آراء

اردوغان بين نارين

emad aliلم يعد اردوغان كما عاهد مواليه بانه يوصل تركيا الى شاطيء الامان، وهو يعيش حائرا بين حل القضايا الشائكة الداخلية التي تعاني منه تركيا منذ عهود والتجانس المفروض بقوة العسكر بين المكونات التركية، الذي ليس الا جذوة خافتة تحت الهشيم وتحتاج لنسمة لتشتد اوارها، كما هي حال ايران والعراق ما قبل سقوط الدكتاتورية، وبين كيفية حصوله على الاكثرية لتغيير الدستور الذي غامر من اجله مسبقا .

هناك رقت واسع بين السلطة التركية المدنية والعسكر، لم يعد بقدرة اردوغان في هذه المرحلة ان يمد يدها اليهم نتيجة الانتخابات والاصوات التي يمكن ان يخسرها حزبه، ويواجه خطر عدم الحصول على الاصوات التي يمكن ان تخوله بسهوله لاعادة امجاد السلطنة من خلال النظام الرئاسي وتعديل الدستور وفق ما يتطلبه .

القضية الكوردية من اعقد ما يواجهه اردوغان نتيجة المواقف المختلفة التي حدثت ازائها وفرضت التقلبات التي تحدث في مواقفه ازائها بشكل واضح مما تؤثر بدورها على مصداقيته وابتعاد الشرائح والمكونات العديدة منه يوما بعد اخر، اضافة الى ما يلاقيه من المعارضين من القوميين المتعصبين والخاسرين من خفوت العلمانية والقوى العسكرية . ليس بمقدور اردوغان او النظام التركي بشكل عام ان يغطي القضية الكوردية دون جهد ولن يستطيع ان يعيد الكرة وليس بمكان ان يقف وسط الطريق دون مسير او رجعة . نتيجة العوامل الداخلية والخارجية التي ساهمت على بروز القضية عالميا وما تاثرت به تركيا نتيجة ما يحدث في سوريا واقليم كوردستان العراق منذ سقوط الدكتاتورية العراقية، وتزايد ثقل الكورد وبروز قضيتهم التي هُمشت طوال العقود الطويلة . يحاول حزب العادالة والتنمية التريث او تاجيل ما بداه من التعامل مع القضية الكوردية وفق ما استفاد منه طوال السنين السابقة كحزب او كسلطة والنظام الذي لازال في طور لم يحسم امره قاطعا حول وجهته الاستراتيجية، رغم محاولات اردوغان اعادة هيبة السلطنة العثمانية في تركيا والاقليم لمصالح حزبية وشخصية قبل البلد بذاتها .

يحاول اوجلان جاهدا عدم تداعي عملية السلام الهشة وهو يعتقد بان الديموقراطية وعملية سلام مهما طالت ستنجز اكثر مما تفرضه الحرب، وستثمر باسهل طريقة دون ضحايا، وهو يتكلم من خلفية اانسانية كما يلمسها العالم من خلال تربية افراد الحزب العمال الكوردستاني بتوجيهاته وفلسفته وما يوضحوه من التربية المثالية والعصامية باخلاقهم وسلوكهم مع الناس والاحياء والبيئة كما تعهدوا وتربوا عليه في حزبهم الذي يحمل السلاح بيد والزهرة باخرى .

الان وتعيش تركيا في جو الانتخابات المصيرية الحاسمة في تاريخها، نتيجة دخول حزب الشعب الديموقراطي كحزب في الانتخابات لاول مرة ويحاول اجتياز النسبة المقررة لدخول اي حزب الى البرلمان، ومحاولة اردوغان كسب اصوات الكورد والمكونات الاخرى الى جانبه ليجتاز النسبة التي يحتاجها لتغيير الدستور وفق ما يهدفه، الا انه من المنتظر ان يفقد حزب العدالة وا لتنمية بعض من الاصوات السابقة المترددة من الليبراليين وا ليساريين لصالح حزب الشعب الديموقراطي لايمانهم بانه اقرب الى تحقيق اهدافهم اكثر من مَن يريد اعادة امجاد السلطنة باسس اسلامية بعيدة عن العلمانية والحرية والديموقراطية . لذا، لا يمكن الا ان نحتسب للمفاجئات في الانتخابات المقبلة بسبب ما اتخذه اردوغان من الخطوات وتراجع عنها، وتعامل تكتيكيا مع القضايا المصيرية، ونعتقد ان ينتقم منه الشعب من خلال صناديق الاقتراع، ورغم ضغوطه على مراكز البحوث والاستفتاءات لمنع ابراز النتائج التي تزيد من القلق في اذهان قياداته، الا النتائج القريبة من الحقيقة والتي تعلنها المراكز المستقلة ليست لصالح حزب اردوغان، وان ابتعد اردوغان عنالحزب مرغما وفق بنود الدستور التي تفرض ان يكون الرئيس مستقلا وبصلاحيات تشريفية بعض الشيء الا ان هدفه الوحيد الذي لا يمكن ان ينجح في تحقيق ما ينوي الا من خلاله هو حصول حزبه على الاصوات المطلوبة . ولم يدخل اردوغان الصراع على كرسي الرئاسة ليتحول من رئيس وزراء واسع الصلاحية الى رئيس محددة الصلاحية الا ليحصل على الاصوات التي تخول حزبه على تعديل البنود بصلاحيات الرئيس، وهذا ما يعلمه القوى الليبرالية والعلمانية وبعض من العسكر ايضا، وهم يحاولون بقصارى جهدم عدم تحقيق هذا الهدف، وهذا يقع لصالح حزب الشعب الديموقراطي الذي يكون الحزب الاقرب لمنع حصول ذلك وفق كل التوجهات والتوقعات الموجودة .

و عليه، نجد خلال هذه الفترة ومن خلال الترويجات الانتخابية والعديد من الحركات التي تريد ان تضلل الراي العام وتغطي العيون المبصرة لما يجري من خلال التاجيج مع الكورد او الضغوط على اليساريين وافتعال ما يمهد الى الفات النظر عن كل ما يمكن ان يؤثر على حزب العدالة وا لتنمية في العملية الحاسمة في تاريخه التي دخلها مغامرا واعتبره حدا فاصلا لاخراج تركيا من الواقع والحالة التي فرضت عليها الانتظار طويلا لدخول الاتحاد الاوربي وياست منه ولم يحصل .

بعد صعود ثقل ونفوذ الكورد نتيجة ما يحصل اقليميا، يريد اردوغان ان يقضم ما يتمكن منهم بتكتيكات وحركات يمكن ان يستفيد منها على صعد عدة، منها تقوية موقفه بالتنصل من عملية السلام التي بداها مؤقتا وتاجيل ما يفرضه الواقع الحزبي والحكومي لما بعد الانتخابات المقبلة، ولكن لا يمكنه ذلك بعد ان خرجت القضية من القمقم، وتقوى البعبع الذي لف حول عنقه، نتيجة تواصل القوى الكوردية عالميا مما فرض حصانة كبيرة حولهم وقوى من مكانتهم . وكوباني خير ما افاد الكورد في كوردستان الكبرى في الدول التي انقسم عليهم وتركيا قبل الجميع، وهذا ما يفرض ان يفكر اردوغان وحزبه الف مرة قبل ان يتخذ اية خطوة تجاههم، والمواقف التي يبرزها ليس الا تكتيكات ما قبل الانتخابات . والواقع يفرض نفسه عليه كي يتواصل في التفاوض لحل القضية الكوردية مهما تنصل منها . وعليه، يمكن ان نقول ان اردوغان في هذه المرحلة حائر ومعلق بين نيران عديدة لابد ان يفكر جديا وبعقلانية كي يخرج مما هو فيه باقل الخسائر .

في المثقف اليوم