آراء

عراق الدولة ام المذهب؟

emad aliلماذا الشك في دولة العراق؟

الدولة لها مقوماتها وخصوصياتها وفق اطر قانونية ومعترفة بها، ولها على المواطن وعليها، لها سيادة لا يمكن خرقها في حالها الطبيعية وادواتها ومؤسساتها تعمل استنادا على الصلاحيات لجزئياتها من جهة وصلاحيات الخاصة بمركزها من جهة اخرى، اي؛ مؤسسة قانونية عامة، دوليا معززة بتاريخها وسلوكها وامكانياتها وثقلها ولها مكانة خاصة بها في العالم لا يمكن ان تساوي اخرى للخصائص الخاصة بها بذاتها فقط . فالدولة كيان، مؤسسة وشعب معا.

الم يتمتع العراق بما تدعي ؟

كان ولازال بعض من سماته راسخة لم تتزحزح رغم التغييرات والصعوبات والعراقيل امام ثباتها ومنها اصالة الشرائح الكثيرة في مكوناته واخلاقياتهم وصفاتهم التي وروثوها ابا عن الجد،هذا كشعب . الا ان الدولة لم تستقر في مكانها وتمايلت بتركيتبها وببناها الفوقي ومازالت تتسم بثبوت بناها التحتي بشكل بين دون ان تتعاصر من المستجدات العالمية العصرية مما ابعدها عن مواكبة التغييرات العالمية، رغم غزارة ثرواتها الطبيعية . اي لم يعد العراق دولة مؤسسات او ربما لا يمكن تسميته بالدولة بمعناها الكامل كيانا وقانونا، اي شعبا ومؤسسة .

لماذا الخروج بهذا الشكل عن الحال الطبيعي؟

انه لاسباب وعوامل عديدة، اختصارا؛ موقعه الاستراتيجي وغناه الفكري وتاريخه المليء بالمفاخر، مقابل طمع الطامعين في المنطقة اي الاقليم، مع العالم، به وبموقعه ومكانته واختلاف مكوناته المساعدة على نجاح الاخرين او مسهلة لتحقيق اهدافهم ومراميهم .

ما المنفذ لدخول الغرباء ونجاحهم في تحقيق ما يهدفون؟

عدم الانسجام جميع مكونات الشعب العراقي بالتراضي، ومسيرة الشعب دون قناعة تامة لكل الاطراف والمكونات،و ترابطهم او ربطهم بقوة فوقية غير مقنعة لذاتهم، اي؛ بالترهيب والترغيب منذ انبثاقه كدولة معترفة بها في المحافل والمنظمات الدولية الرسمية . رغم ادعاء المثاليين لغير ذلك الا ان الارضية لم تساعد على بناء دولة منسجمة من الشعب المتراصف والمتراصي كيانا وتركيبا .

لما وجود المنفذ هذا؟

انه التاريخ وموروثاته، وما موجود من النفاق وعدم الوفاق والمحطات الخطيرة التي نخرت عقول البسطاء وما يذكرها المتعصبين لمصالح ضيقة ليلا نهارا من اجل تنفيذ ما يؤمرون به، على خلاف ما يهم الشعب ومستقبله ومصالح مكوناته كافة .

ما اخطر مؤثر على بنيته الفكرية والتاريخية؟

الغزو والفتوحات الاسلامية وتصفية الخلافات المصلحية منذ صدر الاسلام على ساحته وارضه وهذا ما ابتلى به هذا الشعب الذي عاش بهناء وعلم ومعرفة وحضارة عريقة قبل مجيء الشر الى عقر داره .

لماذا تخطى نفوذ الاخرين عتبة بابه تاريخيا؟

طمع الاخرين بثرواته وامكانياته وموقعه وحتى قبل اكتشاف النفط، وصفاء اجواءه ومناخه واغراءات ما افاد به نهراه الخالدان في الوقت الذي كان لهما ما افاد من طمع بالعراق من الراس الى القدم . اصبح ملتقى الشعوب والاديان والمذاهب والطرق الدينية، فاصبح مرتعا لمن اجتهد لكسب ود جزء من الشعب كما اصبح قبلة المنظرين والعارفين بامور الدنيا والدين والمذهب والذي احتوى في زمانه على ما يمكن ان نعتبره فلسفة وعلم ومعرفة وما اغدقوا بنتاجاتهم العالم، وكان حقا مهدا للحضارات وسابقة لما اتت فيما بعد .

دعنا من الماضي، الان اين الدولة العراقية؟

انها لم تعد دولة بالمعنى الكامل للكلمة ومضمونها الحقيقي، انها دولة مشوهة شعبا ومؤسسة، .

كيف؟

الشعب مقسم ومختلف ومعارض لبعضه، والدولة غير موجودة من حيث السيادة والقانون والحفاظ على النفس . انها دولة الاخرين بتمثيل الذات، اي يحكمه غيره وينفذه ويضحي من اجل الاخر ابناءه باشكال وطرق مختلفة . الحاكم او يمكن ان نسميه السلطة الناقصة خارجيا وداخليا؟

ماذا يعني داخليا وخارجيا؟

السلطة في اي مكان هي ما تتسم به الجهة المخولة قانونا وامكانية واستحقاقا، اما هنا من يحكم هو المتنفذ ماوراء الستار سواء كانت له القوة والقدرة العقيدية او المصلحية . اي؛ لم تتحرك هذه الدولة دون استشارة عقيدية مذهبية داخليا واستشارة مصلحية وتوجيهية للوالي الخارجي، سواء كان بعيدا مؤثرا ام قريبا وحتى يتدخل منفٌذا .

و هل من مثيل له اليوم ام في التاريخ؟

اليوم ليس كمثله شيء . اي الوحيد الذي يحكم بهذا الشكل شكلا وتركيبا؛ سلطة وشعبا، قانونا وتطبيقا . اما تاريخيا، فيمكن ان نفكر في زمن اخذ الهنود وفرض عليهم سواء معيشتهم البائسة ام قوة محتليهم فرض عليهم ان يعيشوا كمرتزقة للقوى البريطانية واستخدموا في الحروب والمعارك التي دخلته بريطانيا عند استعمارها للدول، اما العراق فان شعبه يُستخدمون لتنفيذ اوامر الغير في داخله وهذا هو الفرق الوحيد بينه وبين هنود زمانهم . اي ما اقحم به شعبه من قبل الشعب نفسه ومن له القوة عليه لا ناقة له فيه ولا جمل، وانما تصفية لحسابات الاخر المعتدي البعيد والقريب والطامع لما فيه دون الاخذ بنظر الاعتبار مصلحة الشعب العراقي الذي يستحق الخير، ولكنه يُسرق في وضح النهار .

وكيف تمكٌن المصلحي من ذلك؟

انه الفوضى الذي يعيشه العراق من كافة النواحي، وهي التي ادت الى ترسيخ الارضية ليتدخل من هب ودب بسهولة تامة في شؤونه، لا بل من يتدخل وهوغريب ودخيل واصبح اصيلا في غفلة من الزمن والتاريخ المتقلب على نفسه .

ماهي العوامل والاسباب التي ذكرتها وافادت الاخر في نجاحه في مهامه المصلحية ؟

عوامل تركيبية وتكوينية شعبية ومؤسساتية، سواء من حيث المناطقي او الديني او المذهبي . اي الفروقات التحتية والفوقية عقلا وارضا من جهة . واستغلال الفوضى التي حدثت في برهة من الزمن بعد التغيير المفاجيء لاعتى دكتاتور وما استقدم ما حدث ما بعده من الامور الذي لم يتوقعها احد من جهة اخرى .

و اين اخطا الشعب العراقي ام المسبب هو الجديد غير المتكامل؟

لم يخطيء الشعب العراقي بمكوناته بمعنى الكلمة للخطا نتيجة اختلاف مكوناته عن البعض فكرا وكيانا اي توجها وايمانا . بل مسح الموجود من مقومات الدولة وفرت الارضية والعوامل التي ساعدت على مجيء الجديد الناقص وغير المنسجم تاريخيا مع العراق،و الذي كان من المفروض ان يواكب تقدما وتطورا مع ما يحصل في العالم، فمنعه الدكتاتور من قبل عن ابسط عوامل التطور وقيد العقول المبدعة للشعب لمصالح سياسية ضيقة وقحٌة، ابتدع فيها كل ما يمت بكتم الصوت وغلق العقل ومنع الحركة عنهم . وغير منهجه وفق ما تطلبت مصالحه وما ساهم على بقاءه على المنصة مهما بلغ الامر من افراز السلبيات وما علق العقل بالخرافات والتخلف، مرة باسم الاشتراكية المزيفة واخرى باسم حملة التدين واستغلال العقول البسيطة واشغالهم دون النظر الى المسالة الحقيقية وما منعهم عن التطور ومواكبة العالم . انه المانع الحقيقي لمسيرة العراق التاريخية، انه الدكتاتورية البغيضة التي قلب العراق على عقبه وضحى به الدكتاتور ارضا وتاريخا وحضارة وعلما ومعرفة من اجل شخصه الوحيد الغريب الاطوار فقط .

لماذا تحول الى دولة مذهبية اذا؟

ان الشعب في اساسه منقسم دون ان يعلن عن نفسه مهما ادعى البعض من الانسجام، واليوم اظهر على حقيقته رغم ما تفاعل واختلط بعض الشيء . فاليوم الشعب بذاته يجلد نفسه يوميا ويقاضي تاريخه الخاضع للدكتاتورية وهو لم يحرر نفسه الا بتدخل خارجي كبير . فان العقيدة والداخل الانساني المسيطر على النفس العراقي بكل مكوناتهم ادى الى حال اصبحت الساحة العراقي مرتعا ليعيش فيه بلامبالاة، فيتحول عقلا ومبدئا وينعكس ايمانه بما يؤمن على الحركة والتوجه لديه، اذا؛ المذهبية هي التي كانت الامر الناهي في نفسية الفرد والجماعة فاظهرت بنفسها وتفعل اليوم باصالة الفكر وليس بما غطي من قبل، هذه هي الحقيقة مهما ادعى المتمنون لغير هذا، وهم يحللون ويفسرون وفق عواطفهم دون الحقيقة وبعيجا عن الواقع ولم يقولوا ويكشفوا الصحيح ابدا .

و ما هو الحل؟

الحل يكمن في الحركة ومشاركة الجميع من جهة، والاعتراف بحقيقة ما موجود على الارض وفي العقل دون لف او دوران، او عدم قول شيء نابع عن التمنيات او الافكار المثالية التي تربت عليها اجيالنا السابقة منذ عقود . اي الواقعية في التحليل والتفكير والبيان والاعتراف والاعلان عن ما موجود كما هو .

و بعد؟

لو شخٌصنا وبيٌنا المشكلة، سيسهل الحل لحدما . اي لو اعترفنا بما عليه الاخر وما مصلحته دون تاثير القوي على الضعيف ودون اهدار في الحقوق او تناسيها، يمكن المصارحة واظهار الحلول الواقعية قانونيا واجتماعيا وفكرا وتوجيها صحيحا. ان ابعدنا المصالح التي تعرقل التوجه الخير الصحيح .

ماهي تلك المصالح ومن اين تفرض نفسها؟

انها نابعة من مصلحة الاخر الذي ليس له صلة بمصلحة الداخل من جهة، ومصلحة الداخل المرتبط بشكل وثيق بمصلحة الخارج من جهة اخرى، واما الذي يفرض الحل هو فك ربطهما اولا وبيان الفروقات الكبيرة بينهما على الارض ثانيا ومن ثم ايجاد الطريقة السهلة للحفاظ على المصالح الداخلية المشتركة وفق اي طريق او وسيلة تقتنع بها جميع المكونات بقناعة راسخة ودون ان تفرض رغما عن اي طرف منهم ثالثا. وبعد هذا، يمكن ان نقول انه الخطوة الاولى الصحيحة في مسار الحال المطلوب لحل المشكلة العراقية العويصة . وبه؛ ان اتفقت الاطراف على دولة العراق الاتحادي الموحد سيكون العراق عراق الدولة وليس عراق العرق والمذهب او عراق العرق لوحده او عراق المذهب لوحده .

 

في المثقف اليوم