آراء

الفساد في إصلاح الفساد

hasan zayedمن المضحكات المبكيات في آن معاً، أن يكون هناك فساد في إصلاح الفساد. لأنه إذا كان المقصود من الإصلاح جبر الخلل في موضع الفساد، فلابد من إزالة الفاسد، إذا تعذر تقويمه وترشيده، والإتيان بشخص آخر يتسم بالصلاح والرشاد، ليحل محله، ويتولي هو عملية الإصلاح. وبالقطع واليقين أنه ليس منطقياً أن يتم إزالة الفاسد بنقله إلي إدارة مكان آخر فاسد، فيزيده فساداً علي فساده، أو يجري نقله إلي مكان صالح فيفسده. وندور في دائرة مغلقة من الفساد لا خروج منها، ولا فكاك من أسرها، ونستمر في إنتاج الفساد وتوليده علي نحو دائم، حتي يأتي علي أعمدة البلد وأعصابها، فيخر سقفها علي رؤوس من فيها، فلا يبقي منها ولا فيها، والله لا يصلح عمل المفسدين. وليت الفاسد فاسداً في ذاته وحسب، ففساده في ذاته يضيق من دائرة الفساد، ويقصرها عليه، دون أن يتعدي فساده إلي غيره. وإنما الفاسد دائماً ما يكون حريصاً علي أن يكون مفسداً لغيره، حتي تتسع دائرة الفساد من حوله، ويشد بعضه خيوط بعض، فيتماسك البناء في مواجهة أي حركة إصلاح تبزغ، أو تلوح في الأفق. ودائرة الفساد تتسع إما أفقياً، أو رأسياً، أو في الإتجاهين معا. والفساد عكس الصلاح، ومشكلته أنه يعيق الحركة إلي الأمام، وقد يفسدها. لأن الفساد لا يقتصر علي الفاسدين، وإنما يضم داخل دائرته، الصالح في ذاته، والساكت علي الفساد، والمتعاون معه بحكم الضرورة، والمتعاون معه بحكم العادة، والملازم له. ولا محل لإصلاح الفساد العام إلا بثورة عليه، تكسر دائرته، وتحرث أرضه، وتقلب تربته، وتخرج الخبث منها، وتطهرها بتعريضها للشمس. ولكن مشكلة الثورات التي لا تقوم إلا بعد أن يعم الفساد، أنها لا تجد الكوادر البشرية، والأدوات، والوسائل، اللازمة للإصلاح. لا تجد من يقوم بإصلاح الفساد إلا الفاسدين، فكيف السبيل إلي الإصلاح علي أيدي هؤلاء ؟. والفساد عندما يعم لا يصبح فساد مالي أو إداري أو كلاهما معاً فحسب، وإنما يصبح فساد في الفلسفة، والمنهج، وطرائق التفكير، واتجاه الحركة. فساد في التخطيط، وفساد في التنظيم، وفساد في التنسيق، وفساد في التوجيه، وفساد في الرقابة، ويمتد الفساد ليشمل فساد التشريع. من هنا تجد القيادة السياسية نفسها في مأزق، فهي مطالبة بقيادة الثورة من نقطة الثورة إلي نقطة الإصلاح، ومن الشرعية الثورية إلي الشرعية الدستورية. فتنظر علي قطعة القماش التي ستعمل عليها، فتجدها متهالكة، ومفتقة، وفتوقها قد اتسعت علي الرتق. فماذا هي فاعلة في حالة كهذه ؟. لاسبيل إلي المضي قدماً في الإصلاح، إلا بإصلاح الفلسفة، والمنهج، وطرائق التفكير، والحركة، حتي ينصلح حال التخطيط والتنظيم والتنسيق والتواجيه والرقابة، وكل ذلك لا يتأتي إلا بإصلاح المنظومة التشريعية الحاكمة، إذ أنها هي التي تحدد الفلسفة والمنهج واتجاه الحركة. اما ما يجري حالياً تحت عنوان الإصلاح، فهو تعامل بالقطعة لا يصح في معالجة الفساد، إذ أنه يقدم قدماً، ويؤخر أخري، كمن يمشي في المحل، وقد علقت بأقدامه أكياس من الملح أو الرمال. فلا يصح نقل الفاسد من مكانه، إلي مكان آخر ليفسده أو يزيده فساداً، ولا أن يؤتي بصالح إلي مكان فاسد فيفسد من خلاله، فالفساد مرض معدي ينتقل بالمخالطة، أو المصافحة، أو الملامسة. وللخروج من هذا المأزق كما قلنا لابد من إصلاح التشريعات، ثم تطبيقها بصرامة في مواجهة الجميع، فيتحقق بها الردع الخاص والردع العام ن دون أن يأمن إنسان العقوبة، لأن من أمن العقوبة أساء الأدب.

 

حسن زايد

في المثقف اليوم