آراء

مخاوف مشروعة

hasan zayedمبدئياً لابد من الإقرار بوجوب إلتزام الموضوعية في إصدار الأحكام، و أقصد بالموضوعية هنا الإلتفات عن الجانب الشخصي في تقييم الأفراد المتقدمين للترشح للإنتخابات البرلمانية، والجانب الشخصي الذي أقصده هو جانب الشخص المعتاد. ومن هذا الجانب ووفقاً للدستور والقانون فإن من حق أي إنسان مصري أن يتقدم للترشح للإنتخابات البرلمانية، طالما توافرت فيه الشروط المقررة قانواناً. ويعد من نافلة القول الذهاب إلي أن المواطن المصري لا يحتاج إلي وصاية من أحد في إختياراته، فقد شب هذا المواطن عن الطوق، وتخطي حدود مرحلة الوصاية بمسافة معقولة تؤهلة للإختيار الرشيد، وهو في النهاية المسئول عن إختياراته، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. وهنا تبرز أهمية الإشارة إلي أن هناك قطاعاً عريضاً من الناخبين، ليس لديه الوعي السياسي الكافي، الذي يؤهله لإنتخاب المرشح، علي أسس سياسية لا خدمية، أي انتخاب المرشح علي أساس برنامج سياسي، واضح ومحدد المعالم، وإن كان ينطوي علي جوانب خدمية، ولكن بشكل غير مباشر. يصبح الدور هنا هو دور النخبة، التي يتعين عليها التوجه علي نحو مباشر إلي هذا الناخب في دائرته، وتوعيته سياسياً، بأهميته، وأهمية صوته، وأنه العنصر الفاعل، والحاسم في العملية الإنتخابية برمتها، ومخاطر انسياقه وراء الوعود الإنتخابية الهلامية، أو الرشاوي الإنتخابية، سواء العينية منها أوالخدمية، وإعلامه أن دور المرشح في البرلمان سيقتصر وحسب علي الجانب التشريعي والرقابي، ولن يتخطاهما إلي غيرهما، في ظل النظام السياسي الجديد. وهنا يتوقف دور النخبة ولا تتخطاه إلي ما وراءه من أدوار ليست لها. فالأصل أن تعلمني كيف أتكلم، ولكن لا تضع الكلمات في فمي. أما الإصرار علي وضع الكلمات علي الأفواه بزعم التوعية، فتلك هي الوصاية بعينها، والوصاية لا تخلق وعياً، ولا تصنع نضجاً، ولا تفضي إلي حسن إختيار، وفي هذه الحالة تصبح الثورة لا معني لها، وتقتصر علي كونها فورة، سرعان ما تخبو وتختفي. والتخوف الذي يبديه البعض من عودة فلول الثورتين، وهما الحزب الوطني، والأحزاب الدينية وإن تدثرت بدثار السياسة، علي التوالي، هي تخوفات مشروعة في الحقيقة. والعلة في مشروعية التخوفات، أن الجميع ـ ممن لديهم مخاوف ـ ينظر إلي مصر الثورة باعتبارها لم تتعاف بعد من عملية فتح البطن التي أجرتها بثورتين متتاليتين، بل إنها لم تغادر بعد غرفة العناية الفائقة، ومن ثم فإنها في حاجة إلي العناية بها، وتعقيم الأدوات التي تستخدمها خشية نفاذ الجراثيم إلي جسدها مرة أخري. وهذه المخاوف مبنية علي سوابق تاريخية لبعض الثورات في العالم، حيث جري الإنقلاب علي بعضها من خلال الصندوق الإنتخابي، نظراً لنفاذ القوي التقليدية القديمة، سواء بالمال، أو الدين، أو الإنتماءات العائلية والقبلية، التي قامت الثورة في مواجهتها، وعدم نفاذ الفعل الثوري إلي النخاع المجتمعي بعد، بحيث يفضي إلي إزاحتها منفرداً. ومن هنا جاءت فكرة العزل السياسي، وهي تعني تنحية هذه القوي جانباً لفترة مؤقتة، تتعافي فيها البلاد، وينفذ فيها الفعل الثوري إلي مداه، بحيث يصعب التراجع عنه، أو الإنقلاب عليه. وهذه القوي التقليدية موجودة بمصر، شأنها في ذلك شأن كل دول العالم، والتخوف منها قائم، وهو تخوف مشروع. وتتمثل هذه القوي في الحزب الوطني المنحل، وقوي الدين السياسي. وإن كنت أري أن الحزب الوطني لم يكن حزباً سياسياً بالمعني الإصطلاحي العلمي المتعارف عليه، أي حزباً أيديولوجياً، وإنما كان مجرد تجمع لبعض أصحاب المصالح، ومن لديه رغبة في الإنتماء السياسي دونما مصلحة إقتصادية عاجلة، أو من كان مدفوعاً برغبة الحصول علي الوجاهة السياسية أو الإجتماعية، ومن فرضت عليه الظروف هذا الإنتماء نتيجة مكانته العائلية أو الفكرية أو الإقتصادية، ومن هنا يصعب تعميم القول بأن جميع أعضاء الحزب الوطني فاسدون. ومن هنا فإن القول بالعزل السياسي لمن انتمي إلي هذا الحزب فيه إجحاف شديد بحقوق الممارسة السياسية لهم. كما أنه من ناحية أخري، ليس بالحزب الذي له عقيدة أيديولوجية ينتمي إليها، ويعتقدها، ويؤمن بها، ويعمل علي إعادتها، ويستميت في سبيل ذلك. ومن ناحية ثالثة، فإن عدد أعضاءه من رجال الأعمال الذين دخلوا مجال السياسية من البوابة الإقتصادية بقصد إحداث التزاوج العرفي بين المال والسياسة، بما أفضي في النهاية إلي إفساد الأمرين معاً، عددهم قليل من ناحية، والبيئة السياسة المتاحة في حينه سمحت لهم بذلك من ناحية أخري. وبالتالي فإن التخوف من ترشح أعضاء من الحزب الوطني المنحل لبرلمان الثورة رغم مشروعيته، إلا أنه مبالغ فيه إلي حد كبير. وأنا أري أن الناخبين سيغربلون هذه الفئة. أما التخوف من الدين السياسي ممثلاً في حزب النور، وبعض الأحزاب الأخري، فرغم كونه مشروعاً كذلك، إلا أن تجربتهم السابقة، وسيرتهم فيها، وسيرة الإخوان في المجتمع حالياً، تدفع الناس ـ بعد أن عضتهم التجربة السابقة بما أفضت إليه من إرهاب يطال الجميع ـ إلي حسن الإختيار بحكم التجربة والخبرة . ومن هنا يمكننا القول بأريحية أنه رغم مشروعية التخوف، إلا أنه ليس إلي الحد الذي تذهب معه الدولة، إلا إخلاء الساحة من قواه التقليدية بالعزل السياسي، لمصلحة غيرها من القوي، لأن الجميع ممثل في المجتمع،،

 

حــســــــن زايـــــــــــد

في المثقف اليوم