آراء

سِيَاسِيُّو العِرَاقِ بَيّْنَ سُقُوْطَيّْن

mohamadjawad sonbaفي يوم الثلاثاء 10 حزيران 2014، أُعلن رسمياً عن سقوط مدينة الموصل بيد داعش. حصل ذلك، بعد هروب محافظ الموصل واعضاء مجلس المحافظة والشرطة المحلية للمدينة ومسؤولين آخرين، عسكريين ومدنيين رفيعي المستوى. وظلّت نتيجة التحقيق في هذه القضيّة مجهولة لحدّ الآن، تتناقلها اللجان التحقيقية في مجلس النواب العراقي، من لجنة الى أخرى.

في يوم 18 نيسان 2015، نزح من الانبار الى بغداد عن طريق جسر (بزيبز) الذي يربط بين محافظتي الانبار وبغداد، أكثر من 120 الف شخص. وقد عزيت أسباب نزوح هذا الكم من الاشخاص، الى الدعاية والحرب النفسية، التي روجتها (داعش) في ليلة واحدة بين اهالي الأنبار، الأمر الذي اجبرهم على ترك منازلهم، والتوجه الى بغداد وكربلاء ومحافظات أخرى. وفي الايام التالية تم اعادة الكثير من العوائل النازحة الى الانبار، بعد اقتناعهم بانهم كانوا ضحية لدعاية كاذبة.

و جدير بالذكر فقد قامت المرجعية الدينية في النجف الأشرف باصدار التوجيهات الى أئمة الجوامع الشيعية والحسينيات بفتح الأبواب لإيواء النازحين، كما ارسلت المرجعية العديد من القوافل الخاصة بمواد الاغاثة الى هذه العوائل.

في يوم الخميس 14 أيار 2015، بدأت بعض التسريبات الاخباريّة، تتحدث عن خرق أمني في محافظة الأنبار. وفي يوم الأحد 17 أيار 2015، أُعلن رسمياً عن سقوط الانبار بيد الدواعش. وبالرجوع الى الوقائع المسجلة الخاصة بنكبة المحافظتين، نجد تطابقاً تامّاً في مجرى العمليات العسكرية، على مستوى قوات داعش المهاجمة، والقوّات العراقية المدافعة. كما يوجد تشابهاً كبيراً بيّن النتائج التي ءآلت اليها سقوط المدينتين.

المشترك بين القضيتين هو خيانة المسؤولين في المدينتين، بدءً من المحافظ وأعضاء مجلس المحافظة،و قائد الشرطة المحلية، وأفراد الشرطة المحليّة، وصولاً الى القوات الساندة، من قوات الجيش والشرطة الاتحاديّة، لكل من مدينة الموصل والأنبار.

في الفترة التي امتدت قبيل نزوح أهالي الأنبار، في شهر نيسان الماضي، وسقوط الانبار في شهر أيار الحالي، ظهرت مزايدات من قبل السياسيين السنة ومحافظ الانبار صهيب الراوي وصباح كرحوت رئيس مجلس المحافظة، وعدد من اعضاء مجلس المحافظة، وشيوخ عشائر من الأنبار، الذين رفضوا أي مبادرة لطرد (داعش) من الانبار، بمشاركة الحشد الشعبي.

و لابد ان نستذكر، اتصال عدد من مسؤولي الأنبار، بالسفارة الأمريكية وطلب المساعدة من أمريكا، لتسليح عشائر الانبار. علماً ان عديد الشرطة المحليّة لمحافظة الانبار 23 ألف منتسب، يستلمون رواتبهم الشهرية كاملة، من الخزينة العراقية. وقدّ اعلن السيد النائب هيثم الجبوري، في أحد لقاءآته التلفزيونية، ان صحوات محافظة الانبار صرفت منذ عام 2005 والى الآن، مبلغاً قدره 243 مليار دينار.

و يجب أن لا ننسى كذلك، ذهاب وفد من محافظة الانبار الى أمريكا لعرض موضوع تسليح عشائر الانبار، على الادارة الأمريكية بصورة مباشرة. ويعرف الجميع ان الحكومة المحلية لمحافظة الانبار، قد غادرت المحافظة بوقت ليس بالقصير، حيث سكن قسم منهم في مدينة أربيل، والقسم الآخر سكن في عَمّان، والقسم الآخر جاء الى بغداد، للقيام بحملة اعلامية للمطالبة، بتسليح ابناء عشائر الأنبار لمحاربة (داعش)، وعدم اشراك قوات الحشد الشعبي، في تخليص الانبار من شر (داعش).

و الآن تغيّرت نغمة من كان يطالب، بعدم اشراك الحشد الشعبي، ليطالب الآن بالسماح للحشد الشعبي، للمشاركة في تحرير الانبار، حتى أن البيت الأبيض الذي كان يعتبر الحشد الشعبي، عبارة عن ميليشيات لا يُؤمَن جانبها، أعلن مساء يوم 19 آيار 2015، (سندعم قوة حشد شعبي متعددة الطوائف لتحرير الانبار وتكون تحت امرة العراق)(قناة العربية/الشريط الاخباري). فما السبب الذي احدث هذا التبدّل في المواقف؟.

منذ عام 2003 ولحدّ الآن لم يلمس العراقيون تحسناً في الكثير من جوانب حياتهم، مقارنة بحجم الاموال العامة الكبيرة جداً، التي هدرت سدى، وأكلها الفساد الاداري والمالي. ولم يستطع السياسيون العراقيون، من ايجاد مخرج لانقاذ الشعب العراقي، من المشاكل، التي صنعتها سياسات المحاصصة وسياسة التراضي والتخاذل، وعلى رأسها حسم الملف الأمني. وإذا تركنا كل المتعلقات جانباً، فستبقى سُبّة سقوط محافظتين عراقيتين، وصمة عار في جبين السياسيين الخونة والمتخاذلين.

فما قيمة الوطنية اذا يترك خونة الوطن، يتساوون مع الوطنيين في الحقوق، ويستثنون من الواجبات؟.

وما أرخص تراب الوطن، عندما يكون ملاذاً للأشرار والمأجورين والخونة؟.

ان الشرفاء يبذلون دماءهم بسخاء وبدون مقابل، لحفظ ارواح واعراض الابرياء العراقيين، لكن بشرط ان لا يكون مستقبلاً أيّ مكان، لسماسرة السياسة الذين باعوا الموصل والانبار، والذين اغرقوا العراق بالفساد.

وبعد تحرير محافظة الانبار، (و سيتحقق ذلك بعونه تعالى قريباً) بعزم الاشاوس من أبطال الحشد الشعبي، والمخلصين من ابناء قوات الجيش والشرطة العراقية. وبعدها لابدّ ان ينتفض الشعب العراقي، ويطالب بمقاضاة السياسيين العراقيين الذين تاجروا بأرواح ابنائه، لينالوا جزاءهم العادل. حتّى تُسترد للعمل الوطني قيمته المعنوية، بعدما ابتذلها سماسرة السياسة، بصفقات المحاصصة والتراضي.

و حينها ستكون هناك الكثير من الملفات، التي أُزويت عن انظار الشعب العراقي، والتي يجب ان تفتح صفحاتها أمام الرأي العام العراقي. وبعدها سيكون لكلّ حادث حديث. والله تعالى من وراء القصد.

 

مُحَمَّد جَواد سُنبَه

كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِرَاقي

في المثقف اليوم