آراء

لا تراهنوا على أمريكا

ahmad alkhozaiلازال البعض من العراقيين يراهنون على المشروع الأمريكي في العراق، ويمنون النفس بان الحرية والتقدم والرفاهية لا تأتي إلا عن طريق الحلم الأمريكي، الذي بدا كابوسا مرعبا جثم على صدر العراق لأثني عشر سنة، لم يخلف غير الموت والإرهاب والدمار، هذا هو الحلم الأمريكي الذي تشدقت به الجيوش الفاتحة التي أسقطت الصنم، صنيعتها المنتهية صلاحيته، لم تعرف أمريكا معنا للمصداقية أو النبل منذ تأسيسها على دماء الشعوب ورفات أجسادهم قبل خمسة قرون، ولم تكن يوما حليفا إلا لمصالحها وأطماعها التوسعية، فتاريخها الغير مشرف مع شعوب الأرض لا يمكن أن يسمح لها ان تكون حلما ورديا للآخرين، جاءت أمريكا إلى العراق وهي تحمل في ثناياها مشروعها (الشرق الأوسط الجديد) الذي سيعيد رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة بأسرها، ويفرط عقد دولا شكلت هاجسا للنظام العالمي الجديد الذي تقوده أمريكا، ودولا ممانعة للتمدد الإسرائيلي في المنطقة ... لم يشكل العراق مجالا حيويا لأميركا يوما من الأيام، ولم يكن النفط احد أسباب قدومها إليه واحتلاله، بوجود حليفاتها ممالك وإمارات النفط في الخليج العربي، التي ضمنت لها أمريكا استقرار النظم السياسية فيها شرط انتظام وضمان تدفق النفط إليها ... العراق بكل ارثه الحضاري والإنساني وبما يحتويه من ثروات وطاقات بشرية، هو مشروع مستقبلي نهضوي، إذا ما توفرت القيادات الوطنية لحكمه في وقت ما، فانه سيصبح خطرا كبيرا يهدد المصالح الأميركية و الوجود الإسرائيلي في المنطقة، وسيتحول إلى بؤرة استقطاب سياسية واقتصادية بإمكانه تغيير قواعد اللعبة الأمريكية في الشرق الأوسط، وهذا ما تخشاه أميركا وما جاءت من اجله، إن سياسة الإغماء التي تتبعها أميركا الآن في العراق عن طريق إدخاله بدوامة الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية والصراعات الاثنية والقومية، واستنزاف ثرواته بمحاربة الإرهاب، وتشكيل نظام سياسي هش ينخره الفساد الاداري والمالي أشرفت هي على رسم ملامحه وفق رؤية المحاصصة والتوافق، كل هذه الامور ما هي إلا تمهيد لانجاز هذا المشروع ألتقسيمي، وما الإرهاب المتمثل بداعش وغيرها من الجماعات المتطرفة إلا ذراع لها، رسمت له دوره التخريبي بإتقان، وستعمل هي على انهاء وجوده بعدما توصل مكونات المجتمع العراقي الى درجة من الاحتقان والشد الطائفي والقومي لدرجة يقتنع فيه الكثير من العراقيين إن لا حل لمشاكلهم وأزماتهم سوى التقسيم ... اعتقد الكثير من العراقيين بان أمريكا جاءت محررة فاتحة، وتوقعوا أن تصنع من العراق أنموذجا يحاكي ما فعلته في اليابان وألمانية الغربية، بعد الحرب العالمية الثانية، مع الفارق في طبيعة هاذين المجتمعين مع طبيعة وظروف المجتمع العراقي، لكن كان المتوقع إن تحدث فارقا ايجابيا فيه ولو على المستوى الإقليمي، وتناسوا ان أمريكا كانت تعمل آنذاك وفق رؤية تختلف كليا عما تراه الان، وظروف دولية حتمت عليها أن تصنع أنموذجين رأسماليين مثاليين لإيقاف المد الشيوعي في شرق أسيا وأوربا، أبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي ... لكن الذي حدث إن أمريكا صنعت من العراق أنموذجا في غاية البؤس، ومفتاحا لربيع التطرف العربي، وهاهي اليوم تميط اللثام عن وجهها القبيح وتكشر أنيابها لتمزق وحدة النسيج الاجتماعي العراقي بمشروعها سيئ الصيت والقاضي بالتعامل مع أكراد وسنة العراق على إنهما دولتين، ليصبح اللعب على المكشوف، ولو كنا دولة تحترم وجودها وشعبها واستقلاليتها، لكان السفير الأمريكي القابع بالمنطقة الخضراء يتمتع الآن بإجازة إجبارية في بلده بعد أن يتم اعتباره شخص غير مرغوب فيه من قبل الحكومة العراقية ... لكن للأسف استقبل العراقيون هذا المشروع وهم في اشد حالات الاختلاف والتقاطع، بين مرحب ورافض لهذا المشروع، وفق نظرة ضيقة لا تتعدى حدود العقد الطائفية والقومية ... لذلك على الجميع ان يدرك بان أمريكا في العراق فرس رهان خاسر، وان المراهنة عليها في هذا الظرف العصيب الذي يمر به بلدنا (كالمستجير من الرمضاء بالنار) .. ولا رهان سوى على وحدتنا وثوابتنا الوطنية وانتمائنا لأرضنا، فهو السبيل الوحيد الذي يمكن الجميع من عبور هذه المحنة.

 

احمد عواد الخزاعي

في المثقف اليوم