آراء

سلاح العلمانيّة الكسيح

jawadkadom gloomقد يكون ما نكتبه فرضا من الخيال وظاهرة غريبة لم نألفها سابقا وتكاد تكون سابقة خطيرة في ان يمسك العلمانيون السلاح لأجل ترسيخ افكارهم وآرائهم بالقوة طالما ان ألسنة العلمانيين قد وهنت من شدة الصراخ والعويل وارتخى عودهم وصارت ايديهم مغلولة الى اعناقهم وعجزت ان تقف امام سيل التخلف الجارف للعقول فلابدّ اذاً من اللجوء الى وسائل اخرى لتثبيت دعائم العلمانية وفرضها بالقوة طالما ان كل ماقلناه وكأننا ننفخ في قربة مخرومة ؛ وقد صدق الحكيم الصيني كونفوشيوس حينما قال ان كل ماء البحر لايستطيع ان يملأ كأسا مثقوبة وقد اتضح ان مجتمعنا الكسيح المتهرئ بالجهل والغفلة والخوف المتراكم من عهود الدكتاتورية حتى وقتنا الحاضر لاينفع منه الاّ القوة والنار بمطرقة ثقيلة مؤثرة والضرب على حديد معوّج كي يستقيم اولا ومن ثمّ العمل ثانيا بوسائل سلمية مقنعة لتغيير مسارات العقل الجاهل والتائه في غياهب الظلمة والدروب الحالكة

فكل الفصائل الاسلاموية والقومية والثيوقراطية قد امتهنت العنف كوسيلة من وسائل فرض آرائها بالقوة منذ عصر الانقلابات ومسك السلطة ارغاما والإطاحة بالغير سواء كان نظاما شرعيا او اغتصابا وهذا ديدن الشرق الاوسط والعالم الثالث عموما كما عايشنا تلك الظروف في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية ويبدو ان قانون القوة والانقلابات مستمر الى هذا الحين بما في ذلك التحالفات والمغازلات بين الثيوقراطية الدينية المتطرفة منها وغير المتطرفة وليس أدلّ على ذلك التحالف القويّ الذي حصل بين اعتى قوة متأسلمة تتمثل بداعش مع بقايا حزب البعث العربي الاشتراكي وعسكريتاريا صدام حسين التي انضوت مع داعش ونجحت في احتلال الموصل وصلاح الدين والانبار واكتسحت مساحات شاسعة من سهل نينوى وابتلعت ثلث العراق حتى وصلت الى جبل سنجار ولم تنجُ كركوك والمناطق والقصبات التابعة لها من تسرب زمر الارهاب اليها

فما الضير لو استعان دعاة العلمانية ومناصرو المجتمع المدني بوسائل وأدوات القوة لفرض وترسيخ مبادئهم وآرائهم حالهم حال بقية القوى السياسية الطامحة الى النفوذ والمتطلعة الى مسك زمام السلطة حتى ولو بالقوة مادام الحوار والتنظير الفكري لم يعد يأتي أكله وصار اضحوكة ومثار سخرية امام القوى العاتية المسلحة وهل نبقى نناضل بسيوف خشبية ونتناظر على الطاولات مع سباع وذئاب تريد ان تفترسنا ونحن لاحول لنا ولاقوة الاّ من اللسان والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي احسن وهؤلاء الغرماء اقوياء بميليشياتهم وصلفهم وتضليلهم ويجرجرون البلاد والعباد الى مهاوي التخلف والفشل ويتحكمون بسلطة اتخاذ القرارات السقيمة التي لاتدفع رقيّا ولاتصنع حاضرا مشرقا وتعمى ان تبصر مقبلا يبشّر بالخير ؛ وماهم الاّ زمر تهدف اولا وأخيرا الى املاء مصالحهم الشخصية وتنمية احزابهم على حساب الشعوب المقهورة وتحويل الدولة الى هياكل دينية وعبادة وخنوع لرجل الدين ورجل القبيلة بالضد من التعددية واحترام الرأي الاخر لا بل محاربته وتضييق الخناق عليه واتهام الاخرين المخالفين بشتى صنوف العورات حتى تصل الى حدّ الالحاد زيفا وكذبا مفضوحين

لاحلّ فيما نحن فيه من هوان الاّ بالاستعانة بمستلزمات القوة وان نعدّ مااستطعنا من قوى وأفراد تعمل على تسليح نفسها فكرا ويدا معا ، فلم يعد سلاح العقل نافعا وحده وانما يجب ان يرافقه سلاح اليد الضاربة وما على اليسار المتنوّر الطليعي ودعاة الليبرالية ان تحزم نفسها وتستعد لأن تدرب رعيلها على تفعيل السلاح مثلما تعمل على صقل العقول بعد ان اصبح العقل بمرتبة ثانية بعد السيف في بلاد لا تعرف سوى القوة الصلبة قانونا سائدا بينما القوة الناعمة المتمثلة بالإقناع العقلي والحوار الهادف لبسط النفوذ صارت عديمة النفع والجدوى في عالمنا المتخلف هذا

ويتضح جليا ان انصار ودعاة التيارات المدنية واليسار المنفتح ليبراليا وديمقراطيا لابد ان يستجير بالقوة الحازمة ومن اداتها مسك السلاح باليد وتثوير وتوعية الملأ بالعقل الراجح وإلاّ فما معنى اللسان وحده مهما كان سليطا امام دوي الرصاص وهدير فوهات البنادق ولعلعة المدافع ، وقديما قيل :

اذا لم تكن غير الاسنّة مركبا -------- فما حيلة المضطر الاّ ركوبها

ندرك تماما ان مركب السلاح صعبٌ وقد كُتب علينا كرها فمازال قانون القوة الصلبة سائدا وشائعا ومقبولا اذا اقتضت الضرورات القصوى؛ ولو أردنا ان نكون ونغيّر ونردم العقول الجامدة ونضع موطئ قدم لنا فما علينا سوى ان نقاوم ونقف على عدة جبهات لكي نتصدر المشهد ، فليس بالرأي والعقل وحده تصنع المتغيرات

 

جواد غلوم

 

في المثقف اليوم