آراء

هل ينجح بوتين في مسعاه في الشرق الاوسط؟

emad aliربما يخطا من يظن بان بوتين لم يقيٌم الواقع العالمي الحالي ولم يقارنه بالماضي ويعتقد بانه يخطوا وفق ما سار عليه الاتحاد السوفيتي سابقا استنادا على الظروف الموضوعية حينئذ، والتي فرضت ارضية وواقعا وفٌر عوامل نجاح الاتحاد السوفيتي في توسيع نفوذه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واتفاقية يالطا التي قسم مواقع النفوذ للقوات المنتصرة على النازية والفاشية في اوربا ومن ثم العالم بشكل كامل .

لازالت الولايات المتحددة تعيش نشوة الانتصار على الاتحاد السوفيتي وشاهدت تفككه، وهي اغترت واصيبت نتيجتها بامراض شتى، ومنها محاولتها السيطرة على مصالح العالم وخضوعهم لهيمنتها . وفي المقابل من مصلحة روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي ان تحس بمسؤليتها وان تهب واقفا من اجل الاستنهاض بالنفس من اجل مستقبل شعبها على الاقل، وهذا ما يحتاج الى سياسات خارجية ملائمة لما يضمن مصالحها وهو ما يوجهها عفويا الى وضع القيود امام السيطرة المجحفة لامريكا على العالم وهي ما تعمل على توجه واحد فقط وهو ضمان مصالحها على حساب شعوب العالم اجمع فقط . فالتاريخ له افرازات ربما تفيد من يعتبر منها اكثر من القوة والامكانية. روسيا لديها امكانيات مادية وتاريخية وجغرافية كبيرة ومعتبرة، تحتاج لتنظيم واعادة ترتيب الذات للاستعداد في ادارة الصراع، بعد قراءة ما يجري في العالم بدقة من وجهة نظر مصالح العالم وليس ما تهمها نفسها فقط كما تفعل امريكا، عندئذ يمكن ان تنجح في مسعاها في منافسة امريكا من كافة الجوانب وفي جميع المجالات .

فان احست اية دولة في اية زاوية في العالم، انها بخطوة او سياسة ما تضمن حياة شعوبها ومستقبله بالتنسيق والتحالف مع روسيا سوف تضطر ان تترك امريكا لذلك، وهذا ليس فرض مواضع النفوذ بقدر انبثاق او بناء ارادة ذاتية لتلك الدول من اجل ان تكون مواقع نفوذ روسية وليست امريكيةفي حال المقارنة واختيار الافضل . فان مصلحة بلاروسيا وجورجيا واستونيا وحتى يونان ودول اوربية وشرق اوسطية كثيرة يمكن ان تتوائم مع مصالح روسيا . وهم يريدون ذلك منذ وحسب ما يحس به المراقبون، محاولين الخروج من ضيم المفروضات الامريكية التي يمكن ان ترجع بالضرر عليهم وتفيد نفسها فقط بعيدا عن تبادل المنفعة .

ما تدعيه امريكا من الناحية الثقافية والسياسية سوف يعود عليها على عكس ما تعتقده من صراع الحضارات وما تتجه اليه المعمورة نتيجة افرازات العولمة وتقدم التكنولوجيا وما تدعيه من نهاية التاريخ واصالة النظام الراسمالي وثبوته دون اي منافس كما تعتقد هي وليس غيرها .

ان كان احد على اعتقاد بان المرحلة الحالية ربما تفرض توجهات الشعوب نحو الغرب اكثر من روسيا، فانه من المؤكد بعد تقيم ما نمر به الان، فان المآزق الكبرى التي تمر بها المناطق سوف تفرض على الجميع اعادة النظر في سياساتهم، وسيشهد العالم انعطافة كبيرة عندما تصلهم واحدا بعد الاخر شرارة النار المشتعلة الان في هذه المنطقة بشكل او اخر . وحتى من الناحية الاقتصادية اننا نعتقد بان النظام الاشتراكي البعيد عن الخصخصة سوف يفرض نفسه عاجلا كان ام اجلا، وهذا ما يعيد امريكا الى حال تفكر كثيرا في سياساتها الخارجية ويفرض عليها الوضع العالمي الجديد التقوقع او اعادة النظر فيما تسير عليه الان وما تفرضه من الشروط على الدول التي تقع تحت نفوذها من كافة الجوانب .

اذا، لو خطى بوتين وفق ما يتجه اليه العالم نتيجة جشع واخطاء امريكا من النواحي السياسية الاقتصادية الثقافية، فانه ينجح في اعادة الهيبة الى بلده وينجح في نشر نفوذ روسيا عفويا وليس فرضا او قسريا في العالم، لو ابتعد عن بعض الحركات البهلوانية المتهورة الشخصية في سياساته، وتعمق في توجهاته وخطواته العالمية، ولا يمكن قياس ما هو عليه العالم بانه حالة نهائية وستبقي امريكا على ما هي عليه من السيطرة .

صحيح ان الظروف التي ادت الى انبثاق المعسكرين في العالم ليست كما هي الان، ولكن لو تمعنا اكثر ربما نصل الى اعتقاد باننا نتوجه الى نهاية حرب بمثابة حرب مستعرة الان وهي حرب عالمية ثالثة بشكل واخر وهذا ما تفرض ظروف جديدة وتتطلب قوى ان تؤدي دورها وتحتاج لقيادات جديدة و دول تكون لها ادوار مختلفة عما كانت ابان نشوء المعسكرين، ولكن من المؤكد ان نهاية القطب الواحد قد اقترب دون اي شك بعد الفوضى التي يشهده العالم في كل زواياه، ونحن بانتظار انعطافة كبرى ومسيرة جديدة وانبثاق حالة عالمية جديدة لها السمات ولها التركيبات المختلفة لما كان عليه العالم من قبل او ابان الحرب الباردة .

و من هذا المنطلق يمكن ان نعتبر زيارة بويتن الى دولة هي قلب منطقة الشرق الاوسط تاريخية ومؤثرة وقلب منطقة نابض ولها الدور الرئيسي في تحديد وجهة التغييرات في المنطقة، في الوقت الذي تشهد المنطقة الاخطاء المتكررة من امريكا ورئيسها الحالي في تقيم المنطقة وكيفية التعامل معها، ومنها قراءة الواقع المصري واكثرية دول الربيع العربي . فيمكن ان نعتبر زيارة بوتين بداية الانعطافة التي ننتظرها في المسيرة العالمية وتاثيراتها على المنطقة . لا يمكن ان نتوقع عودة ظروف الحرب الباردة في مطقة الشرق الاوسط الا اننا يمكن ان نتاكد بانه قد وصلت سيطرة القطب الواحد على المنطقة الى منحدر لابد من تصحيح مسارها بحيث تنبثق من التغييرات حالات لا يمكن ان تجعل امريكا ان تستمر في سياساتها الحالية .

في المثقف اليوم