آراء

"طريق الشعب" أم طريق الشغب

يقول رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون جيرجل "لن تستطيع أبدا أن تبلغ وجهتك (تصل إلى هدفك) إذا ما توقفت في كل مرة لترمي حجرا على كلب ينبح"..هذا القول ينطبق على حال الزعيم السياسي ومنهم السيد نوري المالكي أما الكتاب فقدرهم أن يتوقفوا ليرموا حجرا على كل كلب ينبح..

"طريق الشعب" هي لسان حال الحزب الشيوعي العراقي لمن لا يعرف لأني أتوقع أن لا يعرف ذلك كثيرون خاصة من جيل الشباب الذي لم تنتقل إليه الشيوعية بالوراثة... و لا أدعوا هؤلاء للتأسف فهم لم يفتهم ما يستحق التأسف عليه فمعالجاتها ليس فيها أي عمق في النظر إلى الظواهر السياسية والاجتماعية السائدة في المجتمع العراقي....

واحدة من مآثر "طريق الشعب" الأخيرة والذي اعتبره من تيجان عارها الكثيرة هو ما نشرته نقلا عن موقع إيلاف السعودي تحت عنوان " إتهام المالكي للصحابة بالإرهاب يثير عاصفة رفض"(1). وبالطبع وكالعادة اشتغلت ماكنة المال- الإعلام السعودية لتحث خدمها الذي هم زبائنها في آخر الليل من سائل إعلام و"مؤسسات"   ليثيروا ما أثاروه من اللغط في هذه اللحظة بالذات حيث تطبق القوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي وأبناء العشائر على خناق داعش في الفلوجة والرمادي ذلك لأنه ثمة علاقة بل علاقة وثيقة بين هذه الضجة وما يجري على الأرض حيث يصبح خيار "الداعشيين " بين الموت أو الاستسلام ما لم يكن هناك من منقذ لهم، ومن يكون منقذهم غير السعوديين؟كيف؟ باستجلاب المزيد من المتطوعين ومن مختلف دول العالم للقتال في العراق وتشكيل ضغط على القوات العراقية المقاتلة و هؤلاء بحاجة إلى ما يستفزهم في يعتبرونه معتقدهم الذي "أهانه" الشيعي نوري المالكي !! هذا ما يهدف إليه الخبر الذي نشره موقع "إيلاف" وتلقفته "طريق الشعب" باستهبال ما بعده استهبال ما لم يكن في الأمر رزمة من الدولارات تتلقفها "الأيادي النظيفة" الذي لم تتسخ بأموال الملا مسعود !

هنا يغيب على "طريق الشعب" التي اختطت طريق الانحراف عن مصالح الشعب العراقي- انطلاقا من حقد غير مبرر على شخصية سياسية لعبت دورها وتقوم الآن بدور تشريفي لا أكثر- يغيب عنها الخطر الذي يشكله ترويج مثل هذه الأخبار على المقاتل العراقي الذي يبذل دمه من أجل أن ينعم حميد مجيد موسى - الذي يبدو أنه لم يعد له حول ولا قول بعد أن خضع لمشيئة الملا مسعود وفخري كريم - بالأمن هو وعائلته وأنصاره الشيوعيين الذين لم يبق لديهم سوى مواصلة ما اعتادوا عليه من عقود وهو التلويح بالأعلام الحمراء وإقامة الحفلات...

وكما يلاحظ من يقرأ الخبر أنه يبدأ بنقل نفي المكتب الإعلامي للسيد المالكي من أن الأخير ينوي الذهاب إلى السعودية للتعزية بوفاة سعود الفيصل ثم بعدها يعرج على موضوعة الحديث الذي يتضمنه عنوان الخبر...وبالطبع أن من صاغ الخبر –سعوديا كان أم من نياقهم التي يركبوها –أراد القول أن من "يأنف" لنفسه التعزية بسعود الفيصل أنظروا ما ذا يقول !

و"طريق الشعب" هذه هلا تملك مختصا واحدا بالتاريخ الإسلامي يتناول ما قاله المالكي بالنقد من وجهة نظر مادية تاريخية عندها لا يهم إن كان نقده ايجابيا أم سلبيا لما قاله المالكي طالما كان يستند إلى "النظرية العلمية" التي لا يبدو أن أحدا من "طريق الشعب" يعلم بها؟

هنا سأحاول قول ما أعرفه - وهو قليل – فيما يخص ما قاله المالكي اعتمادا على النص الذي نقله موقع "إيلاف" والذي لم أجد غيره رغم بحثي في غوغل وهو محرك بحث يسهم السعوديون في رفده بالمال ليصعب على الباحث إيجاد ما يسئ لآل سعود (هكذا كانت تجربتي)...

لنأخذ هذه الجملة التي اقتبستها من نص "إيلاف –طريق الشعب" ولتي تقول: ""الحلف الذي تشكل من وضاع الحديث ومن الذين يفسرون النص ويلوون عنقه حتى يضطهدوا الأمة ويشيعوا أجواء الرعب. والإرهاب مستمر".

في هذا النص ليس هناك أي إشارة إلى أن المالكي هنا يتحدث عن الصحابة لأنه في زمنهم لم تكن بعد قد ظهرت مشكلة وضع الحديث وهي ظاهرة انتشرت بعد تسلم الأمويين الخلافة وكانوا في صراعهم مع آل بيت الرسول بحاجة إلى أحاديث وإلى تفسيرات للنص القرآني تمنحهم الشرعية الدينية في الحكم ونحن نعرف أن الخليفة عمر بن الخطاب كان يمنع من الإكثار من الحديث نقلا عن الرسول (ص) لأنه –حسب رأيي- كان قد أدرك مبكرا أن كثرة الحديث من شأنها أن تضيع النص الأصلي (القرآن) وتنقل المصادر التاريخية أنه كان يقول لأبي هريرة عندما يراه يحدث: "أترغي رغي البعير"... وكان أبا هريرة يقول بعد وفاة الخليفة عمر : لو كان عمر حيا ورآني أحدث لضربني.

و لا شك ان حاجة بني أمية (وكذلك العباسيين في فترة لاحقة) لأحاديث وتفسيرات تعضد شرعيتهم يتطلب منهم أن يكون لهم نخبة من المقتدرين فكريا ولغويا ليقوموا بالمهمة و لا أدري إن كان المالكي يقصد هذه النخبة عندما يتحدث عن "حلف"...أما الاستنتاج الذي توصل إليه المالكي والذي مفاده أن الحلف كان هدفه هو "إشاعة أجواء الرعب" ربما قاله وقد غلب على تفكيره الحاضر بقوته والممثل بإرهاب "داعش" وقبلها "القاعدة" وفتاوى "أئمة" آل سعود التي بررت لهم ما يفعلوه ودليلي بذلك هو قول المالكي بعدها "والإرهاب مستمر" أي أنه يربط بين ما فعله واضعو الحديث لتبرير ما كان يفعله الأمويون في الأمس وبين الفتاوى التي تصدر من شيوخ الوهابية لتبرير أفعال "داعش" اليوم....

ولنأتي الآن على الجملة الثانية التي تقول حسب نص "إيلاف - طريق الشعب": ""لا يوجد عندنا شيء اسمه قرآن فاطمة، لكن الآيات التي كانت تنزل على فاطمة والصحابة حين يسجلونها كانوا يضعون شرحا لها على الهامش وهذا الهامش كان يكشف كثيرا من المنافقين".

هنا يوجد الكثير من الغموض بالنسبة لغير المختص أو غير الملم بالفهم الشيعي لعملية جمع القران فأنا لم أسمع كما لم يسمع المالكي بشئ أسمه "قرآن فاطمة" ولا أدري ما الذي يقصده المالكي عندما يقول "الآيات التي كانت تنزل على فاطمة والصحابة ...إلخ" و لا أدري إن كان يقصد آيات نزلت بحق السيدة فاطمة أو بعض الصحابة أو أنها آيات قرآنية كانت السيدة فاطمة جمعتها ولم يؤخذ بها أما بالنسبة للشروح التي كانوا يضعونها فالمتلقي بحاجة إلى مزيد من التوضيح ومن المقصود "بالمنافقين الذين يكشفهم النص"؟...طبعا أنا أقول ذلك واستطيع أن أتصور أن المالكي يعتقد –وكذلك يعتقد بعض الباحثين بالاستناد إلى مصادر تاريخية- أن هناك نصوصا قرآنية لم يتم جمعها... وفي كل الأحوال لا يوجد في ما قاله المالكي من تعرض للصحابة بسوء ولم ينتهك محرمات ربما عدا محرمات الوهابية التي تبدأ و لا تنتهي بل ما نراه هو إطروحات تستفز العقل العادي (النائم منذ قرون) وتحثه على التساؤل والسؤال...

أما حرق الخليفة عثمان بن عفان بعض النصوص القرآنية التي أوتي بها عندما أمر بجمع القرآن فهذا ما ترويه كتب التاريخ وهي ليست مصادر شيعية حصرا...

وقد يسأل قارئ: لماذا أقحمت نفسي فيما ليس لي به باع وهل تبرير ما يقوله المالكي هو شغلي الشاغل؟وجوابي هو الاستفزاز الذي يتعرض له من مثلي على مستويين: الأول هو أن تتناقل صحيفة ك"طريق الشعب" الخبر عن مصدر سعودي مصاغا بطريقة يراد بها إثارة الناس ضد العراقيين جميعا وليس ضد شخص لأن تبعات تصديق ما نشر والتأثر به من قبل أعداد كبيرة من الجهلة في العالم العربي والإسلامي والذين أصبحوا مصدرا لمد "داعش" بالرجال وبالانتحاريين ومن الأغنياء الذين يجدون في تمويل "داعش" خدمة للإسلام يدفع ثمنه جميع العراقيين بمزيد من الدماء وبذلك يساهم الشيوعيون في إراقة دماء العراقيين لا لشئ سوى موقف لهم من شخص كان في الماضي القريب رئيسا للوزراء وهنا لا بد أن أضيف معلومة للقارئ الكريم ليرى مدى سوء النية لدى الشيوعيين..أن هذا الشخص الذي إسمه نوري المالكي هو أكثر شخص من الزعامات السياسية المعروفة أقر بأن الشيوعيين تعرضوا لمظلمة لا قولا بل فعلا وقد أعيد في زمنه كل الشيوعيين إلى وظائفهم وعوضوا مبالغ طائلة عن سنوات الفصل أو السجن بمجرد أن يأتي المدعي بتوقيع من مسؤول شيوعي يقر له بذلك بل أن بعض المسؤولين الشيوعيين منح هذا التوقيع –الشهادة – لأناس بعثيين بدرجة عضو فرقة أعيدوا بفضل ذلك التوقيع لعملهم....فعل المالكي ذلك في وقت لم تكن آلاف مؤلفة من معتقلي رفحة ومن السجناء السياسيين الشيعة قد أخذوا حقوقهم وظل مشروع القانون الذي ينصفهم مدة طويلة في أدراج رئيس البرلمان وفعل المالكي ذلك في وقت لم تقدم زعامة الحزب الشيوعي أي مقترح للبرلمان لإنصاف الشيوعيين وتركتهم عرضة للاغتيالات على يد البعث في المناطق ذات الغالبية السنية من دون أن تمدهم بأية وسيلة دفاع عن النفس وليومنا هذا لم تعمل على فتح ملف من اغتيل من الشيوعيين لينال القاتل جزاءه...

أما المستوى الثاني فأصيغه بسؤال: لماذا لا يتحول حديث إنسان في مناسبة معينة عن التاريخ (وهنا يجب الإقرار أن المالكي لم يلتزم بما يكفي من الحذر في صياغة ما يقول في هذا الظرف الحساس وكذلك يجب أن يفعل كافة الساسة الشيعة بشكل خاص) يتحول إلى فرصة مناسبة لممارسة النقد إزاء الموروث التاريخي شيعيا كان أم سنيا على الأقل من طرف العلمانيين فممارسة كهذه يفترض بها أن تخدمهم طالما كانوا يناصبون العداء الأعمى للتيار الديني بمختلف تلاوينه بدلا من أن يستغلوا هذه الأطروحات غير آبهين لحقيقة أن من يروج لها وبالطريقة التي رأيناها هم أطراف خارجية موغلة في الدم العراقي؟ وهنا قد يقول قائل: ولكن من يلام هو المالكي الذي لم يراع الظرف فيكون جوابي: لو كانت "طريق الشعب" قد تناولت ما قاله المالكي بالنقد العلمي وانطلاقا من المصلحة الوطنية وليس الترويج لإعلام آل سعود لما كان لنا كلام في ذلك بالأصل ولربما كنا اتفقنا مع ما تطرحه...

إنما فعلته "طريق الشعب" يتسم برجة كبيرة من الصبيانية والافتقاد للإحساس بالمسؤولية وليس قولها بمانشيت كتب فوق الخبر المنشور يقول .."تعبر عن وجهة نظر مصادرها فقط" إلا من غرائب عالم الإعلام ذلك أن الأخبار التي تختار وسيلة إعلام نشرها لا بد وأن تعبر عن أو تكون قريبة من موقف وسياسة وسيلة الإعلام تلك ومن الطرف الذي تمثله أو تعبر عنه سواء كان حزبا سياسيا أم مؤسسة وإلا يصبح لزاما على طريق الشعب وفق هذا المنطق أن تنشر أخبارا وآراء معادية للحزب الشيوعي طالما كانت تعبر عن وجهة نظر قائلها ولطلبت منهم ان ينشروا هذه المقالة عملا بنفس المبدأ....

 

http://www.iraqicp.com/index.php/sections/news/30

679-2015-07-13-07-01-20 رابط الخبر في "طريق الشعب"(1)

 

وليد شاكر العبيدي

 

 

في المثقف اليوم