آراء

أسوأ مكان في العالم - خراب حلب بعد أربع سنوات من الحرب / مارتن شولوف

saleh alrazukفي شرق أكبر المدن السورية، حيث كل الأحياء تعرضت للدمار، يواجه العدد القليل من السكان الصامدين معركة داروينية للبقاء.

لقد قاومت حلب أكثر من ستة آلاف عام من المحن والاضطرابات، ولكن السنوات الثلاثة السابقة دمرت من حضارتها وهجرت من سكانها ما يفوق كل ما فعلته السنوات القديمة في تاريخها المحلي من النزاعات والعواصف.

هذا الميتروبول القديم، والذي هو من أقدم المدن المعمورة في الخليقة، تعرض مؤخرا للانقسام إلى نصفين: النظام السوري يدير الغرب والمعارضة المسلحة تسيطر على الشرق.

وغرب حلب يحصل على أفضل ما في الحرب من خدمات، فالنشاط المدني لا يزال يعمل في معظم الأحياء ولم يتضرر بالحرب إلا بالحد الأدنى. ومع ذلك إن معظم الشرق، خراب وتصفر فيه الرياح.

كل الأحياء تساوت مع الأرض بانفجارات هائلة كانت تستهدف بشكل منهجي الطرقات الأساسية في أرجاء المدينة وكل المخارج التي تقود إلى محيطها، وكذلك السوق، والمستشفيات، والأفران المنتجة للخبز، وطوابير الوقود.

أولئك الذين انتظروا في شرق حلب، يبلغ تعدادهم تقريبا ٤٠ ألفا من أصل مليون من السكان الذين كانوا هنا قبل الحرب. وكلهم يعانون ولما يزيد على العام من غياب الكهرباء والمياه النظيفة. أما التزود بوقود للتدفئة فهو نادر لدرجة دراماتيكية طوال هذا الشتاء، ولا يكفي الاحتياجات حتى بعد انخفاض الطلب لدرجة ملحوظة بسبب نزوح غالبية السكان.

أيضا كل الحدائق العامة على وجه التقريب فقدت أشجارها، ليس بسبب النيران والحرائق ولكن لأنها تعرضت للحصاد الجائر لاستعمال الخشب بدل الوقود.

وحينما كانت لا توجد أشجار، تقوم العائلات المثخنة بالجراح بتكسير مقاعد المدارس الحكومية والكراسي كي تعصر قطرات من الدفء منها. وإن أية مقارنة مع حصار لينينغراد ليس من قبيل المبالغة في مدينة أصبحت تنافس على المركز الأول في مسابقة أردأ تجمع سكاني في العالم.

كان الشتاءان قصيرين والشكر لله، وقدما فرصة نادرة لحملة لا تهدأ بدلت الوجه الحديث للمدينة التي تعتبر أكبر مدن سوريا ووضعت من بقي فيها تحت رحمة معركة تدور من أجل البقاء.

أما السكان المحليون القليلون الذين انتظروا في حلب الشرقية فقد انتقلوا إلى المدينة القديمة، وهي واحدة من الأحياء القليلة التي لا تزال الحياة فيها تدور دورتها إلى حد ما. والمدينة القديمة تقع في محيط القلعة، التي تألقت في مركز حلب لعدة ألوف من السنوات.

و هي لا تزال تقف منتصبة القامة، مع أن الحطام يحيط بها من الجانب الشرقي، حيث معظم الخراب وقع من جراء تفجير عبوات ناسفة في أنفاق محفورة تحت مواقع النظام، وبتفجيرها خربت الفنادق والجوامع والمباني الحكومية.

و لكن هذا الضرر يبدو ثانويا بالمقارنة مع الخراب في الشرق، حيث ألقيت قنابل هائلة الحجم من هيلوكوبترات وتسببت بتسوية الضواحي مع الأرض. لقد تضرر ٤٠٪ من شرق حلب، أو أنها هدمت. والسكان الذين لم ينجحوا في الفرار واللجوء لمكان آمن نسبيا في تركيا، أو إلى الأرياف التي تمتد بين المدينة والحدود، غادروا من فترة طويلة إلى مأوى قريب من مركز المدينة.

هناك يمكنهم الوصول للطعام- لو بمقدورهم شراؤه. فمعظم أنواع العمل لكسب القوت اليومي توقفت هنا من فترة طويلة. وأغلقت الدكاكين باستثناء بعض الأحياء التي تعد على الأصابع. وأصبحت الدوائر الحكومية مهجورة وتوقف البديل التجاري عن تقديم خدماته واختفى نهائيا.

وهكذا التعليم. والرعاية الصحية. لقد عادت إلى الأساسيات. وفي واحد من المستشفيات القليلة التي تعمل في شرق حلب يقوم الدكتور عمر المصري بجراحة للدماغ من غير ماسح ضوئي. والمرضى الذين يعانون من جروح مفتوحة يتم علاجهم روتينيا بأدوات الحد الأدنى وبها يكون تشخيص المشاكل والأضرار. قال:" وهذا هو نفس الحال مع كل أنواع العلاج مهما كانت الحالة خطرة. حتى في جراحات الأطفال، والنسائية وجراحة الرضوض. فوق ذلك نحن كلنا نتنتظر الموت. وليس المرضى فحسب. فالبراميل المتفجرة تستهدف المشافي ولا توفر شيئا".

ويمكن إيصال اللوازم الصحية إلى حلب عبر خط إمداد حيوي يمر من حقل مفتوح في الشمال. لأن المسار من السهول الشمالية وحتى الحدود مع تركيا تحت سيطرة المعارضة. غير أن خطر الدولة الإسلامية يخلق نوعا من الرعب الذي يخيم على المدينة والريف من جهة شمال - شرق. وأما الطعام فيمكن أن يصل لمن يحتاجه – لو دفع ثمنه – وذلك عن طريق تركيا، أو من خلال سلسلة من الطرقات التي يسيطر عليها النظام في الجنوب.

ومع ذلك المجاعة في تصاعد وهي تهدد بقايا السكان الصامدين في شرق المدينة.

 ومع أن المسؤولين المحليين ومقاتلي المعارضة يحاولون تقديم ما أمكن للسكان الذين يحمونهم، فإن بعض العوائل تسقط في الشقوق والثغور.

ورجال الدفاع المدني في حلب يجدون بين حين وآخر عوائل محبوسة في بيوتها بعد أيام من التفجيرات التي ضربت في الجوار. ومع نزوح الأسر من المنطقة، لا تجد من يستمع لأصوات الإستغاثة.

يقول خالد ميدان الذي هرب إلى تركيا منذ كانون الثاني ويعيش هناك مع زوجته وأولاده في شقة قرب الحدود:" حتى الآن تقف المدينة صامدة بوجه أفظع حصار تعرضت له. لقد هربنا لأن الأولاد لم يعد لديهم القدرة النفسية على مزيد من التحمل. إنهم يكرهون الهيليكوبترات. ولا يمكنهم النوم. وأصبحوا يعانون من رضات وصدمات نفسية. ويرتعشون من الخوف لدى سماع أي صوت. وهذه ليست حياة إنسانية".

ويضيف ميدان قائلا: إن حلب اليوم تركع على ركبتيها وتتوسل، ولكن بقايا السكان نجحوا في المرور من محاولة الحصار الذي فشل في شباط الماضي..

" لا يزال بوسع الناس الخروج والعودة. ويمكنهم أن يتناولوا الطعام. ولكن ليس بوسعهم أن يدفعوا لقاء الأساسيات التي تحتاجها الحياة. لن ينجح ذلك على المدى البعيد وهم بحاجة للمساعدة".

 

الترجمة من الغارديان / 12 آذار 2015

في المثقف اليوم