آراء

المرزوقي رئيس او معارض تحت نيران الدولة العميقة

alarabi benhamadiعلاقتي بالدكتور المرزوقي هي علاقة قديمة تعود إلى بضعة عقود خلت، اختلط فيها الذاتي بالموضوعي .. وقد صمدت هذه العلاقة حتى بعد انتقال المرزوقي من المعارضة الى الحكم، كاول رئيس بعد الثورة التونسية .. وبقينا اوفياء لبعضنا بعض، لان ما جمعنا وجمعنا فقط هو النضال الحقوقي ضد الدكتاتورية والايمان بمجتمع تعددي حر... لم تتزعزع ثقتي في الرجل رغم الحرب الاعلامية الضروس التي شُنّت عليه طوال الثلاث سنوات التي قضاها في الحكم كرئيس محدود الصلاحيات ورغم ارتهان بعض من مواقفه لتحالف ثلاثي متعدد المشارب (فلنقل علماني اسلامي اصطلاحا) كانت بدايته فكرة محمودة، غير مسبوقة، بعالمنا العربي، و نهايته نكسة أصابت الحزبين الصغيرين التكتل والمؤتمرفي مقتل، لاسباب خاصة بالحزبين المذكورين وبسبب النزعة الهيمنية لحركة النهضة الاسلامية.

لكن لا يعني ذلك أنني اتماهى مع كل مواقف صديقي، الرئيس السابق، حيث اعتبر أن قراءته للوضعين السوري والمصري لا تجد إجماعا لدى أطياف عديدة من المشهد التونسي . فالقمع في مصر هو حقيقة لا يمكن إنكارها أو تبريرها، وما الأحكام الجائرة والصادمة التي صدرت في حق السيد محمد مرسي وبعض من أتباعه إلا دليل على ذلك، لكن هذا لا ينفي مسؤولية الإخوان، اثناء حكمهم، و سعيهم الدءوب التفرد بجميع السلط ومحاولتهم تغيير الطبيعة الأزلية للمجتمع المصري، كما ان ردود أفعالهم ضد حكام مصر لم تكن دوما سلمية. أما فيما يخص الوضع بسوريا، فالانطلاقة في بدايتها كانت، بالفعل، حركة سلمية تجاهلها النظام السوري فتحولت تدريجيا الى حرب اهلية وقفت وراءها أطراف إقليمية ودولية، تتحرك في إطار أجندات ومصالح متشعبة ومتحركة. لقائل ان يقول ما علاقة هذه المقدمة بعنوان المقال؟

الجواب هو انه لولا هذه العلاقة لصَدّقْتُ كل ما يشاع عن المرزوقي كما فعل الكثير من التونسيين والتونسيات، ضحية أعلام موجه، استغل مكسب الحرية الذي حلمت به أجيال وأجيال ليُعَتّم، بدلا من أن ينير، مستعملا أساليب أحيانا لا أخلاقية.

فكلنا يذكر كيف قامت الدنيا ولم تقعد على اثر بث بعض وسائل الإعلام تصريحا مفبركا يدعو فيه المرزوقي إلى نصب مشانق للتونسيين، في الوقت الذي كان   جوهر تصريحه هو التحذير من ذلك مبرزا أن تعنت جيوب الردة التي تحاول جر تونس الى نقطة الصفر قد يدفع جيل من الشباب الغير سلميين الى نصب مشانق حسب تقديره.

وبالأمس القريب استعمل المنشط حمزة البلومي تقنية المونتاج لحذف بعض المقاطع من فيديو وتركيب اخرى، الامر الذي اخرج تصريح المرزوقي من سياقه ومس بالجوهر، الى درجة التحريف المؤدي قطعا إلى التشويه، الأمر الذي دفع الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري إيقاف برنامج اليوم الثامن معللة قرارها بان اجتثاث بعض الجمل من سياقها الحقيقي هو من شانه ان يؤلب الرأي العام ويؤجج مشاعر الحقد والكراهية ضد الدكتور المرزوقي.

فلو ان حمزة صاحب المقولة المشهورةّ "أش عملنا بيها الكتب" قام بتحليل ونقد وتقييم الفيديو الاصلي المتضمن لمحاضرة المرزوقي بعاصمة قطر، لقدم سبقا فكريا يفيد البلاد والعباد الذين سئموا المسلسلات السياسية السطحية التي لا تختلف عن البرامج الكروية طوال حقبة نظام بن علي .

وهذه بعض الأفكار التي جاءت على لسان المرزوقي والتي تضمنها هذا الفيديو الشهيد. يقول ان الحاضر محكوم بالماضي وما نتصوره للمستقبل، مضيفا انه رغم صعوبة التنبؤ بسبب المفاجآت فلا بد ان تكون لنا رؤية للمستقبل،ولعل التوصيف هو اهم هذه الأدوات. وأضاف ان الشعوب العربية تحكمها العصبيات وهي تطوق الانتقال من مجموعة ضيقة تتبادل المصالح الى مجتمع مواطني يستفيد منه الجميع وتكون فيه هذه الطبقات الرابح الاكبر، وهوما ترفضه هذه الاخيرة و تتفاوض بشانه، مما يدل على نوع من الغباء. كما دعا الى التمسك بالقيم الأخلاقية ونبذ العنف، محذرا من جيل جديد قد يلجا للحلول القصوى كما هو الشأن في سوريا. واستشهد بقولة لفر يود " انت لا تحارب عدوا أمدا إلا وأصبحت تشبهه" ما يعني ان الرجل يحذر من استعمال أساليب غير سلمية في الصراع مهما كانت اساليب الخصم.

وهكذا فان الدكتور المرزوقي يؤمن بالصراع السياسي السلمي وهو ما كنت اعتقده ولا أزال وسأبقى.

ختاما فالإمكان القول ان المرزوقي هو ضحية لعنف مادي ومعنوي مسلط عليه منذ ما يزيد عن ثلاث عقود سواء كان ذلك في السلطة أو المعارضة. يتم ذلك تخت راية الدولة العميقة التي تشبه الغواصة البرمائية.

 

في المثقف اليوم