آراء
الطائفية .. وصراع النفوذ
تزامناً مع قمة شرم الشيخ العربية كان خطباء المساجد في السعودية يطلقون خطباً حماسية تعج بالكلام الطائفي التحريضي المباشر. أحد هؤلاء كان يصرخ من على منبر أحد جوامع الرياض قائلا: “حربنا هي حرب طائفية، هي حرب شيعة وسنّة “ ويصر هذا الداعية الى حرب والدمار على هدفه بالقول: “حرب اليمن حرب طائفية ضد الروافض، فان لم تكن طائفية فسنجعلها طائفية “.
وأنا أتابع صرخاته الشيطانية التي ورطت مثيلاتها، الامة الاسلامية بسنّتها وشيعتها بحروب وضغائن وأحقاد، أدركت انه، وأقرانه في أرجاء المملكة، وباقي البقاع المتأثرة بالدعم السعودي، إنما يفصحون عن عمق التعويل على العامل الطائفي في الحرب الشاملة في المنطقة والتي تشكل حرب اليمن إحدى مفاصلها . ترى هل يعي القادة العرب الذين وقفوا في قمتهم، داعمين لهذه الحرب، حقيقتها وطبيعتها الطائفية ؟ .
بالتأكيد يعرفون، لكن ليس بالضرورة يؤمنون بذلك . يعرفون ان الطائفية مجرد سلاح يستخدم في حروب النفوذ والهيمنة، في صراع المحاور في المنطقة، وفي محاولات دول سمح لها غياب الكبار الاقليميين الى لعب دور الكبير تجاوزا، وهي ترى الان ان دورها “المنُتَحَل” يشارف على الزوال . يعلمون ذلك رغم ان تصريحاتهم وبيان قمتهم تحدثت عن “الصف العربي” و”المصلحة العربية” وباقي العناوين البرّاقة التي لم تشهد يوما مصاديق حقيقية لها . لكنهم ينقسمون بين منخرط في هذا الصراع السياسي المستخدم للدين والمذهب، وبين مضطر إقتصاديا وسياسيا الى تأييد أقطاب هذا المحور ممن إستخدموا أموال النفط، وحاجة الاخرين، في جرّهم الى نار الحرب في اليمن وغيرها .
لا يمكن أن يغيب عن القادة العرب ان إيران في عهد الشاه كانت شيعية أيضا، لكن أحد لم يطرح العنوان الطائفي آنذاك حتى في حالات الخلاف السياسي معها، ناهيك عن أن بعض القادة العرب كان يقبل يد الشاه وينحني أمامه، بل أن أحد هؤلاء قال لوفد إيراني آنذاك: “أبلغوا جلالة الشاهنشاه أن حدود إيران تصل الى باب قصري “. كان نظام الشاه آنذاك هو “كبير المنطقة” لكنه كان في تبعية كاملة لواشنطن، وكان رضاها للبعض هو من رضا شاه إيران .
إيران اليوم هي ذاتها السابقة من حيث تركيبتها وهويتها المذهبية، وفي تطلعاتها لأن تصبح “كبير المنطقة” ولكن دون تبعية لواشنطن هذه المرة . تريد تفاهما وتقاسماً للادوار مبنياً على علاقة ندية وليست علاقة تبعية . إستغرق هذا الامر أكثر من ثلاثة عقود قبل أن يقتنع أحد الحزبين الاميركيين بأن لا مناص من هذا الخيار . مفاوضات النووي مع إيران هي الغطاء لتفاهم أميركي - إيراني شامل في المنطقة .
هنا مكمن الانزعاج الشديد لدى الاطراف التي لعبت دور الكبير حتى الان ، والتي صدرت عنها تصريحات هستيرية حول “خطورة” أي إتفاق مع إيران . وهنا كان الاستنهاض الهستيري للعامل الطائفي في هذا الصراع، مستخدما شعوب المنطقة بكافة إنتماءاتهم، وقوداً في صراع المصالح والنفوذ .