آراء

الانتخابات التركية ومجزرة الارمن

emad aliقبل مئة عام ارتكبت القوات التركية ومن معهم من المرتزقة سواء كانوا مضطرين او لسذاجتهم وخدعهم عقيديا ابشع جريمة ومجزرة ضد الارمن، ولم تعترف بها السلطات التركية المتعاقبة لحد اليوم. الا ان رفعت الاصوات برزت القضية بهذا الشكل والقوة هذه السنة، وعند مرور العقود العشرة دون اي استذكار، وما حدث في الذكرى المئوية، لها دلالاتها وما ورائها، وانه يدل على ان الجريمة مهما غطتها السياسة والمصالح، لابد ان ياتي يوم وتعتري وتجرد من ما يغطيها وترفع الاصوات لاعلانها ومحاسبة مرتكبيها وعرضهم امام القانون . اعترفت المانيا على مضض بجريمة هولوكوست على الرغم من انها تعرضت لعقوبات صارمة وهي تعاني منها لحد اليوم ومنعت من التسلح والاتجار بها ولم تُرفع عنها بعض من تلك العقوبات الخاصة لحد الساعة . الا ان تركيا تنكر ما قامت به وتريد ان تضلل العالم دون ان تعلم انها لا يمكنها ان تغطي ما اقدمت عليه الى النهاية، لازالت حالمة بسلطنة ومغترة وهي عالقة بين الثقافة الغربية وموروثات التاريخ وعدم الاعتراق بالحقيقة . انه نظام شاذ ويسير وفق مجموعة من المفاهيم العالقة بين العلمانية والدينية المذهبية العقيدية في هذه المرحلة، اي انه نظام تركيا الوحيد في العالم بهذا الشكل والمحتوى وما يمكن ان نعرفة ب(التركيسزم) لانه نظام غريب على ما سبقه من جهة وعلى الاخرين من الدول في العالم . اما ايران فانها تسير وفق نظام ديني مذهبي ظاهرا وقومي فارسي باطنا، وليس لها صلة من قريب او بعيد بالعلمانية رغم موروثات العلمانية الملكية الشاهنشاهية المترسخة في كيانها وتقترب من نواحي عديدة من الليبرالية، بعدما انتقلت بشكل كبير الى مرحلة مغايرة تماما في تاريخها بعد ثورة وسيطرة فكر وفلسفة وعقيدة الخميني نظاما ومؤسسة على زمام الامور في الحكم والسلطة الايرانية الخاصة ايضا .

تتوفر الاف من الوثائق والمعطيات والشواهد التي تدل على وقوع مجزرة الارمن على الارض حقيقة، وان لم نهتم باعتراف عشرات الدول بها من جهة اخرة، فان على تركيا ان تبرز وثائق تدل على غير ذلك ولا يفيدها الانكار الشفهي بعيدا عن الدلائل . وخير لها ان تعترف وان لا تؤخر كي تؤذي نفسها وعلاقاتها، وعلىها ان تنتظر وتتبع ما فعلت الدول الاخرى ولتدع اليابان والمانيا امام انظارها وكيف نهضتا بعد الحرب العالمية الثانية . وعندما لا تجد تركيا مبررات حول ما تدعيه من الانكار للمجزرة ولا تقدر ان تقنع العالم بها لابد لها ان تعترف امام الملا وتعتذر عن جريمتها وخطأها القاتل في تاريخها . والا لم يقتنع احد بما فعلت ولازال تاريخها ملطخ ببقعة سوداء كبيرة اضافة الى ما اقترفتها داخليا ضد مكونات شعبها .

من المعلوم ان تاخرت تركيا في الاعتراف اليوم وغدا فانها ستجبر على ذلك وستتجمع عليها الكثير من الامورو منها التعويضات المستحقة ماديا ومعنويا للارمن من جهة وو اعادة الممتكلت الكبيرة التي اغتنمتها تركيا في وقته اضافة الى الكثير من المواقع التي تعود للارمن، وهذا ما يؤدي الى اعادة الارضية لتنفيذ اتفاقية سيفر على الارض بعد اعادة جبل ارارات الارمنية المقدسة التي تعتبر رمزا ارمينا مهما مع تحملها للتداعيات القانونية التي تقع عليها ويحقق الكورد غايتهم ايضا من جهة اخرى .

ومن المعروف ان الانتخابات البرلمانية التركية هي الحاسمة لمجموعة من الامور التي تعتمدها تركيا على الطريق، فان كانت مسيرة تركيا للمصالحة مع تاريخها قد تعثرت من قبل لاسباب عديدة فانها ان تيقنت بان اعترافها بما اقترفت ستكون لصالحها اكثر من ان تضربها، فانها لابد ان تعترف بها وعندئذ يمكن ان تسير تركيا في كل ما تصرح به على حقيقة الامور وليس تضليلا كما تفعل لحد اليوم .

هذه الانتخابات تهم جميع مكونات تركيا ومنهم الكورد الذي يدخل كحزب في الصراع هذا، وما يفعله يؤثر من جانبين على مصير ومستقبل تركيا؛ يقف في خط سير تركيا التراجعي واعتمادها على التاريخ العثماني من جهة وتمنع الاعتماد على النظام الر ئاسي والمركزية التي تودي بتركيا الى الحقبات الغابرة من جهة اخرى . وان نجح اردوغان فانه يعيد تركيا الى زمن العسكر والقمع والاستبداد الذي لا يمكن ان يدوم في القرن الواحد والعشرين بمتغيراته التي تفرض نفسها على الجميع .

اذا، التغييرات الكبيرة التي تنتظرا المنطقة لم تشمل ما سميت بالربيع العربي في الشرق الاوسط بقدر التغيير الشامل والنقلة النوعية من ظروف المنطقة وحياة الناس التي ينتظره الجميع في المستقبل القريب . اللوبي الارمني لها قوة كبيرة وابرزت قضية مجزرة الارمن التي ارتكبت من قبل تركيا بشكل جيد وما يحتاجه الكورد الى مثل هذا اللوبي يمكن تحقيقه لو تعاون ونسق مع القوى الاخرى التي يهمها ما يخطوا اليه الارمن والكورد والاذر والشركس والمكونات الاخرى المتضررة من مسيرة التاريخ التركي والفارسي والعربي وما غطوا بما ساروا عليه من القضايا التي تمس الملايين في المنطقة والعالم اجمع .

 

في المثقف اليوم