آراء

عاصفة الحزم .. هل دقت ساعة التغيير بالنسبة إلى الأنظمة الخليجية؟

alarabi benhamadiفي مقابلة مع "توماس فيردمان" الصحافي و الكاتب الأمريكي بصحيفة "نيويورك تيمز" صر ح الرئيس الأمريكي، على هامش الحرب على اليمن، قائلا:"...مع تقديم دعم عسكري، ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتساءل، كيف يمكنها تعزيز الحياة السياسية في هذه البلدان حتى يشعر الشبان أن لديهم شيئا آخر يختارونه غير تنظيم داعش"

إن هذا التصريح يعكس رغبة أمريكية غلى إجراء تغيير بالنسبة الى الأنظمة الخليجية، وهو أمر مفاجئ نظرا للتحالف الأزلي المتين الذي يربط الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين مع الدول الخليجية والذي يمكن اختزاله في توفير الأمن والحماية مقابل تدفق النفط والسلع. ولم تشب هذا التحالف أية شائبة طوال عقود، باستثناء مرة واحدة يتيمة، تم خلالها حظر تصدير النفط العربي الى الدول الغربية على اثر حرب أكتوبر 1973 التي كسرت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، لكنها انتهت باغتيال المرحوم الملك فيصل ملك السعودية، ربما عقابا على موقفه المساند للحظر المذكور.

والسؤال المطروح، ما الذي تغير حتى يغبر الرئيس اوباما على مثل هذه الأفكار؟

يبدو أن موقف الولايات المتحدة من عاصفة الحزم هو ترجمة عملية لهذا التصريح المفاجئ. فبالرغم من تعمد السعودية إعلان حربها على اليمن من قلب العاصمة الأمريكية عوض الرياض، بعد أن أطلقت عليها عاصفة الحزم اقتداء وتبركا بعاصفة الصحراء، وهي الحرب التي شنتها أمريكا وحلفاءها على العراق في التسعينات من القرن الماضي. رغم كل هذا التودد من السعودية لحليفها القوي أمريكا فان هذه الأخيرة تحاشت الدخول مباشرة إلى جانب حلفاءها الخليجيين ولو عن طريق القصف الجوي كما هو الحال في سوريا والعراق.

لكن رغم كل هذا فان الحرب القائمة على اليمن هي حرب أمريكية،بامتياز، بقدر ما هي حرب بين إيران بالوكالة والسعودية ومن يقف معها. إن الإدارة الأمريكية بقيادة اوباما غيرت من أسلوبها وبداغوجيتها في معالجة قضاياها وإدارة الأزمات العالمية.فهي إلى حد اليوم لم تدخل في حروب مباشرة في هذه البؤرة أو تلك. ورغم تهافت فرنسا الاشتراكية على شن حرب على سوريا فان أمريكا وجدت حلا تمثل في نزع الأسلحة الكيمائية السورية عوض التورط في حرب مدمرة جديدة في محيط دولي متفجر أصلا. وهو المنهج نفسه التي توخاه اوباما في معالجة الملف النووي الإيراني رغم مزايدة بعض من حلفائها العرب والغربيين وهستيريا الجانب الصهيوني.

إن الإدارة الأمريكية الديمقراطية بقيادة اوباما استفادت من أخطاء أسلافهم الجمهوريين أل بوش الذين أمعنوا في شن الحروب المدمرة على الشعوب، التي أضرت أمريكا وسمعتها في الداخل والخارج بقدر ما خدمت مصالحها. أليس من الأجدى خدمة المصالح الأمريكية دون التضحية بالدم الأمريكي الثمين؟

انه المنهج الجديد لاوباما. فالاحتياطي المالي السعودي المقدر بأكثر من 700مليارات من الدولارات سيذهب جزء منه للخزينة الأمريكية، لتعويض الفراغ المحتمل الذي سيحدثه رفع الحظر عن الأموال الإيرانية المجمدة، مقابل السلاح الذي سيتدفق مدرارا على دول الخليج التي دخلت في حرب مدمرة لا يعرف احد متى تنتهي ولا مدى الجرح الذي ستتركه غائرا بين الشعبين اليمني والسعودي.

إن الإدارة الأمريكية قد وضعت الأنظمة الخليجية في مصيدة قد تكلفهم الكثير ماديا ومعنويا، وما تصريح اوباما المشار إليه إلا مقدمات لمستقبل هذه الأنظمة.                                          

إن الإدارة الأمريكية تعلم أن حقبة تهديد مناطق الطاقة بالخليج قد ولت بدون رجعة، خاصة بعد تحييد العراق وليبيا وغيرها، وبالتالي فدور الأنظمة الخليجية أصبح دورا ثانويا في المحافظة على المصالح الأمريكية في المنطقة العربية، خاصة أن القادة الخليجيين المتربعين على مملكات وإمارات، تعيش على هامش التغيرات الدولية، لم يظهروا أية شطارة على الساحة الدولية المتفجرة، كما فقدوا السيطرة على التنظيمات الإرهابية وغير الإرهابية بعد أن مولوها وسودوها بمختلف الأسلحة، وأصبحوا في حالة تخبط سياسي.

إن مخاوف الدول الخليجية من المد الإيراني هي مواقف حقيقية، لكن، بكل آسف، فان اللاعب الإيراني هو لاعب ماهر استطاع احتواء المخطط الغربي الممول من الدول النفطية العربية والهادف إلى إسقاط سورية قبل التفرغ لحزب الله وجمهورية إيران الإسلامية.

كان بإمكان السعودية توخي حلول أكثر نجاعة وديمومة وتجنب الارتماء في أتون حرب سوف لن تكون أفضل من تجربة أمريكا القاسية على التضاريس الأفغانية. لقد كان بإمكان السعودية ضخ هذه الأموال التي ستدفع في شراء السلاح وتمويل الخزينة الأمريكية، في تنمية المناطق الحدودية مع اليمن أو إذا تعذر ذلك فلتنفق في تسليح حلفائها من غير الحوثيين الذي يسعى الإعلام جاهدا في إظهارهم وكأنهم غير يمنيين، في الوقت الذين يمثلون أكثر من ثلث الشعب اليمني كما حكموا اليمن طوال قرون.

 

العربي بنحمادي

في المثقف اليوم