آراء

رسالة إلى عمار غول: اسكت يرحمك الله!

inas najlawiمنذ ما يقارب السنتين، قررت "الصامتة الكبرى" أن تتوقف عن الصمت وترد على كل من يحاول التطاول عليها والمس بهيبتها. وحين يرمي القايد صالح قبعته الخضراء على الطاولة تتطاير أوراق لعب الأرانب السياسية ويستنفر الجميع. فمازالت رسالة التهنئة والتأييد التي أبرقها القايد إلى عمار سعداني بمناسبة نجاح المؤتمر العاشر للجبهة وإعادة انتخابه أمينا عاما تصنع الحدث وتلوكها الألسنة. وأحدثها -وليس آخرها- كان لسان عمار غول الذي ارتأى في شهر الصيام أن يفطر على الكلام (الهزلي) وأن يجرب قدراته في فن إلقاء النكت بعد أن أثبت مهاراته في "التنكاز" من وزارة إلى أخرى، خاصة وان الساحة خالية بعد اعتزال سلال التنكيت.

يبدو أن غول غلبه رمضان في أول أيامه و(حكم عليه) فخرج على الملإ يصيح: "سعداني ماهوش خير منا، حتى أنا نعرف ندير مؤتمرات صحفية ونهدر على أعمامنا اللي فوق، حتى أنا يعرفوني مليح ويهدروا معايا في التلفون وزيد يلعبوا معايا البالو"!!

غول، الشهير بصورته يعتلي منبر مسجد مرتديا عباءة صفراء فاقع لونها لا تسر الناظرين، توشح مطلع هذا الشهر الفضيل بدلة اللاعب الأساسي وعباءة الفاهم العارف بكل الخبايا وثيق الصلة بدوائر الحكم، لدرجة خالها صلة رحم فنادى نائب وزير الدفاع "عمي صالح"!! 

جمع غول أهل الصحافة والإعلام ليستعرض علاقاته الشخصية الطيبة والوثيقة مع أصحاب البارود من الظاهرين واللامرئيين على حد السواء، وليفنّد -من موقع اطلاع ودراية- وجود صراع أجنحة في هرم السلطة ويجزم انه "لا يوجد اي مشكل"، في تذكير ساخر بالمقولة الشهيرة التي نسبت إلى الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد "البلاد اللي مافيهاش مشاكل ماهيش بلاد"، ونحن بحسب غول "ماعندناش مشاكل والحمد لله"!!

يرى الوزير السائح بين الوزارات أن لفتة "عمي صالح" مجرد رسالة برتوكولية عادية لا تحمل اي مدلولات ولا تساوي أكثر من الحبر الذي كتبت به! والأغرب أنه لا يجد اي فرق بين مبادرة أويحيى للتحالف الرئاسي ودعوة سعداني إلى جبهة وطنية موحدة!!

غول الذي لا يولي تصريحاته السياسية تلك الأهمية التي يوليها لصبغات شعره وشلاغمه، ليته يفكر قليلا قبل أن ينطق -كفرا- وليته يتوقف قليلا عن اللعب ويخصص بعض الوقت لقراءة مساهمة عمار خليفة في -موقع TSA- والذي تعمق في تحليل رسالة رئيس أركان الجيش وخلص إلى أنها عامل استقرار وثبات على الأسس التي قامت عليها الدولة الجزائرية، واعتبر تهنئة المجاهد قايد صالح للامين العام لحزب جبهة التحرير الوطني بادرة وطنية وتجديدا للعهد مع مبادئ نوفمبر54، ويندرج هذا التلاحم العاطفي والسياسي ضمن ديناميكية تاريخية تتجاوز الحسابات الحزبية والمسائل الانتخابية.

ثم عرّج رئيس تاج إلى السعيد نافيا أن يكون قد أطلعه يوما على نيته برئاسة الجزائر أو طلب مساعدته لبلوغ ذلك!! ما بال أويحيى وغول صارا ناطقين باسم السعيد؟! من جهة يؤكدان عدم شغور كرسي الرئاسة ومن الجهة الأخرى يروجان لمسألة التوريث! الأمر سابق لأوانه لأنه مازال باقيا 4سنوات على انتهاء العهدة الرئاسية، وشقيق الرئيس كأي مواطن جزائري بإمكانه تقديم ملف ترشحه لأي منصب في حال توفرت فيه الشروط المطلوبة والرغبة.

استغل غول انتهاج مدير المخابرات الجزائرية سياسة عدم الظهور وعدم الرد واعتماد تكتيكات أيام الحرب الباردة الغابرة، فراح ينسج القصص الخيالية عن لياقة الجنرال البدنية وبراعته الكروية الخارقة التي تشهد عليها مبارياتهما الأسبوعية الثلاث (يعني ما تقولي ميسي ولا رونالدو، الغول والتوفيق هوما المخير في كلاسيكو استهلك جزائري)!!

لا ندري إن كان غول لاعب كرة ماهر كما يدعي، لكن الأكيد أن البهلوانية ليس مجالها السياسة وحيلة مسك العصا من المنتصف مكشوفة للغاية. ربما قد يكون حسه الدعابي (والذي أجده سامطا) عامل جذب لانتشال السياحة الجزائرية من مستنقع الركود، لكنه بالتأكيد لن ينجح في أن يبيعنا الوهم لأن الذي يلتقط صورا مع العلب السوداء لطائرات منكوبة وهو يبتسم ملء فيه، لن يأخذه الشعب على محمل الجد حين يخوض في أمور علية القوم وشؤون البلاد.

شمس سعداني الساطعة تحرق الكثير حتى داخل الموالاة نفسها، لكنه لم يصبح الرقم الأصعب في المعادلة السياسية اعتباطا ولا بفبركة الحكايات، لذا فإن محاولات غول -أو غيره- تقليده وبلوغ منزلته مآلها الفشل الذريع، فشتان بين الجرأة السياسية واللعب على كل الحبال.

رئيس حزب تاج نصب نفسه ملكا بلا تاج في مملكة المزايدات، فهو موضع سر السعيد وشريك التوفيق وقريب القايد وصديق الجميع، لكن ليس نيل المطالب بالتمني. والأحسن له أن يغمس رجليه في ماء بارد ويعوذ بالله من وساوس الشيطان ويصوم عن الكلام.

 

  بقلم: إيناس نجلاوي  

 

  

في المثقف اليوم