آراء

ماذا تقصد امريكا من مشروع قرارها حول تسليح مكونات العراق؟

emad aliلا خلاف على ان هناك مراكز تخطيط واسترشادات هائلة في امريكا لرسم سياساتها وتنفيذ ما تهمها في العالم، الا ان الحزبين الديموقراطي والجمهوري لهما لمسات مختلفة في دبلوماسيتهما وكيفية التعامل مع القضايا المختلفة في العالم، الا ان كل مؤشر او تسليط الضوء على موضوع ما لم يخرج للملا الا عند طبخه بشكل كامل وبيان جوانبه السلبية والاايجابية منه وما يهم امريكا فكرا وفلسفة قبل كل شيء مهما ادعى طرف ما فيها لمعارضته على ما يبدر، وفي كل خطوة يوضح نظرتها الى العالم بشكل كامل وتحتاج قراءتها من قبل الاخرين الى جهد وتمعن ودراية بما تقوم به امريكا وكيف تدير سياساتها العالمية .

في هذه الاونة والعراق يعيش في ازمة داعش وعدم التوافق الداخلي والصراعات المتعددة بين المكونات وتعمق الخلافات يوما بعد اخر، وبعد مشروع بايدن الذي لم يتواصل ولم يمتد لحد باب السياسة الخارجية الامريكية بشكل فعلي ولم تحاول امريكا جهدها في التعامل معه، صدر بالامس مشروع قرار ضمن ميزانية وزارة الدفاع الامريكية وليس مشروعا مستقلا بذاته في مجلس النواب الامريكي حول تعامل مع الكورد والسنة كدولتين من ناحية التسليح المباشر لهم من قبل امريكا .

واعترض من اعترض وافتعل ضجة لنظرته الضيقة الى ما في العراق من باب حركته وحزبه وخلفيته الضيقة، وممن ربما تُضرب مصالحه او من يؤمن بوحدة العراق لاجل فكر وايديولوجيا ضيقة بعيدة اصلا عن ما يهم الشعب والانسانية التي تفرض ما يهم الانسان هو اولى من اكبر وطن الذي يمكن ان يضحى به من اجل قطرة دم يسفك غدرا، ورغم عدم الامكان باستقرار هذا البلد منذ انبثاقه ومهما طال بهم الزمن وحاولوا تهدئة خواطر المعارضين على سياسة البلد واواضاعه البائسة رغم التغييرات التي حصلت فان الفوضى والقلق هو نصيب الشعب .

تدور في خلد الكثير منا افكار ومنها، لماذا ابراز هذا البند الى العلن واصبح موضوع الساعة في اعلام العالم دون غيره في الوقت الذي كان بالامكان امراره دون ضجة، ولماذا في وقت المناقشة والتصويت وليس قبله، وكما هو المعلوم ان المشروع يُعد قبل مدة من مناقشته بمدة ليست قليلة .

المشروع يمكن ان يمرر في لجنة مجلس النواب الخارجية بسلام ولكن هناك خطوات طويلة اخرى ولا يمكن ان يمر بنصه الحالي في البند هذا في ظل حكم الديموقراطيين، وما يفعله اوباما من التعامل مع الواقع دون ضجة او خطوات مستفزة للبعض وهو في مرحلة التفاوض مع ايران وهي يهمها ما يجري في العراق . ويركز اوباما كل ما يملكه على نجاح اتفاقيته مع ايران مهما بلغ الامر . الا ان الاكثرية الجمهورية في ملجس النواب يدفع بقبول المشروع وهذا بحد ذاته خطوة اولى لما تنويه امريكا منذ انبثاق مشروع بايدن وما تترسخ من ارضية خصبة ملائمة لتنفيذه، وكما وصلت الحال اليوم لقبوله من قبل مكونين اساسيين وهما الكورد والسنة على حد سواء، وهو ما يخصهم ويرفضه المكون الشيعي الذي بيده زمام الامور في السلطة العراقية التي لم تهدا منذ سقوط الدكتاتورية، ومن الطبيعي ان يرفضه هذا المكون الذي بيده العراق كما فعل السنة خاطئين بعد سقوط صدام ورفضوا المشاركة في العملية السياسية، واليوم يمكن ان يعيد المكون الشيعي الخطا ذاته ويستمر الحال في اللااستقرار والفوضى والصراع الدموي الى ما لا نهاية ولم يستفد منه الا المتدخلين المصلحيين الخارجيين .

ان ما في العراق ومواقف من يهمه الامر من الاختلاف الكبير، نرى سكوت السنة والكورد وهذا علامة الرضا وبعض الاصوات المؤيدة العلنية، والرفض الشيعي القاطع حكومة واكثرية الاحزاب وقوى مستاثرة بالسلطة والتوابع، وهذا نابع من مصلحتهم الطائفية الضيقة وليس حرصا على وحدة العراق وسيادته كما يدعون والا هم من رسموا مستقبل العراق من خلال دستوره المعترف بالاتحادية المبنية على الافدرالية مهما كانت شكلها ونوعها .

كانت هناك فرص كثيرة سنحت لتطبيق الفدرالية الحقيقية على الارض ووفق الدستور وبما يرضى به الجميع دون استثناء وكما هي مرسومة وواقعية وتمنع الحساسيات والاحتكاكات التاريخية الموجودة التي غطت احيانا وبرزت في اخرى ، وترضي به كافة المكونات وتوزع الصلاحيات والسلطات على المكونات الثلاث الرئيسية في العراق الا ان المكونين السني والشيعي وكل منهما في الوقت الذي يعتقد انه المسيطر ويمكنه ان يحكم العراق وفق مزاجه يرفض اي مقترح يساوي به الحقوق والواجبات ويرضى به الجميع ويعيد كل منهما الخطا ذاته في كل مرة. وعليه لا يمكن ان يستقر العراق دون الفدرالية الحقيقية ومن حكم هذه المكونات لانفسهم بما يرضون دون اي استعلاء لاي طرف على الاخر وبه يمكن الاتحاد الطوعي دون اغتصاب لحقوق او فرض او جبر من احد على احد .

ان كانت نية امريكا فيما تذهب اليه صادقة ومخلصة لا نحن ان ندعيها مهما فعلت، وهذا كلام اخر لانها تفضل تحقيق مصالحها قبل اي شيء، ولكن ان اتاك الخير حتى من عدوك لماذا ترفضه، وعليه لم يبق العراق على حاله مهما طال الزمن والافضل ان يتم ما يؤمن به الجميع دون استثناء، ولا يمكن ادارة هذا البلد عاطفيا او وفق ايديولوجيات خيالية سار عليه العراق بقوة السلاح والدكتاتورية بعيدا عن الحرية والاختيار الذاتي للمكونات . في عهد العراق الملكي والجمهوري وحتى ابغضه في زمن الدكتاتورية، كان الشيعة والكورد هم المغبونين والمظلومين والمغدورين من كافة النواحي، واليوم يرى الجميع ان الشيعة هم المسيطرون والمغبون هو الكورد والسنة ولا يمكنهم ان يسكتوا على ما هم عليه كما نراه على الارض .و ان رفض طرف الحل الملائم سوف يندم بنفسه عند مجيء ما لا ينفعه كما فعل السنة بالامس وربما غدا الشيعة ايضا ان رفضوا اي حل يقتنع به الجميع .

ان كنا صريحين جدا، فلا يمكن للمكونات الثلاثة ان يتواصلوا على ما هم عليه من انعدام الثقة والاحساس بالغبن مهما كانت السلطة المركزية قوية وجبارة، ويستديم القلق والاضطرابات المستمرة الى ان يقتنع الجميع بان الحكم الذاتي للمكونات الثلاث هو الحل الامثل في الوقت المناسب وا ن لم ينجحوا اليوم، لاسباب عديدة ومنها؛ المستوى الثقافي والوعي العام وما يؤمن به المكونات المختلفة من الاعتقادات والافكار وما لديهم من الخلفيات المختلفة وتناقضات موروثات التاريخ وحتى العداوات والصراعات العرقية المذهبية الممتدة التي لا يُقطع دابرها بسلطة مركزية على ارض الواقع وان ادعى البعض غيرها . وعليه لا يمكن اعتبار المشروع الامريكي اخلاص من راس الراسمالية ونابع من مصلحة العراق الا انه قراءة لواقع العراق وما يلائمه ارضا وشعبا والا استمرت الحال على ما هي عليه عقود اخرى كما مرت عقود، وربما يسيطر مكون على العراق ارضا وشعبا اليوم او غدا ولكنه لا يمكن ان يستمر ويقتنع به المكون الاخر مهما كانت قدرته، لانه لا يمكن بما موجود لديه من الاساس لا يمكنه ان يفرضة ماسسة البلد ولا يمكنه فرض العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص في ظل حكم العرق والدين والمذهب البعيد عن العلمانية كما هي الحال الان، ويعيد التاريخ نفسه كما فعل وما حصل بين الكورد والحكومة المركزية والتحولات الخطيرة والتغييرات وما اعاد المتغيرات الجميع الى ما كانوا هم عليه اصلا بين ليلة وضحاها، وطرد الدكتاتورية من الكويت وفر ارضية لاستقرار واستقلال الكورد النسبي، واليوم بعد السقوط اصبحت الارضية مترسخة لفدرالية حقيقية وواقعية للمكونات الثلاث الحقيقية الموجودة دون اي تغيير مهما حاولت السلطات تغييرها، وهلي يخفى عن احد ما قامت به الدكتاتورية من التغيير الديموغرافي في المناطق العديدة من اجزاء العراق وكيف عادت الى ما كانت عليه في لحظة من الزمن والتحول الكبير الذي حصل بعد سقوط الدكتاتورية. وعليه يجب ان يتعض الجميع من تاريخ العراق الحديث على الاقل، وعليه ان يتعامل مع العراق وفق ما يهم المكونات كافة وما لصالحه وكيف يمكن فرض الامن والاستقرار الادئم المستمر والحق بعيدا عن الظلم والاجحاف من قبل طرف مهما كان قويا ومستندا من احد كان اقليمي او عالمي، وعليه يجب ان لا يضيع الوقت اي كان المنفٌذ الامر الحاكم .

في المثقف اليوم