آراء

أَمَرِيْكَا خَسِرَتْ العِرَاقَ .. والعِرَاقُ كَسَبَ إِيْرَانْ (1)

mohamadjawad sonbaمنذ أَنّْ أَطلّت أَمريكا على العالم في عام 1898 م، كانت إِطلالتها ليست انفتاحاً على العالم الخارجي، باستخدام إِسلوب السَلام والتَّعاون الاقتصادي مع دول العالم، لضمان مصالحها القوميّة. وإِنَّما كانت تلك الإِطلالة، عبارة عن حرّب شُنَّتّْ على أَسبانيا في تلك السَنة. وبعد قرن تقريباً من تلك الحرّب، أَصبح لأَمريكا أَسوء سجل استعماريّ في العالم. فقدّْ خطَّط السياسيّون الأَميركيّون، بأَنّْ تكونَ سياستهم الخارجيّة، قائمة على حركة جيوشهم خارج أَمريكا، لضمان مصالحهم الاقتصاديّة والاستراتيجيّة في العالم.

(فقد امتدت القوّة الأَميركيّة، بعيداً الى المحيط الهادئ، والى ما وراء هاواي والفلبين . ومع بدء القرن العشرين، كان الاستراتيجيّون الأَميركيون، قدّْ انخرطوا في تطوير عقائد السيطرة البحرية على مُحيْطَيّن، وبدأت البحريّة الأَميركيّة تتحدّى المفهوم القائل، أَنَّ بريطانيا (تحكم الأَمواج)(رقعة الشطرنج/ زبغنيو بريجنسكي).

القلقُ الأَمريكي في الاستحواذ على مصادر النَّفط، يجعلها في بحث دائم ومستمرّ، على موطئ قدم قريب من تلك المصادر. ذلك بسبب البُعد الجغرافي، بيّْن أَمريكا وبيّْن منابع النَّفط، خصوصاً التي يقع منها في الشَّرق الأَوسط، والشَّرق الأَقصى. بينما نجد أَنَّ الدّول الأوربيّة، لا يساورها القلق، بنفس القدر الذي تشعر به أَمريكا، لأَنَّ الشَّرق الأَوسط لا يفصلها كثيراً عن منابع النّفط فيه، سوى البحر الأَبيض المتوسّط، وبإِمكانها مدّ أُنبوب تحت البحر المتوسّط، لإِيصال النَّفط إِليها من المصدر.

بيّنما تحتاج أَمريكا، مسافة عدّة آلاف من الكيلومترات، للوصول الى منابع النفّط في المنطقة العربيّة. لذا بنت أَمريكا استراتيجيّتها للحصول على الطّاقة، بالاعتماد على هيّمنتها العسكرية، حتّى تكون قوّاتها قريبة من مصادر الطّاقة. وأنّْ تكون قوّاتها أَيضاً، متواجدة في البحار، لتؤمّن سلامة نقل النَّفط عبر البحار والمحيطات.

(قبل أَنّْ ينتهي القرن الثامن عشر، كانت الولايات المتحدة قدّ هيّأَت أُسطولها البحري، للتدخّل العسكري البعيد. وبذلك بدأَت مرحلة التوسّع الطويلة للإِدارات الأَميركيّة. وتحولت هذه التّجربة الى خطّ ثابت، سارت عليه السّياسة الخارجيّة الأَميركيّة، منذ بداية القرن التاسع عشر، وصولاً الى هذه الفترة. .... ومنذ تلك التّجربة، تبلور مفهوم المصالح القوميّة للأُمَّة الأَميركيّة، وأَصبح أَحدّ المرتكزات الأَساسيّة، في السّياسة الخارجيّة، كما ارتبط استراتيجيّاً بالخيار العسكري الأَميركي. حيث اعتبرت المصالح القوميّة، إِحدى المسؤوليّات البارزة للقوّة العسكرية.)(مبادئ الرؤساء الأَمريكان/ سليم الحسني).

و من أَجل أَنّْ تُمسك أَمريكا، بزمام المبادرة في التَّحكم بالأَحداث خارج حُدودها، نَشَّطَتّْ دور وكالة المخابرات المركزيّة الأَميركيّة، خارج حدودها لتكون على أُهبَة الاستعداد، للتّدخل السّريع لقلب المعادلات، إِذا ما حدث طارئ مّا. وهذا ما تكرّر أَكثر من مرّة، في أَكثر من مكان في العالم، وعلى سبيل المثال أَذكر عدد من الانقلابات العسكريّة، التي خطّطت لها هذه الوكالة، للتخلص من الأَوضاع الجديدة، الّتي لا ترغب أَمريكا بوجودها، لأَنها تهدد مصالحها في هذه المنطقة أو تلك.

في عام 1953 قامت الـ(CIA) وبالتّعاون مع المخابرات البريطانيّة، باسقاط حكومة (محمد مُصَدِّقّ) في إِيران، لاقدام (مُصَدِّق) على تأْميم شركات النَّفط في إِيران. وفي عام1963 تمّ إِسقاط حكومة (عبد الكريم قاسم) في العراق، لاتّباعه سياسة تأميم الشركات النفطيّة العاملة في العراق، بموجب القانون رقم (80).

و كذلك تمَّ إِسقاط رئيس جمهورية تشيلي (سلفادور أَليندي) في عام 1973، بسبب انتهاجه للخطّ الاشتراكي، وتَصادمه مع الشركات الأَمريكيّة العاملة في بلاده، والتي كانت تعمل في مجال تعدين النُّحاس.

في عام 1979، وقَفَتّْ أَمريكا بالضدّ من الثّورة الإِسلاميّة في إِيران، فحرّكت المقبور (صدّام) ونظامه، لشنّ الحرب على إِيران، التي دامت ثمان سنوات، وكبَّدَت الشَّعبين العراقيّ والإِيرانيّ، الكثير من الخسائر البشريّة والماديّة.

وعندما وجدت أَمريكا أَنَّ المقبور (صدّام) ونظامه، أَصبحا عديمي الفائدة لها، شنّت حربها على العراق في عام 2003، بحجّة تحرير الشَّعب العراقي من دكتاتوريّة صدّام ونظامه. وأَخيراً وليّس آخراً نفذت الـ(CIA) انقلاباً يوم 3 تموز 2013 على الرئيس المصري المنتخب (محمد مرسي)، قام به وزير الدفاع عبد الفتاح السّيسي.

عندما أَقدمت أَمريكا على احتلال العراق، ادخلته في فوضى متعدّدة الوجوه، وأَرادت أَمريكا أَنّْ تكتشف أَقوى المؤثرين على الساحة العراقيّة، لترتب أَولويّات مصالحها معه. فالتّصورات الأَميركيّة لحكم العراق، كانت مبنيّة على أَساس تولّي سلطة الحكم في العراق، من قبل التّيار العلماني، لكن الواقع أَثبت خطأ هذا التصوّر، بسبب عدم وجود قاعدة جماهيريّة، للتّيار العلماني تحقق له غالبيّة انتخابيّة، تكتسح جميع التّنظيمات الإِسلاميّة.

فالشَّعب العراقي يختزن في داخله، تكوينات مذهبيّة لها جذورها التاريخيّة. وعلى هذا الأَساس، فإِنَّ التوزيع الديموغرافي للشَّعب العراقي، يَفرض أَنَّ نسبة العرب الشّيعة أكثر من غيرهم. وهذا معناه أَنَّ كفّة السلطة في العراق، ستميل الى جانب العرب الشّيعة، أَكثر من ميّلها الى جانب العرب السُنَّة. والمحصِّلة النِّهائيَّة في العراق، أَنَّ الخطّ السياسي ذو التَّوجه الإِسلامي الشّيعي، سيكون هو المتحكّم في القرار السّياسي العراقي. وهناك هاجس آخر تتوجَّس منه أَمريكا خيّْفة، هو احتمال التقارب بين القراريّْن السياسييّن العراقي والإِيراني مستقبلاً، وهذا يضرّ كثيراً بالمصالح الأَمريكيّة.

لقد ارتكبتْ أَمريكا نفس الخطأ، الذي ارتكبه الاتّحاد السوفييتي في عام 1973، عندما مكَّنَ رئيس وزراء الحكومة الافغانيّة (محمد داوود خان)، للانقلاب على ملك افغانستان (محمد ظاهر شاه)، وإِعلانه الحُكم الشيوعي في تلك البلاد. وعنّدما لمْ يستتبّْ حكم (حزب الشعب الماركسي الدّيمقراطي) في أَفغانستان، بادر الاتحاد السوفييتي باحتلال أَفغانستان بقيادة (بابراك كارمل).

عملت أَمريكا على تنشيط جهودها الدّبلوماسيّة والاستخباراتيّة، للقضاء على الحكم الشيوعي في أَفغانستان، فنجحت في صناعة حركة المجاهدين، الذين تعدهم آيديولوجيّاً، المدارس الدّينيَّة السعوديَّة الوهابيَّة، وعلى رأْسها (جامعة الإِمام محمد بن سعود الإِسلاميّة)، بتمويل سعودي غير محدود. كانت الخُطَّة الأَمريكيّة مبنيّة، على إِنهاك الاتّحاد السوفييتي، عن طريق الحرب الأَهليّة الموجهة، ضدَّ نظام الحكم الشيوعيّ في أَفغانستان. وبالنتيجة الخروج بموقف جديد يصبّ في صالح أَمريكا.

كرّرت أَمريكا نفس التجربة الافغانيّة في العراق، للسيطرة على الوضع السّياسي الدّاخلي فيه، بعدما اكتشفت أَنَّ الوضع في العراق، سيكون ليّس في صالحها. فمن مصلحة أَمريكا إِعادة خلط الأَوراق في العراق، والخروج بموقف جديد يكون لصالحها. فاعتمدت في العراق، نفس البرنامج الذي اعتمدته في أَفغانستان سابقاً، وهو (الارهاب يحارب نيابة عن أَمريكا).

و فعلاً قامت أَمريكا بتحريك أَدواتها الارهابيّة في العراق، وكادتّْ أَنّْ تستعر الحرب الطّائفيّة بيّن الشّيعة والسُنَّة، بعدما فجَّر الإِرهابيّون الوهابيّون جسر الأَئمّة في 31/8/2005، وفجَّروا مرقد الإِماميّن العسكرييّن (ع) في 22 شباط 2006. لكنْ موقف المرجعيَّة الدينيَّة في النجف الأَشرف، بزعامة السيّد السيستاني، أَوقف تلك الفتّنة.

بعدَ هذا المُختصر التّاريخيّ، لسَيّْر أَبرز الأَحداث، التي قادتها أَمريكا في المنطقة والعراق، والذي يعتبر مقدّمة مهمّة تُمهّد للقارئ العزيز، رؤْية واضحة يستطيع من خلالها، ربط مجريات الأَحداث بعضها ببعض، للتَّوصُل الى السَّبب الرئيس الذي، يقف وراءَ تحريكها على أَرض الواقع.

في الحلقة الثَّانيَة من هذا الموضوع، سأَتناول إِنّْ شاءَ اللهُ تَعالى، ماذا تريد أَمريكا من العراق؟. وأَهميّة الدَّور الحاسم، لمرجعيّة السيّد السيستانيّ، في تحويل الموقف لصالح العراق. والخسارة الأَمريكيّة للعديد من الشُّعوب، ومنها الشَّعب العراقي، بسبب سياستها الاستعماريّة، في المنطقة العربيَّة والعالم. واللهُ تَعالى من وراءِ القَصدّْ.

 

مُحَمَّد جَواد سُنبَه

كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِرَاقي

في المثقف اليوم