعتين، ثم يجدد العهد والبيعة. بعدها يحضر كل منهم ثياب نومه وغطاءه استعداداً للنوم. وقبيل الفجر بساعة، تستيقظ الكتيبة لتتوضأ وتتهجد، وتصلي الفجر، ثم يجلس أعضاءها يتلون المأثورات. بعدها يجلس مرشدهم ليتحدث معهم، ويجيب عن اسئلتهم حتي مطلع الشمس. وتلك المرحلة هي مرحلة التكوين التي يقول فيها البنا في رسالة التعاليم: " استخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلي بعض، ونظام الدعوة ـ في هذه المرحلة ـ صوفي بحت من الناحية الروحية، وعسكري بحت من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحيتين " أمر وطاعة " من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج". والطاعة هي إمتثال الأمر وإنفاذه تواً في العسر واليسر، والمنشط والمكره. ويرتبط بالطاعة تلك الثقة المطلوبة في القيادة، يقول البنا في رسالة التعاليم: " الثقة: اطمئنان الجندي إلي القائد في كفاءته واخلاصه اطمئناناً عميقاً ينتج الحب والتقدير والإحترام والطاعة... والقائد جزء من الدعوة، ولا دعوة بغير قيادة ". وهكذا يجري الربط الذهني بين العام والخاص، وبين الثقة والقيادة، وبين القيادة والدعوة، في توليفة عجيبة، تفترض العصمة فيمن لا عصمة له، وتستوجب الطاعة العمياء البكماء الصماء. يقول البنا في رسالة التعاليم: " وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة، ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعاً، والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات ". وهكذا يتضح منهج الإخوان في صناعة آلات بشرية بلا عقل تعمل في صناعة الإرهاب باسم الإسلام.

 

حـــســــــن زايـــــــــــد

في المثقف اليوم