آراء

منابعٌ أم مناقع

jawadkadom gloomلست معتادا ان اصغي لتحليلات وهذيانات ما يسمون انفسهم بالمحللين السياسيين الذين ثقلت موازينهم وزاد عديدهم وكثر الطلب عليهم وصاروا مطلوبين للفضائيات الجمّة الناعقة والنافخة في الرماد من اجل ملء الفراغ لأوقات البثّ او اعتماد الاثارة والثرثرة وأحيانا الخصام باللسان الذي يصل في بعض المرّات الى حدّ القذف والشتائم وربما العراك باليد لو كانوا متقابلين وجها لوجه وكأنه صراع ديكة او حلبة مصارعة سياسية منفرة تفتقد الى لياقة الحوار والإصغاء للمخالف وكم وددتُ لو توضع لافتة صغيرة امام طرفي الحديث لتنبه وتطلب من المتحاورين انْ يمتثلوا لقول صاحب كليلة ودمنة " تعلموا حسن الاصغاء كما تتعلمون حسن الكلام " لكني أكاد أوقن ان من يُدير الحوار ويرتّب الجلسات يحلو له ولرؤسائه ان يصلَ الزعيق الى اقصى قلّة الادب طمعا في الاثارة وهوسا لترسيخ العربدة

وكثيرا مااسمع عرضيا وتصل الى اسماعي مصطلح اطلقوا عليه لفظ " تجفيف منابع الارهاب " فاسخر من هؤلاء الذين لايحسنون حتى اختيار الاستعارة المناسبة او المجاز الاصوب الاقرب للواقعية ، فهم ينسخون ماقاله غيرهم كلاما دون تمحيص او دراية ويأتون بالحديث على عواهنه وكأنهم مثل الببغاء الملقّنة التي لا تعرف ماذا لهجت ، فما المانع لو احكموا صناعة الصور البيانية ويتشبهوا بدلا من المنابع لينعتوها بمستنقعات الارهاب ؟ فالمستنقع هو الاصوب والأنسب والأقرب للتشبيه الضمني عوضا عن المنابع العذبة الريّة ، لما يحويه المستنقع من أسن وقذارة الركود باعتباره مرتعا للأوبئة وجراثيم الفكر وكل ماهو مقزز بينما الينبوع مبعث للرواء والصفاء وغذاء الارض

وما الضير لو قلنا ايضا اسطبلات الارهاب او خرائبه او مواخيره ومباغيه وجحوره بدلا من استخدام مايصطلح عليه بشكل شائع " الحواضن " وان من يمده لوجستيا وعددا وعُدّةً لايعدو كونه قوّادا قذرا بائعا أرضه وعرضه مقابل دزينة وسخة من الدولارات التي يمنحها شياطين العهر والفتنة والخسّة في ادنى انحطاطها ممن ينشرون الشروخ في اوصال المجتمع الواحد ويُسممون سُفرة المائدة الواحدة ويطيحون بجدران الوطن الواحد ويحفرون اخاديد ومغارات لتأوي اليها افاعي لتكون مفاقس لبيوضها وتتكاثر وتنمو بين شقوق جدران الوطن وخرائبه

هو ذا الارهاب لايعيش الاّ بين الضغائن ولا ينمو الاّ بوقود الكراهية ، وماكنته لا تدور الاّ بشحن الالسن وتدريبها على المقت والحقد والكراهة والتسقيط والنبذ وإثارة الرعب ونزف الدم وتعميم الخوف والرهبة بين الاطراف المتنازعة وإظهار المختلف وإضمار المؤتلف لتبقى جذوة النار مشتعلة ولو خمدت تدريجيا فان هناك من الانفاس الكريهة تقوم بمهمة النفخ في الرماد لإعادة تنشيط النار وزيادة سعيرها لهبا وهذا ما يفعله الساسة المنتفعون الفاشلون ومعهم صفوة من المحللين السياسيين المأجورين ومنهم الكثرة الكاثرة من يرتضي بالحظوة الرخيصة رخص التراب ؛ فالعرض كثير والبضاعة كاسدة والقبول بالمقسوم المبتذل الضئيل خير من صفر اليد وخواء الجيب وهزال الرصيد وقد لاينال مثل هذه الاكرامية الموبوءة الثالمة للكرامة الاّ ذو حظٍ سفيه

فيا ايها المغمسون ألسنتكم بدبق المال من طويلي اللسان العائشين على العثرات والنزاعات ان لم تحسنوا لأهليكم يارعاة السياسية الغريبة الاطوار والناطقين باسمها في بلداننا البائسة فاختاروا من الالفاظ ادقّها ومن التشبيه اقربه وقولوا بدل الحواضن الارهابية بؤرا او جحورا او مفاقس افاعي او اسطبلات حمير وبهائم او خرائب عقارب او مكبّا لنفايات المزابل البشرية وماشابهها من هذا القبيل واصطفوا مجازا اخر ولا تنعتوا من يغذي الارهاب بتسمية المنابع بل هي مستنقعات آسنة وأوحالٌ مَرَضية وجيفاً تنبعث منها الروائح الكريهة والعفن ومزكمات الانوف ومقززات العيون ومقْشعرّات الابدان وانتقوا كلّ ماهو بذِيء ورديء ومقيت لتوصفوا به الشائن الوضيع والسافل المريع

أعرف اني اصرخ بملء فمي قرب آذان لاتسمع وأتحسس مابين عيونكم وبين مرآكم غشاوة لا تزول فقد اعتدتم على غضّ البصر والبصيرة وملأتم اسماعكم حشوا غير نافع وظلاما غير ساطع ونحوتم جانبا عن ادراك الحقائق لكننا سنظلّ رافعي الصوت حتى تلين عريكتكم مع اني اعرف تماما ان الطريق طويل وربما يطول ابعد مما نتخيّل حتى تدركوا الصواب وتضعوا النقاط على الحروف وتفصحون عن مسالك الكلام للسير في الطرائق الصحيحة السويّة

يئسنا منكم فإنكم لم ولن تصلوا الى بلاغة الحديث وبيانه لكن اعتمدوا الفصاحة على الاقل كي يتبيّن الضوء الاسود من الضوء الابيض

 

جواد غلوم

في المثقف اليوم