آراء

هل اللاوعي العربي مليء بالعنف؟

emad aliلا شك ان الثقافة بشكل عام او النظرة الى الحياة وما فيها ليست وليدة يوم او مدة قصيرة عند الفرد، ولابد للفرد ان يكتسب تربيته واخلاقه وسماته وصفاته خلال سنين عمره من البيت والشارع والمدرسة ومكان العمل وكل اماكن التواصل الاجتماعي الواقعي ومن ثم في المرحلة الحديثة من الاعلام المتنوع. والاهم انه يتوارث ما مرٌ به تاريخ ابائه واجداده من الوالدين عبر معايشتهم او حتى يمكن ان يدعي الكثيرون عبر جيناتهم، ومن ثم العائلة والاقرباء والمقربين اليه من خلال تعلمه ما في خلفياتهم من خلال سلوكهم وتعايشه معهم .

بالقاء نظرة فاحصة على ما يحدث على الارض وفي وسائل الاعلام من البرامج التي تلقى نجاحا واسعا ومنها التي تخفق يمكننا ان نكشف عن عقلية الانسان العربي واللاوعي الذي يخزنه وكيفية تفكيره وما اثر عليه في نشاته حتى بلوغه .

الاكثرية الساحقة من المجتمع العربي يحتاج الى تغيير في نظرته الى الانسان وفي عقليته بشكل جذري، فان المآسي والعنف ومشاهد القتل والتمثيل بالجثث والتعذيب والتشويهات التي يراها دون ان يتاثر من داخله وربما من يفعل ما انكره بالامس، لا يستنكرها من منظور العقل الانساني الذي لا يمكن ان يواجه هذه الحالات ولا ينكره فعلا وقولا بل ربما يستنكره نظريا من موقع والفكر التشفي ان اعتبره دوا او انه يشفق عليه ان كان صديقا او قريبا، وهو في حال لا يمكن ان ينافسه في حياته فربما يقترب من التعامل الانساني اليه، والشفقة ليست بالانسانية النقية التي لا يمكن ان تنبت الا من خلال جو وبيئة ومجموعة متمتعة بما تتطلبه صلب العقلية الانسانية .

في هذا الشهر الذي تُعرض فيه المسلسلات والمسماة بالبرامج الترفيهية والارهابية المحتوى والايعاز، الم نرى البرامج التي تلقى نجاحا ساحقا وتكسب ما لا تكسبه اي برامج وعاظية او علمية او ترفيهية هادفة وصالحة للعقل السليم، من لم ير المقالب السفيهة العدوانية والتي تضحك عليها الاكثرية الساحقة من المشاهدين ولا يمكن ان تمر عليهم دون ان يتمعنوا فيه ليشفوا غليلهم من خلال العنف بطريقة ما يمكن ان نسميه ترفيهية الا انها تعبر عن داخل هذا المجتمع المبني على هذا التوجه، وهو الاستناد على تعذيب الاخر لاي سبب كان، ويجب مقارنته بمقالب الاخرين التي لا تحمل اية اذية للنفس والجسم الانساني في اماكن اخرى .

هذا الواقع المليء بهذه النفسيات وبنسبة ساحقة يحتاج لثورة ثقافية علمية ان تجرف ما في نفس الانسان العربي والشرقي بشكل عام من الاساس التي بنيت عليه نتيجة الظروف الموضوعية والذاتية التي عاشها في سنين عمره الضائعة .

علم النفس يؤكد على ان النفسية البشرية الناشئة في بيئة وتاريخ وثقافة تكتسب ما موجود على الارض من البنى الفوقية المسيطرة والبنى التحية المثبتة لما موجود ويخزنه في اللاوعي الانساني على مرور الزمن . لم تكن الاعراب في الجزيرة العربية الا صيادين والغازين للاخر من اجل الحصول على لقمة العيش من جهة وليشفوا غليلهم من ما اثرت عليهم من السمات التي تكسبهم اياها الظروف الجغرافية القاحلة والاحساس بالوحدة والفراغ في الصحراء . وهكذا خزنت هذه الصفات وتوارثت وعمت على المطقة من خلال الغزوات ونشر ما سمي بالدين الصلاح وهو القهر والخراب من اساسه . ومن خلال القتل والتشريد للمنظمات الارهابية وما يهتم به الانسان المدني الذي يعرف نفسه بالمسالم من بيته والعلاقات الاجتماعية وما فيها والخلافات التي تؤدي الى المشاحنات في نهاية الامر وبشكل بسيط وسهل الى القمع والقتل، ويمكن لاي متابع ان يكشف ما المخزون النفسي والفكري في اللاوعي المريض للانسان العربي في المنطقة، ولهذا نرى انهم وحتى ان نزحوا وهجروا الى مناطق اخرى اكثر رقيا الا انهم يتصارعون مع انفسهم لما يخزنون ويكنون من البغض والشدة والكره مع البيئة المعادية لتلك الصفات والتي تغيرت مع مرور الايام هي ايضا، لذلك يصعب على بعضهم التغيير ويصرون على ما اكتسبوا من ارضهم والدليل هو انضمامهم الى المنظمات الارهابية بكل سهولة .

هذا ما يدلنا على ان الواقع العربي مليء بما يحتاج والاصح هو ما يستوجب ازاحته ومسحه من المثبتات قبل المتغيرات، كي ننظف اللاوعي والمتوارث من الاجداد من المحفزات على القتل والكره والعيش على انهاء الاخر من اجل الذات دون اية عقلية للبناء المستند على المشاركة والتعاون، والعقلية الانسانية التي تحتاج للتسامح والتعايش قبل اي شيء اخرلا يمكن بنائه على البغض والخلفية او اللاوعي المريض بسمات العنف والقمع والقتل . لذا، اننا نقول ان التشخيص لما نعيش فيه من الامراض سهل ولكن العلاج يحتاج لمدة طويلة وبآليات علمية مناسبة، هل نحن بصدد التغيير ام نزيد الطين بلة، ومتى نبدا التغيير لبناء الانسانية ؟

    

في المثقف اليوم