آراء

العراق كان أفضل؟!

salem mashkorيوم تم إسقاط تمثال الديكتاتور في ساحة الفردوس في نيسان ٢٠٠٣، كنت وزملائي في إذاعة العراق الحر، نتابع من مركز الاذاعة في براغ، ما يجري باعصاب مشدودة ودهشة من تسارع الانهيار، وتقدم من سماهم الصحاف بـ «العلوج» وسط العاصمة بغداد، بدل ان ينتحروا على أسوار بغداد كما قال وزير دعاية صدام.

إسقاط التمثال كان إيذانا بانتهاء كل شيء، لكن الشك كان لا يزال يساورنا والسؤال يلحّ علينا: أيعقل ان صدام انتهى؟

ما أن انتهى «مهرجان» إسقاط التمثال على يد الجنود الاميركيين، حتى تنبهت الى أن تفاصيل المشهد بدت وكأنها لخصت قصة كفاح غالبية العراقيين ضد صدام ونظامه وكيفية انتهائها في ذلك اليوم. تقدم العراقيون المجتمعون حول التمثال محاولين إسقاطه لكنهم لم يستطيعوا زحزحته أبدا. كان مثبتاٍ بقوائم حديدية. هكذا هي محاولاتهم لاسقاط صاحب التمثال طوال عقود. تقدم الجنود الاميركان وجاءوا بآلياتهم الضخمة التي سحبت التمثال من رأسه بحبل متين، بالضبط كما سحب حبل المشنقة جثته فيما بعد.

الاميركيون أسقطوا التمثال بعدما عجز العراقيون عن ذلك، كما أسقطوا صدام نفسه الذي عجز العراقيون عن إسقاطه طوال عقود.

لنترك مؤيدي صدام والمستفيدين من نظامه جانباً، فمن الطبيعي ان يرفض هؤلاء كل ما جرى، لكن من غير الطبيعي أن ينبري الذين كانوا يئنّون من بطشه ويقول الكثير منهم، «ليسقطه من يسقطه حتى لو كان الشيطان، فالمهم أن يسقط ونخرج من هذا الجحيم» الى القول – بعد ان أصبحوا يعيشون الحرية الى حد الفوضى – أن الوضع كان أفضل في عهد صدام. هي أقوال يطلقها المستفيدون والآمنون في عهد النظام السابق، والمتضررون من زواله، ليتلقفها ضحايا ذلك النظام، فيقودهم قصر النظر والذاكرة الى ترديدها من دون وعي. لا يعني هذا أن الوضع الان ورديٌ لا نقص فيه ولا خلل. فمجرد اطلاق هذا الكلام في العلن يعني أن هناك مستوى عالٍ من الحرية لم يكن يتوفر حتى القدر اليسير منه سابقاً. تخيلوا لو أن مواطناً في عهد صدام قال ان عهد عبد الرحمن عارف كان أفضل، ماذا كان سيواجه؟. صحيح أن الوضع الامني مضطرب منذ سقوط النظام وحتى اليوم وان الالاف قتلوا في عمليات إرهابية. لنسأل ببساطة: من الذي يقتل ويمارس الارهاب؟ أليست هي عناصر أدوات القمع السابقة، ومعهم أو من ورائهم دول وأجهزة منزعجة من زوال صدام وتغيّر معادلة الحكم من احتكار الى مشاركة؟ الم يكن العراقيون يقتلون في أقبية التعذيب وفي حروب أدمن ذلك النظام على إشعالها داخليا وخارجيا؟.

معادلة القتل السابقة ما زالت قائمة: الجلاد هو ذاته مع دخول عوامل جديدة، والضحية هي ذاتها، لكن طرق القتل ومكانه هي التي تغيّرت. ومهما يكن، لا يمكن القول أن الوضع كان أفضل فهو كلام لا يقبله عقل ولا منطق.

 

في المثقف اليوم