آراء

الإرهاب وما يكتنفه من غموض الحالة التونسية

alarabi benhamadiإن الإرهاب لا يقتصر على مذهب بعينه أو دين بعينه أو نظام سياسي بعينه. فالإرهاب لا دين ولا جنس له. فهناك الإرهاب الفردي( كتب التاريخ تعج بعديد الامثلة) وهناك إرهاب المجموعات (مثل الألوية الحمراء المنسوبة لأقصى اليسار وتنظيم القاعدة المنسوب للإسلام)، كما أن هناك إرهاب الدول (يكفي الإشارة إلى فرق الموت الصهيونية العابرة للقارات والتي لا تفرق بين فدائي ورجل فكر فلسطيني).

لقد أصبح الإرهاب، بتونس، على كل لسان. لكن بقدر، ما يقع تداوله، بين الناس ومن خلال وسائل الإعلام، بقدر ما يزداد غموضا واستعصاء عن الفهم. فالإيقافات، في صفوف الإرهابيين المفترضين، تكاد تكون يومية، و الضحايا، في صفوف رجال الأمن والإرهابيين، أصبحت تعد بالعشرات، الأسلحة والذخيرة المحجوزة والمصادرة أصبحت تمثل ترسانات.

يحدث كل هذا، لكن لا احد يستطيع تحديد عدد الإرهابيين ولا مكان تواجدهم، كما لم تتح الفرصة للمواطن التونسي سماعهم والتعرف عليهم، من خلال وسائل الإعلام، ليقطع الشك باليقين... كما لم تُجر محاكمات، لمن طالت مدة إيقافهم، كقتلة السياسيين المرموقين، الشهيدين شكري بالعيد ومحمد الابراهمي... وبذلك، يتواصل هذا المسلسل الدرامي الذي مر عليه ما يزيد على أربع سنوات.

وما زاد الأمر غموضا على غموض، الطريقة المشبوهة، تارة، والتجارية، تارة أخرى، وفي كل الأحوال غير حرفية، التي تتوخاها بعض الصحف الصفراء الملونة وبعض وسائل الإعلام المُتَحَكّم فيها، في تناول هذا الملف المصيري.

لقد تغيرت الحكومات وتكونت، أخرى، على أنقاضها، لكن ملف الإرهاب، بقي قابعا في مكانه، لا يتحرك، رغم الوعود البراقة، من هذا الطرف أو ذاك. وحتى قانون الإرهاب، المزمع عرضه على مجلس نواب الشعب، هو محل مزايدات وحسابات سياسوية وفئوية منذ ما يقرب من سنه...لقد أصبح هذا الملف لغزا يصعب تفكيك رموزه وإدراك غاياته...

فهناك من يزعم إن الإرهاب هو نتيجة مباشرة لحكم الترويكا، بقيادة النهضة الإسلامية، التي فتحت البلاد على مصراعيها للدعاة المتطرفين والوهابيين القادمين، بالخصوص، من دول الخليج الغنية... بل هناك من يذهب إلى حد اتهام بعض من رموز النهضة بالتخابر مع المتطرفين، في فترات معينة. وهناك من يدعي أن رموزا من النظام القديم هم من يقفون وراء الإرهاب، حتى تُقبر العدالة الانتقالية وتذهب الى الجحيم ملفات الفساد و الفاسدين...وقد فاجأني، في هذا الصدد، فلاح بسيط وغير متعلم وغير متسيس، عندما تساءل عن إمكانية تورط أصهار الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، في الإرهاب، بعد أن حار، على ما يبدو، في أمره. وهناك من يعتقد أن الإرهاب هو من تدبير المخابرات الجزائرية... وعلى العكس من ذلك، من يرى، أن الإرهاب هو، في الأصل، أجندة، أُعِدّت، بالأساس، للقطر الجزائري(غالب قيادات المجموعات المسلحة بجبل الشعانبي التونسي، هم من أصل جزائري)، ليقع إلحاقه بسوريا، وليتم القضاء نهائيا على أي دولة عربية لها وزن يمكن أن يشكل خطرا على إسرائيل والمصالح الغربية، لكن توقف المد الإسلامي، خاصة بمصر وليبيا، حال دون ذلك. وأخيرا، لا آخرا، من يقول أن الغرب هو المُتَحكم في لعبة الإرهاب، ويتعامل معه، سلبا أو إيجابا، وفق مصالحه... إلى غير ذلك من الروايات البريئة أحيانا و المُبَطّنة أحيانا أخرى...

كل هذا ادخل البلبلة والشك في أذهان غالب التونسيين الذين أصبحوا يتشككون في بعض الروايات الرسمية وغير الرسمية التي تتناول موضوع الإرهاب.

ولا يقتصر الاختلاف، في تونس، على من يقف وراء الإرهاب، بل يتعدى ذلك إلى أسبابه... حيث، يذهب القوم مذاهب شتى، حسب الأهواء والميولات.... فمن يرى أن سبب الإرهاب هو النظام الدكتاتوري، ما قبل الثورة، الذي جفف منابع التدين وأشاع التهميش وقمع الفكر والثقافة ودمر النظام التعليمي... ومن الجهة الأخرى، من يُحَمّل حكم الترويكا المسؤولية، الذي أباحت البلد للتكفيريين والجمعيات والأموال المشبوهة الوافدة من خارج الحدود.

يبدو ان الفساد، بتونس، قد تفاقم، بعد الثورة، وتوزع وتسيب، بعد ان كان محصورا في فئة معينة، ما يعقد الأمور ويصبح البحث عن الحقيقة عملية شبه مستحيلة.

لكن لا يمنع ذلك من إبداء هذه الملاحظات:

أولا: لا اعتقد أن حركة النهضة مورطة مباشرة في الإرهاب، لكن هذا لا ينفي مسؤوليتها في سوء تقدير خطورة الحركات المتطرفة التي تمكنت تحت حكمها، حيث ضربت نسبة ما يسمى بالجهاديين التونسيين، بسوريا والعراق، الرقم القياسي العربي والعالمي.

ثانيا: هناك أطراف خارجية وداخلية سعت وستواصل إفشال التجربة التونسية لما تمثله من خطر على مصالح بعض الأفراد وبعض المجموعات وكذلك غالب الدول العربية وبعض القوى العظمى.

ثالثا:إن وزارة الداخلية التي تحمل إرثا قمعيا ثقيلا هي الأخ العدو للإرهاب وهما يتغذيان من بعضهما بعض ويخدمان أجندات ليس بالضرورة، موضوعيا، متناقضة.

رابعا: ان حل البوليس القمعي السياسي التونسي، بطريقة متسرعة وحماسية، من طرف وزير داخلية الباجي قائد السبسي، القاضي فرحات الراجحي، ترك جهاز الدولة في ظلام دامس، لان كل الأجهزة متداخلة بما في ذلك جهاز الاستعلامات.

ويبقى السؤال المحير: لماذا فشل السيد علي العريض الذي تقلد وزير داخلية ثم رئيس حكومة في إنارة الرأي العام حول موضوع الإرهاب؟ وهل سيفشل نداء تونس الذي خَوّن النهضة في انتشار الإرهاب، في رفع هذا التحدي؟

 

في المثقف اليوم