آراء

محاور مقترحة للخطاب السياسي لدكتور حيدر العبادي في الولايات المتحدة

هذه أفكار مقترحة أتمنى كمواطن عراقي أن أسمعها في الخطاب السياسي للحكومة. هي تعبّر عن أمنياتي عن العراق وحكومته ومجتمعه، ربما تكون في بعضها ساذجة أو غير واقعية أو حالمة أو رومانسية لا تعبّر عن الواقع بقسوته وتعقيداته وتناقضاته وصراعاته السلطوية والطائفية والدموية. لكن حسبي أن تكون بمجملها في متناول السيد رئيس الوزراء لعلّ بعضها يكون مفيداً في تعزيز موقف العراق ومصلحته أمام الولايات المتحدة والعالم.

1- الجميع يعلم أن هنالك مصاعب وتحديات كبيرة على الأرض، لكننا نثق بشعبنا ووحدته وتضامنه وقدرته على المواجهة وعبور المحنة، ونؤمن بصلادة وتماسك وقوة التزاماتنا الأخلاقية والوطنية والدستورية تجاه مواطنينا وبلدنا. ولذلك نحن نتحمّل مسؤولية العمل اليومي الجاد والصبور والمخلص على تحويل هذه الثقة والالتزامات إلى واقع حقيقي يلمسه المواطن العراقي، في كل بقعة من أرض العراق، على صعيد الأمن والاقتصاد، الحقوق والحريات، والاندماج الوطني.

2- داعش تهدد وجودنا الوطني وتماسكنا الاجتماعي. كل بيت عراقي اليوم هو جبهة لمحاربة الإرهاب. كل أسرة عراقية اليوم هي في خندق الحرب ضد داعش. عندما يغادر الأب إلى جبهات القتال حاملاً سلاحه على كتفه يترك خلفه زوجة وأطفال يعانون مشاعر الألم والقلق لغياب المُعيل ويواجهون تحديات نفسية ومعيشية صعبة في ظل الأزمة المالية الناتجة عن هبوط أسعار النفط واستمرار الحرب واستحقاقاتها. لدينا مقاتلون يتدربون في المعسكرات أو يشتبكون مع العدو في أرض المعركة فيما عوائلهم تسكن مخيمات النزوح وقد خسروا بيوتهم وممتلكاتهم وبعض أفراد عوائلهم على يد داعش. إن اختطاف داعش لمواطنات عراقيات أيزيديات هو جرح نازف في قلب كل عراقي. نؤمن بأن الدم العراقي واحد لذلك نرفض تصنيف ضحايا داعش طائفياً. ونرفض القول إن بعض "المكونات" كانت خسارتها أكبر من البعض الآخر. خسارتنا واحدة كعراقيين. ومكاسبنا واحدة. هذه عقيدة وطنية صلدة وغير قابلة للنقاش. والإنسان والوطن في العراق ليسا محلاً لحسابات الربح والخسارة. لقد كان صعباً على العراقيين أن يجدوا مدناً كاملة من وطنهم تحت سيطرة عصابة إرهابية تقتات على أيديولوجيا الكراهية والقسوة. كل أسرة عراقية، بدون استثناء، هي تدفع اليوم ثمن وجود هذا التنظيم الإرهابي على أرض العراق. وكل أسرة عراقية، بما عليها من أعباء ومسؤوليات تتحملها بصلابة وصبر، هي مثل وحدة عسكرية باسلة وصامدة تقاتل ضد داعش. نحن اليوم نخوض هذه الحرب نيابة عن الإنسانية. ودعمنا مسؤولية واجبة على المجتمع الدولي. لقد صمد العراق، واستعاد زمام المبادرة، وتحوّل من ردّ الفعل إلى الفعل، وفي الوقت الذي نشكر التحالف الدولي والأصدقاء في العالم على الدعم الذي تلقيناه، والذي نطمح أن يتزايد ليوازي تضحيات شعبنا ولكبح جماح الإرهاب، فإن الفضل الأول والأخير يبقى للشعب العراقي البطل. إنني وجميع ساسة العراق مدينون لهذا الشعب بأن علّمنا معنى الصمود والتماسك والصبر والعطاء والتضحية في أصعب الظروف. أنا أحيي شعبنا العظيم الذي يعلّم سياسييه ويعلّم العالم كل يوم معنى أن تتمسك بحياة حرة وقرار مستقل وتضامن صلب، معنى أن تتناسى جراحك الخاصة وهمومك الفئوية لصالح المصلحة العامة والهم الوطني، وأن تحيا بكرامة وأمل، ومسؤولية والتزام، في مواجهة الأجندات الطائفية وأيديولوجيا الموت والظلام.

كرئيس حكومة مؤمن بشعبه، أقول باسمي، ونيابة عن زملائي الوزراء وشركائي السياسيين، بأن مسؤوليتنا تحتّم علينا الارتقاء لمستوى تضحيات شعبنا وكفاحه للبقاء وبناء مستقبله وإلّا فإننا لا نستحق قيادة هذا الشعب.

 

كحكومة تحترم شعبها ونفسها، وكرئيس وزراء يشعر بالمسؤولية تجاه شعبه، لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أمام الكوارث التي حلّت بالعراقيين ومعاناة المواطنين الذين يعقدون الآمال على الحكومة لتكون أكثر قدرة على تنسيق الجهود الوطنية والدولية لمواجهة التنظيم الإرهابي. إنقاذ العراق مسؤوليتنا كعراقيين مُنتخبين في السلطة. لذلك ليس أمامنا في الفريق الحكومي سوى مسارين سنبقى ملتزمين بهما:

الأول: توحيد شعبنا وبناء الثقة بين العراقيين وتكريس الروح الإنسانية والوطنية الجامعة ونبذ التمييز والعنصرية بكل أشكالهما واحترام حقوق الإنسان بشكل صارم وحاسم وغير قابل للتأويل أو النقاش.

الثاني: أن نطلب ونجذب كل أشكال الدعم الدولي والتعاون الإقليمي في إطار السيادة الوطنية لمساعدة العراقيين على الوقوف بوجه وباء داعش وقهره.

3- أقول باسم العراقيين: لسنا ضعفاء، ونرفض أن نكون كذلك. أبناؤنا يضحون بدمائهم بسخاء وشجاعة نفخر بهما دفاعاً عن شعبهم ووطنهم، لكن القضاء على الإرهاب يبقى مسؤولية إقليمية ودولية، فالعراقيون اليوم يدفعون ثمن صراعات ذات طابع جيوسياسي وأيديولوجي تتجاوز حدودهم الجغرافية ومسؤوليتهم الوطنية؛ لأن داعش هو وليد شرعي لأزمة تعايش إقليمية، لها أبعادها وجذورها الهوياتية والثقافية والسلطوية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية، وهي مدار استقطابات وصراعات دولية حادة.

إذا أردنا أن نتكلم بمنطق القيم والحضارة التي ننتمي لها كعراقيين أقول إننا سعداء بأن نقاتل داعش دفاعاً عن الإنسانية ولتجنيب الشعوب الأخرى هذا الإرهاب. لكننا حين نتكلم بمنطق السياسة والمصالح الدولية أقول بوضوح وبدون مواربة: لن يدفع شعبنا الثمن لوحده، وعلى العالم أن يضطلع بمسؤوليته الأخلاقية تجاه مواطنينا.

4- عندما نتحدث عن التعاون الإقليمي والدولي لقهر الإرهاب، فإن المصلحة الوطنية العراقية تبقى هي المعيار الأساسي والمرجع الوحيد في تحديد الكيفية التي نتعامل بها مع الدعم الخارجي وليست أية إملاءات أخرى.

5- في العراق نحن لا نقاتل تنظيم داعش فقط لكننا نقهر معه كل أشكال التفرقة والتمييز والانقسام بيننا كعراقيين. الخلافات الوهمية تذوب وتتلاشى ونحن نرى عدونا لا يفرّق بيننا في الوحشية والتنكيل والانتقام. دموع أطفالنا ودماء شهدائنا وآلام الأمهات توحدنا من أجل الإنسان والوطن. العراقيون جميعاً يقاتلون اليوم في خندق واحد يداً بيد وكتفاً بكتف مثل جدار صلب حصين يحيط بالعراق. عازمون على جعل الانقسام جزءاً من التاريخ الذي نتعلم منه لكن لا نسمح له بإعاقتنا.

نكره الحرب وما تجرّه من ويلات، لكننا ملتزمون بالدفاع عن بلدنا، ونتطلع إلى اليوم الذي نضع فيه البنادق جانباً ليتفرغ أبناؤنا لحمل الأقلام والأوراق والحواسيب وأدوات البناء والصناعة والزراعة ولنشرع في تطوير مجتمعنا وإعمار وطننا.

6- بناء الثقة هي استراتيجيتنا على الصعيد الوطني والدولي. فعلى الصعيد الوطني تعتمد الحكومة الخطاب السياسي الجامع الذي يؤكد على قيم التضامن الوطني والتعاون. ونعضّد هذا الخطاب بترجمة عملية وسياسات تتحرك على الأرض تؤكد المصداقية. نحن نعمل على بناء ذاكرة عراقية إيجابية جديدة تقوم على التضامن ووحدة الدم والخبز والقيم والمصالح والمستقبل.

وعلى الصعيد الإقليمي والدولي لدينا استراتيجية مماثلة تقوم على بناء الثقة، فالعراق ربما هو الدولة الوحيدة في المنطقة التي تستطيع التواصل مع الدول الإقليمية والعربية خارج لعبة المحاور والتخندقات. كرئيس وزراء جمهورية العراق أجريتُ خلال يومين فقط سلسلة من الاتصالات الهاتفية الإيجابية مع مجموعة من زعماء دول المنطقة (السعودية/ تركيا/ إيران/ مصر/ الأردن) على الرغم من الحساسيات المعروفة الموجودة بين بعضها البعض، لكن تواصل العراق معهم بكل شفافية كان هو القاسم المشترك بينهم. توجد إشكاليات وتباين في وجهات النظر والمواقف في علاقاتنا الإقليمية، نعم، هذا صحيح، لكننا أيضاً نمتلك جرأة التواصل والمصارحة والتركيز على المشتركات وتوسيع مساحات التعاون وتعميقها.

7- العراقيون متساوون أمام القانون، ولا شرعية لجريمة، ولا حصانة لمُدان. وقضاؤنا مستقل، وإرادة المحاسبة لدينا عازمة وحازمة، لكننا نحتفظ دائماً بروح العدالة ويقظة الضمير والحس الإنساني والمسؤولية الأبوية تجاه مواطنينا. لن نعالج الظلم بالظلم، ولا القسوة بالقسوة. نعمل على تقليل الخسائر إلى أقصى حد وتضييق دائرة المذنبين والمدانين إلى أضيق الحدود عبر مصالحة عادلة وشاملة تُنقذ المجتمع وتُعزز الوئام الاجتماعي والتلاحم الوطني.

8 – ملتزمون تجاه مواطنينا في إقليم كرستان بغض النظر عن أية خلافات سياسية أو جدل دستوري. ننسق مع حكومة الإقليم في الحرب على الإرهاب بشكل متكامل، وأبرمنا معها اتفاقاً نفطياً، ووفرنا دفعات مالية لتوزيع رواتب الموظفين في كردستان لأننا كحكومة مسؤولة نسعى لضمان أن العراقيين يتحمّلون أعباء الأزمة المالية بالتساوي، وبشكل عادل ومنصف، فنحن جميعاً شركاء في الرخاء والشدة.

9- نعمل على بلورة مسارات تعاون مع شركائنا الوطنيين من خلال الأزمة نفسها. الأزمة التي كانت نتاجاً للانقسام عازمون على جعلها سبباً للوحدة الوطنية.

10- الحشد الشعبي مواطنون عراقيون شجعان ومخلصون وأوفياء لمجتمعهم وبلدهم ولقيمهم الوطنية والإيمانية، ويحظون بدعم وتشجيع ومؤازرة عوائل كريمة وزوجات مخلصات وأمهات نبيلات ومساندة مجتمعاتهم المحلية، انخرطوا بدوافع وطنية وبشكل تطوّعي في معركة دفاعية ضد تنظيم داعش. فكرة التطوّع للدفاع عن الوطن والتضحية بالنفس هي قيمة عليا في ثقافتنا كعراقيين. لا يمكن أن ننظر لهذه المواقف إلا بعين الاحترام والإجلال. هنالك انتهاكات وقعت في ساحات القتال قام بها أفراد مذنبون، نتعامل معها بشكل حاسم: إذ لا شرعية لجريمة، ولا حصانة لمُدان.

لا نقلل من شأن أي جريمة ارتُكبت، والتزامنا بحماية سلامة وكرامة كل عراقي هو أمر نرفض أن يكون محل جدل، لكن مسؤولية الانتهاكات تبقى فردية يتحمّلها من قام بها. ونرفض الإساءة لقواتنا المسلحة أو الحشد الشعبي أو أبناء العشائر لأن مثل هذه الطعون سياسية الطابع في العسكريين والمتطوعين تؤدي إلى زعزعة الثقة وتقويض أمننا الوطني وتماسكنا الاجتماعي والتشكيك في ولاء مقاتلينا وإضعاف قدراتنا الدفاعية.

نتعامل مع الانتهاكات من خلال:

أ‌- المدخل القضائي: إلقاء القبض أصولياً على المتورطين وإحالتهم للقضاء لينالوا الجزاء العادل.

ب‌- المدخل التنفيذي: قمنا بربط هيئة الحشد الشعبي بالقائد العام للقوات المسلحة لنضمن تطبيق قواعد الاشتباك العسكرية Rules of Engagement ومبادئ حقوق الإنسان على وحدات ومقاتلي الحشد بالحزم ذاته الذي يتم تطبيقه على الجيش والشرطة.

ت‌- المدخل السياسي: الانتهاكات هي نتيجة للاحتقان الطائفي، وكلما خففنا الاحتقان ورسخنا التسامح وعززنا الأخوة الوطنية سنجد أن الانتهاكات تضمحل وتتلاشى. نعمل على تجفيف المستنقع وليس الاكتفاء بمكافحة البعوض فقط. نعمل على تغيير سياق الاحتقان والكراهية الذي تقع فيه الانتهاكات وصياغة سياق جديد من التسامح الوطني.

وفي كل الأحوال والظروف، نحن كحكومة نشعر بالمسؤولية تجاه كل عراقي. ضحية كان أم جانياً. لا نريد لأي عراقي أن يتورّط في أي جريمة ضد عراقي آخر. ليس قدر العراقيين أن يكونوا إما قاتل أو مقتول. نؤمن بأن لدينا الفرصة لإنقاذ الضحية من أن يكون ضحية، وإنقاذ الجاني من نفسه وظروفه ومصيره.

11- كحكومة عراقية منحنا تفويضاً لمحافظ الأنبار بجمع التبرعات لشراء السلاح للمتطوعين. وكقائد عام للقوات المسلحة كان لي شرف توزيع البنادق بنفسي على متطوعين شباب شجعان وأنقياء من الأنبار هم اليوم يتدربون للمشاركة في تحرير محافظتهم. كعراقي أنا فخور بهم وبأبائهم وأمهاتهم. ومن حق كل عراقي وعراقية أن يفخر بشعور العراقيين العالي بالانتماء لهذا الوطن والإيمان بأمة العراقية موحدة وقوية ومزدهرة، متصالحة مع نفسها ومع العالم، وعادلة مع أبنائها ومع الآخرين، أمة نعتز بها جميعاً ونطمح أن تتبوأ المكانة التي تليق بها بين الأمم.

12- نحترم التنوع الديني والمذهبي والإثني والفكري لمجتمعنا ونصون الخصوصيات الثقافية لكل العراقيين، لكننا نتعامل مع شعبنا ك"مواطنين" مندمجين لهم حقوق وواجبات دستورية لا ك"مكونات" متفرقة أو متناحرة من أجل السلطة أو المكاسب الشخصية والفئوية.

في المثقف اليوم