آراء

هل سيُعاد زمن الامبراطوريات في الشرق الاوسط؟

emad aliكانت هذه المنطقة مهد الحضارات ومصدر الامبراطوريات ومرتع لكل ذاهب وآت، وكما سجله التاريخ ارض خصبة من جميع الجهات وانبتت العلوم والفلسفات، واستفاد منها الشرق والغرب لمراحل متعددة من سنين مضت سواء كانت لهو ولعب وخيرات ام قحط ومتعجرفات .

ما يمكن ان يُعاد الى الاذهان بعض المراحل الخاصة من زمن الامبراطوريات وسيطرة احداها على المنطقة بشكل نسبي وضعف الاخرى، ولكن منذ الفتوحات الاسلامية وغزو المنطقة والتغييرات التي حصلت في ديموغرافية المنطقة وتركيبتها، ولم تسترح من الصراعات التي انتهت في نتيجة مرحلية لبعضها لترجيح كفة طرف على حساب الاخر . من الناحية الفكرية الفلسفية لم تخرج اي منها من الاطار المحدد للاسلام دينا وفكرا وفسلفة ومحتوى بعد ضعف المسيحية وما كانت عليه، ولم ينجح اي طرف مهما كانت قوته في السيطرة بعيدا عن الوسيلة البسيطة ومقنعة وهو المباديء الاسلامية ليستند عليها من اجل فرض ما لمصلحته على الخير، والجميع يخضع لمدة معينة ومن ثم تبدا التذمر والاحتجاج نتيجة انعدام العدالة في مضمون الفكر والفلسفة الانسانية للنهج الاسلامي حكما وقانونا وعاداة وتقاليدا. اي المنتصر هو الغالب على الواقع وما فيه وتنتشي الخاصة وتعيش حياة هانئة برفاه وسعادة على حساب العامة في كل الاحوال وباسم الرب والطريقة التي اتخذوها لتكون لصالحهم حكما وسيطرة .

الامبراطورية الفارسية الساسانية لم تقصر في الامتداد قبل الاسلام ومن خلاله وبعده واخضعت المنطقة ووصلت الى اقاصي البقاع غربا وتمتعت بقدرة هائلة في اجتياح ما ارادت الوصول اليها ونازعت الرومان وسيطرت على هذه المنطقة دون منازع، ولازال الفرس يفتخرون بتلك المرحلة ويعتبرونها المرحلة الذهبية التي افيدوا فيها بعلمهم وعلمائهم وفلاسفتهم العالم اجمع، وزرعت تلك المرحلة الغرور والتفاخر والتكبر في كيانهم لحد هذه الساعة، ولا يعترفون باحد مهما كان علمه وغزارة نتاجاته وينسبون كل علم ومعرفة لهم، قومية واعتقادا ودينا ومذهبا . اما المبراطورية العثمانية وهي على غرار الفارسية اصبحت لها مرحلة امتدت ومدت هذه الامبراطورية المتخلفة مقارنة باخرى في جبروتها شرقا وغربا، الا انها لم تتمكن من الوصول الى عقر دار الامبراطورية الفارسية مهما حاولت، وانتهت محاولاتهم عند معركة جالديران وتوزعت المنطقة عليهما وسحقت الاقوام الاخرى بين ارجلهم ، واصبحوا من خلال الغزوات والتعديات التي حدثت تحت طائل امتداداتهم على ما يعتبرونه اليوم البعد التاريخي العالمي لمفخرتهم الامبراطورية .

اليوم، هناك نظرتان فوقيتان وقوتان تفتخران بماضيهما، ويعتبر كل منهما نفسه المحق في ادارة المنطقة وكما يعتبرانه لخير شعوب المنطقة بما يمتلكان من الفكر والفلسفة والعقلية التي تفيد الجميع كما يزعمون، اضافة الى التشدد والقمع والاستبداد البارز من الاسلام السياسي الذي يعتبر نفسه من له الحق في تطبيق ما حكم به الاسلاف عقلا وفكرا وحكما . اي برزت امبراطورية ثالثة تنافس الاثنتين الاخريتين في المنطقة وكل منهم يستند عل التطرف السني والشيعي والسلفي معلقين بالاسلام شكلا من اجل السلطنة حقيقة ووواقعا . انهم يريدون ان يبنوا ما في خلدهم على اشلاء الباقين وعلى حساب حياة الناس وحريتهم ومصالحهم .

ان كانت هناك من العقول النيرة التي نتجت الكثير من العلوم والفنون في زمن الامبراطوريات التي ذكرناها وافادوا الشرق والغرب بثمرة عقولهم وايديهم، الا ان اليوم تعيش المنطقة في قعر المستوى العلمي والثقافي العالمي، ولم يزد بروز فكر الامبراطوريات الا الافتخار بالماضي والعودة الى السلف في وضع تغيرت فيه الحياة وهي في تغيير مستمر سريع لم تتمكن اية امبراطورية سلفية ان تصل اليه بما موجود في الشرق من الامكانيات المعدومة اصلا .

اليوم الراسمالية العالمية لها ايدي طولى في كل بقاع العالم وفق ما تفيدها لتبقى متفوقة فارضة لما تريد دون عرقلة من احد، فان حدود تعاملها مع ما يجري في المنطقة لا يخرج من درجة المصالح التي يكتسبونها من وجودهم وبقاء مثل تلك الافكار . اي ربما لم يتحركوا ساكنين في ما تريده القوى المتخيلة في اعادة امجادها لفترة او لحين تخطيهم حدود المصالح العالمية الراسمالية، واذا ما امتدت هذه العقليات من ارجلها خارج المرسوم لها من الراسمالية العالمية فسوف تلقى ما لا تفكر فيه اليوم . واما النهاية لن تكون دائما لصالح المخطط الهادف لمصالح ضيقة، لان الانسانية هي الهدف الطبيعي العفوي للانسان وسوف يصل اليه الجميع رغما عن مخططات المصلحيين . فالمراحل متنقلة وتتقدم الحياة ولا يمكن ان تعاد ما يفتخر بها احد ما من الامجاد التي هي اصلا على حساب الاخرين بعيدا عن العدالة والمساواة . فلا يمكن ان يُعاد زمن الامبراطوريات التي مر وفقدت المنطقة الارضية التي يمكن ان تنمو فيها اي منهم في عالم اليوم المتسم بالعلمية والسرعة والتقدم الذي خلف وراءه الكثير من المناطق التي كانت حتى الامس موطنا للفلسفة والعلوم والمعرفة .

 

في المثقف اليوم