آراء

لماذا تصوّبُ السهام على اليمن غير السعيد؟

jawadkadom gloomاليمن كدولة مستقلة، هل هو عضوٌ في مجلس التعاون الخليجي .. وتترتب عليه التزامات ومعاهدات أو اتفاقية دفاع مشتركه مع دول الخليج العربية للحفاظ عليه وعلى سياسة حكمه مهما اوغلت في الاذى او أشبعت اهله ظلما؟؟ .. وهل يوجد اي بند قانوني للتدخل العسكري بهذه الكثافة في العدّة والعدد في ربوعه وعاصمته صنعاء او العبث في جنة عدن؟ !

في اول عهدي بالشعر ايام الصبا،كنت قرأت قصيدة ناعمة جميلة لأمير الشعراء احمد شوقي فحواها حوار بين ريح عابرة سرت من اليمن وعصفورتين تحطّان على غصن يابس في الحجاز وتُغري هذه الريح التي لاوطن لها هاتين العصفورتين بالرحيل الى اليمن حيث الكلأ والنعيم والحقول الخضر، تخاطب القصيدة في بعض ابياتها على لسان الريح تلك العصفورتين قائلةً بعد أن حيّتهما بسلام جميل لطيف التهجّي :

لقد رأيت حول صنعاء وفي ظلّ عدن

خـمائــلا كأنــها بقــية مـن ذي يــزن

الحَــبّ فيهــا سكـّرٌ والماء شهــدٌ ولبَن

هيا اركباني نأتها في ساعةٍ من الزمن

لكن هاتين الصغيرتين الحجازيتين تأبيا ان تغادرا موطنهما حتى وان يبس عوده وذبلت خضرته وفشلت ريحنا بنت السبيل في اقناعهما والهجرة من الحجاز لكن ساستنا العرب شمّروا عن سواعدهم وتدخّلوا وأوغلوا في ارض اليمن وسمائها وبسرعة تفوق سرعة البرق ولم تعد حتى الريح ان تلحق بهم

فلماذا أوكلت الى الشقيقة السعودية قيادة الحرب على الحوثيين بحيث جيّشت اكثر من عشر دول عربية لهذا الغرض واستمالت الغرب واميركا للوقوف الى جانبها لدحر " الأشدّاء الحوثيين " مع اختلافنا في وجهات نظرهم لكنهم ولنقلها صراحةً انهم سأموا انظمتهم السابقة،فما سبب الاصرار على انهائهم واعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عنوة الى الحكم والذي سبق ان نصّبته رئيسا على اليمن بعد عزل علي عبد الله صالح .. اذ لم نسمع منهم انهم يهددون أمن الخليج العربي الاّ من خصومهم الذين يصفونهم بأعتى الصفات

سؤال لابدّ من طرحه ليتبين الضوء الابيض من الضوء الاسود ويتذكر معظمنا كيف ان اليمنيين استماتوا وبلهفة منقطعة النظير ليمنّوا انفسهم ان يكونوا ضمن اتحاد دول الخليج العربية ولو شكليا لكنهم جوبهوا بالرفض الشديد حالها حال العراق الذي استمات هو ايضا للانضمام الى مجلس التعاون الخليجي لكنه لم يفلح ايضا، اما حكاية معاهدة الدفاع العربي المشتركة التي يتعكّز الحلفاء عليها لضرب الحوثيين ضربة قاصمة، فقد عفا عليها الزمن ردحا طويلا مع انها استخدمت قبلا لمقاتلة الكرد والايرانيين في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في شمال العراق وعلى امتداد جبهات القتال يوم اشتعلت حرب الخليج الاولى عبر جلب ألوية وفصائل مسلحة عسكرية من مصر وسوريا لقتال ما كنا نسميه الجيوب العميلة في شمال العراق تماما كما كان يفعل صدام حسين عندما كان يستجدي جنودا من مصر والاردن ومن الفلسطينيين المقيمين في العراق لمقاتلة ايران ويسميهم قاطع ابناء النيل او ثوار القدس وكلها اضاليل هدفها توريط العرب وزجهم في نزاعاته كما تفعل المملكة السعودية وغالبية دول الخليج الان في تأجيج مشاعر الكراهية ضد ايران لمجرد انها تدعم الحوثيين ، وهذه صراعات نحسبها لامعنى لها سوى زيادة النار سعيرا والنفخ في الجمر ليزيد لهبا وكأن مافي العراق من شجون الحروب ومافي سوريا وليبيا وغيرها من كوارث لم تعد تفي بالغرض وتقول هل من مزيد من الرزايا والبلايا الزرق .. ولنقل بملء افواهنا دون استحياء ان هذه النزاعات ذات خلفية طائفية سنية ضد الحوثيين في اليمن .. علما اننا لم نر اثرا لتبعات اتفاقية الدفاع المشترك اثتاء احتلال اسرائيل لبيروت عام 1982 .. او اثناء احتلال جنوب لبنان .. وحروب اسرائيل الاخيرة على لبنان وعلى غزة والتي مازالت آثار دمارها ماثلة للعيان .. اما ذريعة الدفاع عن الشرعية والوقوف ضد الانقلاب الحوثي .. فحتى لو سلّمنا ان ما جرى هو فعلا انقلاب في اليمن .. فان معظم الانظمة العربية الحالية وصلت الى سدّة السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية .. او انقلابات المشايخ والأمراء وقادة العسكر وبغياب ظاهر لصناديق الانتخاب الاّ شكليا فلا يؤخذ بنائجها مع انها تمتلك الشرعية الانتخابية الشعبية , المعترف بها دوليا , وفق المعايير العالمية لتبادل السلطة .. ودعونا ننسى حكاية الشرعية فهذه لم تعد تنطلي علينا في هذه الاوطان المعرضة للاستلاب والغصب .. وليكن اللعب على الظاهر المكشوف .. وتسمية الاشياء بمسمياتها دون لف أو دوران أو غمط الحقائق .. كلّ مافي الامر هو حرب وعدوان نظام عربي اقليمي سنّي ضد مكون شيعي مغيب عن السلطة في بلده .. هذه هي الحقيقة وان كانت مريرة لنا نحن العلمانيين الذين لاشأن لنا بهذه الافرازات السمجة التي تفرض وجودها في مجتمعنا الغارق في الفوضى والتخلف والموبوء بالطائفية والمذهبية . الموضوع اكبر من ايران وطموحاتها السياسية .. هناك مشكلة حقيقية في اليمن و الجزيرة العربية .. فجنوب السعوديه الحالية .. هي مقاطعات ومدن اقرب لليمن الحالي .. شكلا ونمطاً معماريا وطبائع بشرية وخصالا اجتماعية .. وشعب اقرب لليمن منه الى السعودية اعني منطقة عسير ونجران وغيرها .. وهم امتداد لقبائل شمال اليمن .. ويدينون بنفس المذهب الزيدي .. ومشيختهم الدينية واحدة وتجمع شمال اليمن وعسير. ولنقل بصورة أوضح انهم جماعات بشرية متداخلة مع بعضها حدوديا وهذا الوضع تم تغييره بقوه السيف نهاية العشرينات من القرن المنصرم .. وظهرت السعودية بشكلها الحالي اوائل الثلاثينات .اي ان المشكله القبلية راسخة ومتأصلة .. والمشكلة المذهبية موجودة .. قبل وجود النظام الايراني الحالي .. المذهب الزيدي .. احد فروع الشيعه وان اختلف معه في بعض الطروحات الفقهية ولكن الهوى والانسجام الروحي والمحاباة هي الطاغية بين الزيدية والاثنى عشرية .. لاننكر ان ايران استثمرت هذا الامر وقدّمت دعما للحوثيين وعززت من قوتهم باعتبارهم فصائل تراها الاقرب الى هواها حالهم حال حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين وتزعم انها تناضل من اجل انتشال اليمن من الكوارث من خلال تصديها لزمر القاعدة التي عمّت في ارجاء اليمن ولكن بايدي مليشيات الحوثيين لتغيير الطابع العقائدي الزيدي الشائع والمتجذر في اليمن وليس فرض المذهب الاثنى عشري هناك كما يتوهم البعض وهل ان الدعم التي تلقاه حماس في فلسطين والمساعدات التي تقدمها ايران للفصائل المعارضة للسياسة الاسرائيلية التوسعية في فلسطين المحتلة كان مشروطا بتبنّي المذهب الشيعي مع اننا نعرف ان مقاتلي حماس اقرب مايكونون الى فكر الاخوان المسلمين الذي يفترق كثيرا عما في الفكر الشيعي الاثنى عشري .. ولكن هذا لا يلغي اصل المشكله .. في ان المملكة العربية السعودية الغت وجود أي أي عقيدة غير الوهابية التي لم تكن ابدا ضمن المذاهب الاربعة وانما نمت بظهور الشيخ محمد عبد الوهاب الذي نبش في مفاهيم ورؤى ابن تيمية وابن قيم الجوزية لاجل نمو ثورة آل سعود لتكون من ادبياتها وسحب البساط من الهاشميين ملوك العرب في شبه الجزيرة العربية كما مسحت الوجود اليهودي والتاريخ المسيحي من الجزيرة العربية انطلاقا من مبدأ ان هذه الارض مقتصرة على الاسلام وحده ولا وجود لديانة اخرى غيره .. بل حتى ان نصف مدارس اليمن كانت تدار ضمن مؤسسة وهابية لنشر الفكر الوهابيّ وزرعه في الحديقة الخلفية للسعودية ليكون تعيسا بعد ان كان يسمى سعيدا، وكان الله يحب الصادقين ويحب من وضع النقاط على الحروف ويكشف السوء ويظهر المبطن الخفي في هذا اليمن المبتلي بالقبلية والصراعات المذهبية

ولنعد الى ختام القصيدة الشوقية ونقول للاخوة السعوديين كما قال شاعرنا ولكن الان بلسان احدى العصفورتين موجهة كلامها الى الريح :

يا ريح أنت ابن السبيل فما عرفتَ ما السكن؟

هبْ جنة الخلد اليمن، لاشيء يعدل الوطـن

 

جواد غلوم

في المثقف اليوم