آراء

كيف تكون سايكس بيكو الثانية لمصلحتنا

saleh alrazukمع غموض الموقف الأمريكي، وفتح المعارضة نيرانها على دور أمريكا، يبدو أن الساحة عرضة لعدة سيناريوهات محتملة.

وأهمها ثلاثة.

في بداية الصراع كانت المعركة واضحة وتدور بين طرفين: النظام ومعه دول البراكس التي تسعى لعدم الاستسلام لهيمنة أمريكية مطلقة. ثم المعارضة ومعها الغرب والخليج العربي.

لم يخرج الخليج يوما بشكل جاد عن أمريكا. حتى إن المرء ليحار، هل نحن حيال عرب أمريكا حتما؟!..

المشكلة هنا لها تجاذبات. فأن تقف أمريكا في وسط المشهد بين إسرائيل وخليج عربي يعني أن السياسة في الشرق الأوسط لا تزال في مرحلة المراهقة. في وجهها يمكن أن تشاهد الدليل الفاضح على صراع الغريزة مع الواجب.

وهذه الغريزة التي لا تقهر هي الانبطاح أمام أمريكا وكأننا عميان لا نعلم أن الثمن هو دفع ما يترتب علينا من ضمانات لاستمرارية إسرائيل وبقائها.

والبقاء لا يعني ضد الفناء من الوجود وإنما هذا النوع من الغزل العذري.. أنا أريد ولكن لا أستطيع.

وما يسر القلب ويشفي الغليل أن دور البراكس تراجع إلى الخلف بعد دخول القاعدة في بلاد الشام (جبهة النصرة كما هو شائع) على الخط ومعها داعش (نظام الدولة كما بدأنا بالاشارة إليه- فنحن قوم مغرمون بالاختزال . وخير الكلام ما قل ودل).

وفي خضم هذه الفوضى، واجتياح الإسلاميين لساحات المعارك، وخروج ما ينوف على ٧٠٪ من سوريا من مظلة مؤسسات الدولة، بسبب غياب الخدمات الأساسية من جهة، وترك الأمور بيد مضاربين وتجار محليين. بدأنا نشعر باللعبة التي تفضلها أمريكا.

إنها تراهن على كسب الوقت لصياغة صورة نهائية ترضي غرورها وليس أطماعها. فالتجربة تؤكد أنه لا يوجد مرابح فعلية من وراء التلاعب بمصير الشعوب المتخلفة.

ألم يخرج بطلا سايكس بيكو من معركة اقتسام المشرق بين الحربين بلا أسلاب ولا غنائم، مثلما حصل مع الاتحاد السوفياتي السابق في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وها هي روسيا الاتحادية لا تزال تحمل أوزار سلفها. ولا تستطيع سداد ما عليه من ديون. وأقصد الديون الشرفية التي لها تبعات ترقى لمستوى أحقاد والرغبة بالانتقام إن لم نقل بالثأر.

يوجد حاليا في يد أمريكا ثلاثة أوراق هامة.

الأولى هي الورقة التي انتقلت من بريطانيا إليها. وأقصد بذلك إسرائيل. إنها أهم من أي استعراض فعلي لقواتها. ويمكن لإسرائيل كما يحصل الآن أن تتدخل فعلا في سوريا.

ولديها كل الموجبات. فهي تخشى من دولة إسلامية بالجوار خشيتها من حزب الله في جنوب لبنان.

الثانية هي ورقة الأكراد. ومن المؤكد أنهم يحصلون على أفضل ما تقدمه أمريكا من فتات في هذه المعركة. فهي تضرب من الجو وتسهل لهم التمدد والانتشار على الأرض.

وإذا كان حلم الأكراد بدولة مستقلة، مثل الأرمن، لا يزال يراودهم فهم الآن فعليا لديهم كتلتان ملموستان على الأرض. إحداهما في سوريا وتغرق بسيل من الدم. والثانية في العراق وتنعم بأكبر قدر من الهدوء والأمان النسبي. فالأشياء تقارن ببعضها البعض ولا يمكن الحكم عليها بشكل مطلق.

والهدوء في الشرق لا يعني الصمت المطبق والكسل والتراخي. ولكنه يدل على عدم الاحتراق بألسنة النار المستعرة. وهذا الشرط متوفر في كردستان العراق. ولا أظن أنهم مستعدون للتضحية به. ولذلك لديهم استعداد لمقايضة أمريكا عليه ببعض الامتيازات الشرفية نفسها.

وهل تتوقع الولايات المتحدة شيئا من العراق وسوريا غير هذا المكسب النفسي التافه فعلا. فثرواتنا الأسطورية وموقعنا الاستراتيجي الخطير بدعة اخترعناها لنعلي من شأننا أمام أنظار الآخرين.

إمكانياتنا خجولة ومحدودة. والتخلف الذي نعاني منه يفرض علينا زيادة الإنفاق لتقليص الفجوة. لذلك أي كلام عن دور دولي هام يجب تأجيله على الأقل حتى يصبح لنا صورة واضحة على المسرح الدولي.

وإلى هذه اللحظة نحن نلعب من خلف الستارة وتحت الطاولة ومع الكومبارس. وأهميتنا تقتصر على من سنعوي ولمصلحة من؟..

وهذا الكلام يؤلمني ولكنه إحساسي. وأرجو أن أكون مخطئا.

كلما تأملت المشهد الراهن يروعني ما ننعم فيه من تخلف وعنف وتبعية استهلاك، مقابل عودة كل الحضارات التي انتكست في المائة عام المنصرم، وعلى رأسها ألمانيا واليابان وبعدها تركيا ثم نظام الملالي (كما نقول بغاية التجريح).

وهذه هي الورقة الثالثة، إنها إيران. ولا أعتقد أن أمريكا تخاف منها مباشرة ولكنها ترى أنها جزء من عالمها الجديد. عالم ما بعد سايكس بيكو والذي آن الأوان لهضمه وتفكيكه وإعادة تركيبه.

إن أيران في هذا السياق أول خطر فادح على الإمبراطوريات السابقة مثل فرنسا والمملكة المتحدة. وبتوسيع الاهتمام بالتمدد الإيراني يمكن إلحاق الخراب بالنسخة الاستعمارية القديمة والتمهيد لنسخة جديدة.

لقد انتهى عصر البنيوية والحداثة الصامتة والساكنة، التي فشلت في الاهتمام بعمق الدور المناط بالتاريخ، وبدأ عصر ما بعد الحداثة بما يحمله من بدع أو إبداعات (لا فرق كلاهما يعبر عن تحدي سلطة نظام العقل) وفي المقدمة التفكيكية، والتي نقرأها بترجمات أخرى التحطيمية والتهديمية وسوى ذلك.

إن ما تهدمه أمريكا هو نواة العالم القديم.

وهذا ما يحصل على أرض الواقع.

سر اللعبة في المقاومة. ولكن من الذي يقاوم وكيف؟!!...

أود أن أطرح هذا السؤال بأعلى صوت ممكن..

هل يمكن لحراسة البتون وخطوط العزل أن نعتبرها مقاومة؟.

وهل تقديم التضحيات للاحتفاظ بحدود الكيانات السياسية التي تعود بفضل وجودها لاستعمار مشكوك بنواياه أصلا أن يكون مقاومة؟.

إنه ما دام لدينا مشروع غائب فنحن نقاتل ونضحي، ولكننا لا نقاوم، إنما نحقق لهم أطماعهم بدمائنا.

وأعتقد أن توازن الرعب بين الحركات الإسلامية الجديدة وإيران وإسرائيل هو الذي يجب أن يكون هدفنا التالي.

كيف نتعامل معه لنتحرر من حراسة سايكس بيكو ١ ونباشر بالدخول في سايكس بيكو ٢.

وفي الطور الثاني أمامنا فرصة لنضرب ضربتنا ونفرض شرطا أو إثنين. ولكن هل هذا ممكن في ظل هذا التخاذل الذي أرتجف أمامه...

 

صالح الرزوق

 

في المثقف اليوم