آراء

السياسة والصحافة العراقية في مرحلة المراهقة

emad aliلم نصدق تحرير العراق من ربق الدكتاتورية وتوقعنا كل خير، الا ان ما وقع صدمنا، لقد تخلص العراق من الساسة الشموليين والنخبة والمثقفين من الصحفيين والاكاديميين الحزبيين الموالين دون اية معارضة تُذكر، اي سياسة سلطة دون معارضة في ظل وجود رقيب حدي من قبل السلطة، الى سياسة الفوضى بلا رقيب، ومن صحافة ونتاجات ثقافية والعلوم والمعرفة تئِن تحت نير الرقابة المتشددة للحكومة، الى الرقابة الدينية في جو من الحرية النسبية واهمال ما يهم البلد دون اي اكتراث بمن هو المخلص الحقيقي المستقل المنفتح المعتدل .

ان التخبط الذي حصل ولازال ليس وليد اليوم كما نعلم، لو تمعنا في معرفة السبب نتيقن بانه جاء نتيجة الانفلاق المفاجيء او الخروح من القمقم بقفزة غير متوقعة من جهة، وفي ظل عدم وجود من يتمسك بزمام الامور بنوايا حسنة وامكانية وعقلانية تفيد جميع الاطراف من جهة اخرى، فحلت الفوضى التي لا يعلم احد بانها خلاقة ام لا لحد اليوم . لم يشهد العراق بكل ما في تاريخه من سيطرة الدخلاء وو اللقطاء السياسة والصحافة واندمج بهم اهل الفن والعلم والمعرفة والاقتصاد والتربية والعلوم .هكذا يبدوا ان كل ما تمد يد اي من هؤلاء الذين اقتنصوا الفرصة الذهبية امامهم لكونهم انتهازيين وصوليين من الظروف الموضوعية والذاتية للعراق، واخر ما يفكرون فيه هم مصلحة الشعب العراقي بجميع فئاتهم، وينطلق كل فئة وجماعة باسم مفهوم معين سواء كان دينيا او مذهبيا او عرقيا . المرحلة الاولى التي قضيناها ليست الا الطفولة اللقيطة غائب الابوين من كافة النواحي، ويمكن ان نحس اننا وصلنا الى مرحلة المراهقة بعد مجيء داعش وكيف صب الزيت على النار بجهاده الديني المذهبي الذي استكثر من اللقطاء الحقيقيين جسما وسياسة وصحافة واقتصادا، اي زاد الطين بلة في جميع الجوانب ولم يدع نافذة ليرى من خلالها المتفائلون الافق وما يمكن ان نصل اليه .

ان كان التغيير تاريخيا، فان من اعلن بملكيته له افرز ما يمكننا ان نقول بانه في لحظة ما ابرز هذا التغيير في المرحلة غير المتوقعة والسلطة غير الملائمة والشخصيات المرتبكة للعملية السياسية ومسيرة مابعد ثلاث عقود من الدكتاتورية البغيضة . ذهبت ما يمكن ان نسميها دولة السنة لتحل محلها دولة الشيعة في اخر المطاف كما نراها اليوم دون اي شك . الغريب نرى من يدعي الطائفية والعرقية على الارض وينكره لفظا وهو الامر الناهي داخل وخارج الدولة وهو من يحاضر ويدرس ويعلم بقدرة القادر، اهذه هي الدولة مابعد الضيق والاستبداد والقمع . الدماء التي سالت ليست مستغربة الوقوع لما بدرت من ايدي هؤلاء، فكان بالامكان ان تتجنب السلطة نسبة كبيرة من تلكم الدماء الغزيرة لو تعمقت وسيطرت الثقافة العقلانية والوعي المطلوب الذي تتمتع به النخبة التي ابعدت بنفسها عن ما يحدث، ولم يعلو شان احد الا من المتدينين المتزمتين ومن اصحاب الشان الديني المذهبي والمرجعيات والعشائرية في الفكر والسلوك، فاصبحت الحال هو الواقع المنغمس في فكر من هو الحذر من عودة سيطرة السنة الى سدة الحكم ليس الا، والتشبث باية وسيلة مهما كانت خبيثة، وفي المقابل المنغمس في عقلية استخدام السنة التكتيك المناسب لاستخدام كل السبل من اجل ازاحة الشيعة بمساعدة الاخرين ومن ثم التفرد بالحكم باستقواء خارجي، وما يدعونه من اخافة الناس من ايران والتقارب من الكورد ليس الا لهدف مرحلية لمرحلة قصيرة من اجل كسر شوكة الشيعة وتشتيت قوتهم، وسرت هذه على كافة الجوانب وعلى الشخصيات الاكاديمية والدينية والفنية والاعلامية وحتى الرياضية سواء بشكل مباشر او ضمني من خلال الفعاليات التي يركزون عليها .

ان القلق مستمر لدى المكونات الثلاث وبسبب هنا يختلف عن الاخرهناك، غير ان الشيعة اطمئنوا لحد كبير على سيطرتهم على زمام الامور في العراق لمدى غير منظور على الاقل، وليس امامهم الا استرضاء المكونين الاخرين بعد ازالة شبح داعش وتمكنهم من المناطق الغربية، ولكن صعوبة خطواتهم تشير الى تاخر تحقيق مرامهم . فعليهم ان يفكروا عصريا في امكانية التنسيق والتفاهم دون الضجة التي تؤخر عليهم المهمة، اما الكورد فانهم في قلق دائم ومن حقهم لانهم جربوا الجانبين ولم يستفادوا منهما فلم يُبقي اي طرف منهم امام الكورد الا التفكير في الاستقلال والتحرر من الالتصاق الذي فرض عليهم .

ان قتامة الافق نابع من ان الثقافة العامة الموجودة، والوعي ليس بمستوى يمكن ان ينبثق من يحكم العراق استنادا على العلمانية واسسها وقواعدها لان الاحزاب المسيطرة النافذة هي الدينية فقط واحتمال بقائها لمدة طويلة كبير جدا، وعليه لم يبق امام الجميع الا الانشقاق والاعتماد على الذات واختيار السلطة الملائمة والفكر والفلسفة التي تمكنها من الاسترخاء والاستقلالية والابتعاد عن القلق المستشري في ذهنه الان .

من ما سبق يمكن ان نستدل ان الحكومة والمرحلة الحالية هي ما تتمتع بسمات المراهقة وافرازاتها وتحتاج لمدة كي تنضج ويصل الجميع الى المُراد بشكل ما . ويمكن ان يتاكد الجميع في اخر الامر بان العلمانية هي الحل ان تترسخ ارضية نجاحها تقريبا مستقبلا ولكن كل المؤشرات تدل على عدم امكان بروزها واتخاذها طرقا سليما لدى السلطات المقبلة الا في الوقت البعيد الاجل، وعليه يمكن لكل من لا يمكنه الانتظار ان يخطو بما يحلو له ويفيد من يؤمن به .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم