آراء

كيف تتدخل امريكا في العالم من خلال التنمية البشرية؟

emad aliمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعد صعود نفوذ امريكا وبروز اهميتها العالمية، وهي تحاول ان تتدخل في شؤون العالم بما يفيدها، وتصر على ان تكون القوة الوحيدة التي تسيطر على العالم بما تمتلكه من المقومات لحد هذه الساعة . وسواء كان للتضليل او للمصلحة المتبادلة انها تدعي بان بناء العالم هو مسؤليتها كما تعتبر نفسها القوة العظمى الاوحد لتحقيق ما يفيد الناس بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفرادها في المهام التي بذلت كل الجهود من اجل ازاحة منافستها وتمكنت منها باي شكل كان .

تعتبر امريكا البناء بجيمع اشكالها هو مسالة حاسمة لتبعية الشعوب لها بشرط ان تكون تنميتها وفق شروط فكرية فلسفية خاصة بها وتكون مبنية على المبادي والاسس الراسمالية كاهم المعايير لتنمية اي شعب يهمها، وهي لم تدخر جهدا في السيطرة السياسية على اي بلد تريد ان تتدخل فيه من منفذ التنمية البشرية وبناء الشعب المقصود على اسسها ومعاييرها الخاصة .

قبل انهيار الاتحاد السوفيتي كان لامريكا الدور الرئيسي في اعادة بناء المانيا الغربية واليابان عبر عملية طويلة عريضة استخدمت فيها المساعدات الامريكية كاساس لكيفية بناء هاتين الدولتين وتدخلت فيهما بشكل مباشر، وكانت الظروف الخاصة التي مرتا بها من بعد سقوطهما في الحرب فرضت تقبلهما لما تمليه امريكا عليهما، واستفادتا من تلك المساعدات حقا من جوانب متعددة الا انهما فدقتا استقلاليتهما وسيادتهما لفترة طويلة واصبحتا تحت رحمة امريكا لمدة ليست بقليلة .

اعتبرت امريكا معدل الدخل الوطني معيار نموذجي لقياس مدى التنمية البشرية ومرحلة البنيان التي قصدتها في كلتا البلدين، كما اعادت التجربة في دول ومواقع اخرى في العالم وخاصة اثناء الحرب الباردة وهي مستمرة لحد الان .

اعتبرت امريكا الديموقراطية والانتخابات العامة ومعدل دخل الفرد مقياس لمستوى تقدم البلد، ولم تقصر في تدخلها عن طريق التحولات السياسية التي اجريت في دول عدة من خلال المؤثرات الاقتصادية من جهة والضغوطات السياسية وحتى العسكرية من جهة اخرى، وضغطت كثيرا على حكر السياسة والفكر في تلك البلدان على الاسس الراسمالية والالتزام بالثقافة والاقتصاد الغربي وما اعتبرته الاقتصاديات المتقدمة وفقا للمباديء الراسمالية التي تؤمن بها .

و كانت غافلة عن ان جذور الديموقراطية لا يمكن ان تمتد في الحالات التي تفتقر لارضية مناسبة لتطبيق الديموقراطية كوسيلة او يعتبرها البعض الفكر ومنهم الليبراليين في العملية السياسية في اي بلد. ولكن غفلوا ايضا ان البناء الاقتصادي والتحولات السياسية مرادفان ولا يمكن فصلهما ، غير ان امريكا كانت تهدف الى تحقيق ما تريد دون تكليف او صرف امكانية مطلوبة لتحقيق اهدافها. وانها فرضت الكثير من الافعال والاعمال المكلفة على المتحالفين معها من الدول الميسورة وخضعوا لها نتيجة المصالح المشتركة وان ساعدت هي هنا وهناك ما فرضت عليها مجبرا ان تعطي احيانا . ما اهدفته من الديموقراطية هو امكانية السيطرة عليها بداية وان كانت الدولة المقصودة هشة سياسيا وغير مستقرة او لم تصل للرخاء الاقتصادي او تسير في تعرجات وخانقة في ازمات متعددة. انها اعتقدت من جانب اخر بان التجانس ليس بشرط لتطبيق الديموقراطية ، لا بل اعتبرت ان الديموقراطية هي الجامعة للاختلافات وفارضة للتوحد والتوجه الذي كانت تقصده، ولكن هذا ما بان فشله في العديد من الدول المتعددة المكونات وغير المنسجمة، واثبت الواقع ان التجانس هي اهم صفة مساعدة في تطبيق الديموقراطية ومبادئها .

وجدت امريكا او ابتدعت حجج عديدة في كثير من الدول من اجل تدخلها فيهم للهدف الخاص هذا، اي ايجاد وتطبيق نظام سياسي موالي فكرا وفلسفة مستندا على الديموقراطية كاهم وسيلة لديمومة تبعيتها والتشجيع على الالتزام بها على حساب ما يفيد الانسانية معيشة والمباديء الاساسية للانسانية فكرا وفلسفة في كثير من المواقع، وبانت مدى اصرار امريكا على مصالحها الخاصة والضغط على تحقيق ما تريد من خلال شروط ما ابتدعتها من خلال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وشروط الديون والخضوع لما تفرض على الدول المتعاملة معها من الالتزامات الاقتصادية والسياسية. نجد انها وصلت الحال لتفرض حروبا بحجج واهية وان فشلت في كثير منها، وتاكدت من خلال حروبها بانه كلما كانت النصر العسكري اسرع واقل دموية واقل كلفة عليه يصبح ايجاد الاستقرار في فترة مابعد الحرب اكثر صعوبة ويكلفها اكثر من ان تكون الحروب طويلة الامد، وهذاما يءدي الى ان يكون مصير الدولة المعنية غير معلوم من كافة النواحي وبالاخص ما تريده امريكا اقتصاديا وسياسيا .

اليوم نجد نشاطات امريكا المتعددة ومن خلال المنظمات المدنية التابعة اصلا لها كفكر وهدف بعد ايجاد فرصة لتواجدها وان كانت بعد حروب ودمار، فاصبحت في حيرة من امرها، لذا؛ تحاول ان تطبق ما تريده من خلال التنمية البشرية المبنية على اسس راسمالية غربية بعدما وجدت نفسها بعيدة عن تطبيق ما تؤمن من خلال الضغوطات المتعددة ودخولها الحرب في العديد من الدول في انحاء العالم، واهم ما تهدف هو تجسيد الراسمالية وفرضها باي شكل كان على العالم، وبالتالي انها تعتقد هذا ما يفرض سيطرتها كقطب اوحد في العالم دون منازع، فهل تنجح؟

ان المعدلات الطبيعية للتطور البشري والانتقال من المراحل لاخرى والتي اثبتت علميا منذ بداء الخليقة، تدلنا على ان التطور مستمر ولن يتوقف في مرحلة وسطية كما تدعي امريكا وتدعي حال الراسمالية هي النهاية، الا ان هذه هي التي تتبعه مراحل متسلسلة لتنتقل الى مراحل تتصف وتحوي مقومات اكثر ملائمة للانسانية والفكر التقدمي وما يقع لخير البشرية، وان امتدت امريكا ووضعت يدها على العالم لمرحلة معينة بما تعمل من منافذ متعددة، فانها مرحلة انتقالية لا يمكن ان تقف امام انتقالها الى ما بعدها مهما حاولت واجتهدت اقتصاديا او ثقافيا، ولم نصل الى نهاية التاريخ مادامت الانسانية وما يهم البشرية ومصالحها فوق اي اعتبار اخر، وهذا ما تصل اليه الشعوب في المرحلة المقبلة وتصبح الراسمالية من التاريخ .

في المثقف اليوم