آراء

ركعت اميركا فهل ستسجد السعودية؟ (1)

fakhry mashkorأخيراً، وبعد اكثر من ثلاثة عقود من الصراع، اتفقت ايران مع السداسية الدولية (اي مع العالم الغربي، او ما يُعرف عند مستلـَبيه بـ" المجتمع الدولي").

تمَّ في لوزان التسليم بحق ايران في الاستقلال، والكف عن حربها يوماً لانها دولة مارقة، ويوماً لانها تنتهك القانون الدولي، ويوماً لانها تدعم الارهاب، ويوما لانها جزء من محور الشر، ويوماً لانها تشكل خطرا على السلم الدولي...الخ، ولم يبق من الاعذار الا كونها تتكلم اللغة الفارسية ! أو لانها تقع على الخليج! او لانها تحتفل بالنوروز! فقد انتهت كل الاعذار ولم يبق امام الغرب (اي المجتمع الدولي كما يسميه المستلبون) الا ان يفصح عن السبب الحقيقي الذي هو: رفضها التبعية (والتبعية هي القانون الذي يحكم الاقليم)، وتمسكها بالاستقلال (والاستقلال هو فيروس خطر يحرص " المجتمع الدولي" ان لا تسري العدوى به الى دول الخليج).

اقول تم التسليم بحقها في الاستقلال ولا اقول بحقها في التقنية النووية، لان قضية النووي جزئية تافهة لم تكن لتثير الغرب لو كانت ايران تابعة له كما هو حال اسرائيل ودول الخليج، بل كما كان حال شاه ايران التابع للغرب والذي بدا الغرب نفسه ببناء المفاعلات النووية له قبل ان يسقط على يد الثورة الاسلامية التي اخرجت ايران من المظلة الغربية فبدأت حمم "المجتمع الدولي" تسقط على رأسها الواحدة تلو الاخرى، بدءا من الحصار الاقتصادي ومرورا بالحرب الخليجية (بتنفيذ صدام لمدة 8 سنوات) الى العقوبات الدولية ...الى...الى ان عجز الغرب وملّ، بينما لم تعجز ايران ولم تمل.. فرفع راية الاستسلام وأقرّ لايران بحق الاستقلال وكان الملف النووي مناسبة - لا اكثر- لهذا الاعلان

في الملف النووي اعترف "المجتمع الدولي" لايران بكل ما ارادته، ولم تتراجع عن اي مكسب، وخلافاً لما تصوّره الدعاية الخليجية (المعتدى على شرفها والمهدورة كرامتها) فقد وصلت ايران لمرادها في:

1. الاعتراف بحقها في التقنية النووية السلمية (بل وحتى العسكرية خلال سنة ان ارادت، كما سنوضح بعد قليل)

2. وبحقها في تخصيب اليورانيوم

3. وبحقها في الاحتفاظ بكافة المنشآت النووية وعدم اغلاق اي واحد منها (لا نطنز، ولا اراك، ولا فردو...كلها تبقى مفتوحة وعاملة مع بعض الملاحظات التي سنوضحها بعد قليل)

4. وبحقها في الاحتفاظ بكافة المعدات وخصوصا اجهزة الطرد المركزي المتطورة (وهي بالمناسبة صناعة ايرانية صرف)

5. وبحقها في الاحتفاظ بالكمية التي خصبتها من اليورانيوم

6. وبضرورة الاطلاق الفوري لارصدتها المجمدة ورفع العقوبات المفروضة عليها من قبل "المجتمع الدولي"!

باختصار وقعت ايران على صلح الحديبية الذي اجّل فيه رسول الله (ص) الحج لهذا العام، ولم يفهم الاغبياء وقتها قيمة هذا الصلح فاعتبروه تنازلاً (ورفضوا ان يعطوا الدنية على انفسهم بزعمهم)، ولم يفهموا مكاسبه الا بعد ان شاهدوا فتح مكة .. هكذا فعلت ايران، احتفظت بكل ما حصلت عليه، ولم تقدّم للغرب الا التوقف عند النقطة التي وصلت اليها في التقنية النووية (اي تحتفظ بما وصلت اليه ولا تتنازل عنه، لكنها لا تخطو الى الامام طيلة مدة الاتفاق) مقابل ان تحصل على كل شيء يجعلها القوة الاقتصادية والسياسية الاكبر في المنطقة، مع قدرتها على مواصلة التطوير بعد عشر سنوات (مدة الاتفاق)، او اذا اخل الطرف الآخر بأي بند من بنود الاتفاق.

الاهم من كل هذا ان ايران اصبحت الان على بعد عام واحد فقط من القنبلة النووية. بمعنى آخر: لو ارادت ايران ان تلغي الاتفاق، او لو اخلف الغرب الاتفاق معها، أو لو انتهت مدة الاتفاق فان ايران تستطيع ان تصنع قنبلة ذرية خلال مدة اقصاها عام واحد.

لماذا وافق "المجتمع الدولي" على اذاً على توقيع هكذا اتفاق مع ايران يعطيها كل ما كانت تطمح اليه ولا يأخذ منها شيئا ذا بال؟

الجواب بكل بساطة: لان الغرب ادرك ان ايران غير الحكومات العربية، فايران تستمد صبرها من منظومة قيم تقول: (اصبروا وصابروا ورابطوا) ويعرف القارئ من قال هذا، بينما تستمد الحكومات العربية صبرها من منظومة قيم اخرى تقول: (للصبر حدود) ويعرف القارئ من قالت هذا

الغرب لا يريد ان يحارب ايران، لانه لا يستطيع ان يكسب الحرب ضدها، ولو كان يستطيع محاربتها لفعل، ولا يستطيع ان ينتظر اكثر ليرى ايران قد حققت ما تريده على رغم أنف الغرب، فقرر اخيراً ان يحفظ ماء وجهه ويتفق معها قبل ان تفاجئه بفرض نفسها عليه وعلى ذيوله الخليجيين فيخسر المنطقة والكرامة وياتي خاضعا ذليلا يوقع لها على ما وقع العرب لاسرائيل بعد هزائمهم المتلاحقة (قبل انتصارات حزب الله عليها).

الغرب فكر بعقل فتصالح مع ايران، بينما لم يفكر العرب اصلاً بالصلح معها

ولو كان العرب يفكرون بتعقل لمدوا يد الصلح لايران، بل لوكانت فيهم ذرة عقل لاستجابوا لدعوات الصلح والحوار التي اطلقتها ايران نفسها، ولو فعلوا ذلك لحفظوا كرامتهم بمبررات منطقية ومقبولة (كون ايران دولة اسلامية وجارة و ...و...)، لكنهم – امام دعوات ايران للتفاهم والتعاون- وضعوا اصابعهم في اذانهم واستغشوا ثيابهم واصروا واستكبروا استكبارا

ركن العرب الى وعود دولة من وراء البحار لا تربطها بالعرب رابطة دين، ولا رابطة تاريخ ولا رابطة جوار... وضعوا كل بيضهم في سلتها...ثم اصبحوا يوما كما يصبح من بال في فراشه عند مضيـّفه، واذا بتلك الدولة الحبيبة الى قلوبهم تقول لهم: تصالحنا مع ايران...دبروا امركم.

وهكذا وضعتهم حليفتهم في وضع غاية في الحرج والذل، فاما ان يحاربوا ايران (وهذا مستحيل بعد ان عجز الغرب باكمله عن ذلك) واما ان يغيروا اتجاههم 180 درجة ويعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون

وصدق من قال: يفعل الجاهلُ بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوّه.

في المثقف اليوم