آراء

الوطن بين سياسي احول عقل ومواطن اثول

qassim salihyيعني (الحول) بالمفهوم العام عدم وضوح رؤية الاشياء بسبب خلل في عضلات العين.وبهذا المعنى يكون الحول العقلي عدم وضوح الأفكار والرؤى بسبب خلل في عقل المصاب به. وتختلف مستويات هذا الخلل بحسب حدتها، من الشيزوفرينيا بانواعها .. الى البرانويا بانواعها .. الى الدوغماتية التي تعد علّة الحول العقلي لدى معظم السياسيين العراقيين.

ومن متابعتنا لأقوالهم وأفعالهم وجدنا ان اكثر اعراض الحول العقلي .. الادراكي لديهم تتمثل بالآتي:

• يرى ايجابيات جماعته ولا يرى سلبياتها، ويرى سلبيات الجماعة الاخرى ولا يرى ايجابياتها،

• يرى جماعته على حق دائم والجماعة الأخرى على باطل دائم،

• يحمّل الجماعة الاخرى اسباب الفشل السياسي وخلق الآزمات،

مع انه شريك فاعل في خلقها،

• لا يعترف بخطئه .. فيقين الاحول عقل، ما يراه فقط وليس ما هو واقع.

وسياسيا، كان سبب هذا (الحول) هو بريمر بتشكيله مجلس الحكم على مبدأ (التثليث).ولأن الوضع النفسي في حينه كانت تحكمه (سيكولوجيا الضحية والجلاّد) .. حيث الشيعة والكورد هما الضحية، والسنّة هم الجلاّد .. فان الامور تطورت الى احتراب طائفي سخيف وصل فيه عدد الضحايا في احد ايام تموز 2007 مئة روحا بريئة كان الفرد فيها يقتل لمجرد ان اسمه حيدر او عمر او سيروان.

ومن متابعاتنا " الفضائية" تبين أن في البرلمان افرادا مصابون بعصابيات مرضية.فمنهم من لديه ميول سادية، وآخر شعور بالمظلومية، وثالث يغلي في داخله برميل حقد .. وغالبيتهم يمارسون "الأسقاط" .. اعني ترحيل عيوبهم ورمي الفشل على الآخر، والانشغال بالتنقيب عن رذائل المقابل وتنزيه نفسه مع ان فيه من الرذائل ما لا يقلّ عن صاحبه .ولهذا كان البرلمان مصدر احباط وتصعيد للتوتر بين الناس بدل ان يكون مصدر تطمين لهم. والواقع ان البرلمان العراقي لا يمثل الشعب بل هو نتاج البرانويا التي اشاعتها الشخصية السياسية، لدرجة ان جماهير الشيعة التي وصلت حد الجزع من سوء حالها الحياتي والخدمي (لحكومة شيعية) .. صارت تأتي بسياسي طائفي قليل الخبرة لأنه نجح في اخافتهم بأنهم ان لم ينتخبوه فأن " السنّة" سيفنونهم .. وقل الشيء نفسه عن جماهير السنة.

وما يزيد من حماقة البرانويا السياسية انها اذا طبخت على نار الطائفية والعرقية صار شفاء اصحابها قريبا من المستحيل.وبالصريح المرّ فان الشخصيات السياسية العراقية الحالية غير قادرة على ان تقتلع شكوكها وتحسن الظن بالاخر، لان البرانويا برمجت خلايا ادمغتهم بثلاث عقد عبر الزمن:عقدة انتاج الخوف الموروثة من الماضي، وعقدة الرعب المعاش في الحاضر، وعقدة توقع الشر والافناء في المستقبل .. ونجم عنها، سيكولوجيا، ان حسابات الجميع صارت تستخدم آليات الربح والخسارة، في بيئة صراعية ليس فقط بين السياسيين المحسوبين على طائفة او قومية بل وبين كتل واحزاب الطائفة الواحدة والقومية الواحدة حتى لو كانت بحدود المليون فردا!

والأثول، بالمفهوم الشعبي العراقي، هو الغبي الذي يكرر الخطأ ولا يعرف مصلحته.والمقصود به هنا .. جماهير الشيعة والسنة الذين شاركوا في الانتخابات التشريعية الثلاث، وتحديدا .. كل من انتخب مرشحا للبرلمان لكونه ابن طائفته مفضلا له على مرشح يحمل دكتوراه في الاقتصاد السياسي حتى لو كان ابن طائفته ايضا، ولكنه من غير عشيرة.

واسخف حالة (للثول)الشعبي العراقي تلك التي جسدتها الحلقة السابعة من المسلسل المميز (سيلفي) بعنوان اقلاع اضطراري(مساء 24/6) .. خلاصتها .. ان شابين يلتقيان صدفة في المطار .. فيحب احدهما الاخر لأن كليهما يحبان اقامة العلاقات مع الفتيات الاجنبيات، والسهر والشرب.ويتباهى (ناصر القصبي)بان له خبرة ممتازة في الانحراف والاماكن المشبوهة والمراقص .. تجعل صديقه ينبهر به .. فيقول له بانه مستعد للانحراف ومحتاج من يضعه على الطريق .. وهو يكمل الباقي.

يصعدان الطائرة .. يتحدثان .. فيسأل (ناصر) عن اسم صاحبه فيقول له:عبد النبي عبد الزهرة حسين، ويسأله عن اسمه فيجيبه:يزيد بن عمر .. ومن هنا يبدأ كلاهما بالهجوم على معتقدات الآخر .. وتسخيفها .. من زواجي المتعة والمسيار الى لقبي الروافض والنواصب .. وينتهيان الى عراك بالايدي داخل الطائرة.

عند الهبوط .. يحتجزانهما في المطار ويبدأ المحقق الاجنبي معهما مستفسرا عن السبب .. فيخبره المترجم انهما تشاجرا بسبب (الحسين ويزيد) .. فيأمر المحقق باحضاره (حسين ويزيد) للاستجواب .. فيجيبانه بانهما ماتا من 1400 سنة .. يندهش المحقق ويصدر ابلغ قرار:

يحالان الى مستشفى الامراض العقلية!

وتلك هي حال الوطن .. ضاع بين سياسي احول عقل ومواطن اثول .. واخشى ان يأتي يوم يكون العراق، بسببهما، غير موجود على خارطة العالم.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في المثقف اليوم