آراء

ليس محافظا ولا ديقراطيا / إحسان داغي

saleh alrazukادعى حزب العدالة و التنمية AKP الحاكم، في سنواته الأولى في الحكومة، أنه حزب محافظ وديمقراطي. في بعض الأوقات كان يتصرف بهذه الطريقة، مبينا أنه بمقدور حزب إسلامي وإصلاحي أن يخفف من نبرة الإيديولوجيا ويتبنى الديمقراطية كشكل من أشكال الحكم والإدارة.

وتابع مخاطبة وجذب الجمهور برموز وخطاب من الدين، ولكنه تخلى عن الإسلاموية ولم يوظفها في برنامجه الشامل لقيادة الدولة والمجتمع. وخلال حكم AKP أصبح الإسلام أوضح وتمتعت المجالات الإسلامية بحرية فائقة وازدهرت بعد سنوات من العلمانية التي تسلطت على كل شيء. لقد لعب AKP دور المحامي لرؤية اجتماعية محافظة تضمنت الاعتدال وتشجيع بناء الأسرة والتكافل الاجتماعي وتمجيد التاريخ والحد من تداول الكحول، إلخ..

ولكن مؤخرا، أصبح الحزب الحاكم أكثر ثقة بالنفس وعمد للبحث عن أجندا اجتماعية متماسكة، وفرض قيمه على جهاز الدولة ليرضي الجذور الدينية لمؤيديه وليعترض طريق معارضيه العلمانيين. وانتقل بذلك إلى شكل جديد من الهندسة الاجتماعية وخلق " مجتمع جديد" و" تربية جيل متدين"، وقد ذهب ذلك خلف الخطوط المسموح بها لأجندا السياسة " المحافظة".

وإن " القيم المحافظة" قد أصبحت موضع المساءلة على نحو مضطرد، ولا سيما ما يخص الفساد المتفشي الذي شمل موظفين حكوميين كبارا وعائلاتهم. ومحاولات الحكومة للتستر على الاتهام بالفساد وإيقاف التحقيقات أضاف المزيد من الشبهات حول القيم الأخلاقية المعلن عنها والتي يزعم الحزب الحاكم أنه ممثلها الحقيقي. إنه من الصعب تبرير نظام الفساد وغسيل الأموال مهما كانت أخلاقك ومواقفك. وتكرار الأكاذيب التي يطلقها المسؤولون في الحكومة، وميكانيزم الإعلام الحكومي الذي ينشر البروباغاندا السوداء ويغطي على حالات تدخل فيها أردوغان نفسه كما نرى ونسمع في منافذ الإعلام اليومية قد ساهم في تعرية الصورة الأخلاقية التي رسمها لنفسه حزب AKP " المحافظ".

وعلاوة على ذلك، إن AKP قلل من أهمية التنظيمات والجماعات الإسلامية. لقد أراد أن يؤسس نموذجا يتحكم بنشاطات وشبكات عمل الإسلاميين، محاولا جهده أن يختزلهم في مشيئته و أفضلياته. كانت الجماعات الإسلامية في بعض الأوقات قوة اجتماعية ذات تأثير ولكنها أصبحت تحت سيطرة الحكومة مقابل المنح والهبات والمكاتب الرسمية. وفي هذه العلاقة الوطنية تم تفريغ السيادة والاكتفاء الذاتي من معناه. وأصبح ضرر الاعتماد على الحكومة، على المدى الطويل، ملحوظا فقد جعل المهمة صعبة أمام التنظيمات والجماعات الإسلامية لتعيش وتحتمل عواقب ما بعد وصول AKP إلى سدة السلطة.

في هذا السياق، تعرضت الجماعة الإسلامية، حركة Hizmet ( الخدمة) التي عارضت سيادة الحكومة مؤخرا لضغوط مرعبة. ووصلت الحملات الإعلامية واتهامات و تصريحات رئيس الوزراء عن قائد الحركة إلى مستوى غير مسبوق في تركيا. وأرشفة نشاطات وسجلات مؤيدي حركة Gülen* وإزاحتهم من المناصب الحكومية التي تقلدوها وتعويم سياسة الأمر الواقع، والهجوم على مؤسساتها المالية واتهامهم بخدمة مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، لم يسبق أن تعرضت الحركات الإسلامية لمثله في الماضي.

لقد تعرضت نشاطات الجماعات الإسلامية للهجوم نتيجة محاولات الحكومة السيطرة عليها جميعا. وهذا وضع شروطا مسبقة لحكومات مستقبلية تشبه بجمودها و تعنتها الأجندا العلمانية. ولو أن تركيا ستمر مجددا بمحنة النظام الشمولي ، ستواجه كل الجماعات الإسلامية و شبكات نشاطاتها سياسات قمعية ستنجم حتما عن سياسات و خطاب " الحكومة المحافظة" الراهنة.

بوجيز العبارة، من الصعب أن تعتبر AKP حزبا محافظا بعد الآن. فخطابه وسياساته ومنهجه وجماهيره الضاربة على ما يبدو تنحو نحو المزيد من الراديكالية والتمسك بالأطروحة، كما أنها مصممة على توظيف أجهزة الدولة لإملاءات ذات دور تسلط ديني، وهذه الشمولية تبررها وتضفي عليها العمق الشعبي مرجعيات إسلامية محدودة.

إن الحزب الحاكم قد استهلك كل صفاته الديمقراطية. مع كل قانون جديد وكل تشريع يقره البرلمان وتتبناه الحكومة تبتعد تركيا خطوة عن الديمقراطية. ومن فترة طويلة، تخلى الحزب الحاكم عن اهتمامه بالقشور الديمقراطية واحترام دور القانون.

إن النظام الذي يحرص حزب AKP الحاكم على ترسيخه لا علاقة له بالديمقراطية، ولا حقوق الإنسان، ولا دور القانون. وأردوغان مجرد نظام متسلط تبرره وتضيف له لمسات شعبوية بعض الرموز المستقاة من الدين والتي يحركها ويلعب بها حزبه، العدالة والتنمية.

ومسيرة آذار المخصصة للانتخابات المحلية هي آخر منفذ خلاص لتركيا قبل الدخول في عصر طويل أسود وقاتم يهيمن عليه أردوغان الذي لا يفهم معنى الديمقراطية ولا روح وجوهر المحافظة.

 

*نسبة إلى محمد فتح الله غولين السياسي ورجل الدين الذي أنشأ حركة تعرف باسمه. وهو حاليا في المنفى في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

إحسان داغي Ihsan Dagi : أستاذ العلوم السياسية في جامعة أنقرة للتكنولوجيا. من مؤلفاته ( تركيا بين العسكرة والديمقراطية).

 

الترجمة من ملحق الأحد لجريدة زمان. عدد ٢٣ شباط ٢٠١٤

في المثقف اليوم