آراء

الشعب العراقي وإِرادة التغيير

mohamadjawad sonbaإِنَّ الوعي الجماهيري هو الدعامة الرئيسية، التي تستند عليها كل عمليّة تغيير اجتماعي، سواءً كان على المستوى الفكري أو الثقافي أو العقائدي أو السياسي أو الاقتصادي أو السلوكي. هذه الدعامة تشكل منطقة الخطر الحرجة، التي يخشاها كلّ من لا يُريد، حصول أيّ نشاط تغييري اصلاحي في مجتمعه، على مستوى الأفراد أو الجماعات.

و العراقيون على اعتاب البدء، بعملية التغيير السياسية، فبعد حالة من السُّبات مرّت بها أطياف الشعب العراقي، بمختلف مكوناتها وانتماءآتها، استمرت قرابة العَقّْد من السنين. هذه السنين العجاف الطويلة، كانت مخاضاً لولادة تجربة سياسية فاشلة، خيّبت ظنون الأعم الأغلب من ابناءالشعب العراقي.

فقد سجلت هذه الحقبة من تاريخ العراق، اخفاقاً منقطع النظير في مجال العمل السياسي والاقتصادي والتعليمي والثقافي والعمراني، والقائمة تطول اذا ما استمرينا بعدّ السلبيات. كان الفشل من حصة جميع الكيانات والمكونات السياسية، التي انتجت العملية السياسية دون استثناء. فاصبح الفساد السياسي والمالي والاداري، سمة مميزة لتاريخ هذه الفترة التاريخية البائسة.

بلا شكّ ان الشعب العراقي، قدّ أسهم بصورة مباشرة، على تعقيد الوضع على نفسه، بسبب حالة السكوت والركون الى وعود السياسيين، سنة بعد أخرى. لمّْ يَفُقّْ الشعب العراقي من غفوته، إلاّ بعدما تفاجأ، بأن الواقع الاقتصادي للبلاد أصبح واقعاً مأساوياً. فالعراق على شفا حالة من الافلاس التام. وللأمانة فان عدداً لا يتجاوز عدد أصابع اليدين من النوّاب، ومثلهم من المسؤولين الحكوميين، كانوا يتكلمون بصراحة تامّة، عبر وسائل الاعلام المختلفة، كاشفين للرأي العام العراقي، اسباب تردي الخدمات، وما يتّصل بكل الجوانب الحياتية، للمجتمع العراقي. لكن المؤسف ان الشعب العراقي، ظلّ يعيش حالة من الاسترخاء والتكاسل، لتغيير واقعه نحو الأفضل. ولم يتحرك مطالباً فعلاً، بالتغيير والاصلاح ومحاسبة المفسدين، إِلاّ في نهاية شهر تموز 2015.

يبدو أن الوعي الجماهيري، بدأ يدخل في مرحلة النضوج، وتفهم أبعاد الواقع الذي انتج، ضياع ثروات كل الشّعب العراقي. ولعلّ من المناسب أن أذكر، أن حجم الأموال المهدورة، التي أكلها الفساد الحكومي، بلغت حسب تقديرات المختصين بحدود (800) مليار دولار، للفترة (من2004 لغاية 2014).

إذن مرحلة نضج الوعي عند الشعب العراقي، قد كلفت العراقيين احراق مبلغ قدره (800) مليار دولار، حتى بدأ العراقيون يستوعبون حجم مأساتهم الاجتماعيّة. لكن مع تلك الخسارة الفادحة في المال العامّ، فان الجماهير العراقية الواعية خطت الخطوة الأولى بالاتجاه الصحيح.

هذا المؤشر يشير لبداية تشكيل مرحلة تاريخية، من تاريخ العراق السياسي الحديث. وهنا لابدّ أن نضع الركائز الأساسية التي تستند عليها المرحلة القادمة، ليكون الشعب العراقي على بيّنة تامّة، لمستقبل الخطوات التي يريد تحقيقها. وهذه الركائز حسب رؤيتي للواقع عن كثب هي:

1. أن تتحرك الجماهير باصرار، باتّجاه التغيير الجذري للواقع العراقي. وأن يكون على رأس قائمة التغيير، تغيير الواقع السياسي، الذي يعتبر قاعدة الهرم، التي تبنى عليها أسس الدولة (ككيان هيكلي تنظيمي)، والسلطة (ككيان تنفيذي)، سواء كان ذلك على مستوى تغيير هيكلية النظام السياسي، أو بنيّة النظام السياسي.

2. أن تلتزم الجماهير المنادية بمسيرة التغيير، بكل المعايير المدنية الحضاريّة، وكافة الضوابط القانونيّة، وان تتحرك على اساس ان الدستور العراقي، قدّ ضمن لها حق الاعتراض والتظاهر، وهي ملتزمة بالانضباط والمحافظة على النظام العام والقانون.

3. أن تعتقد الجماهير الغاضبة، والراغبة بتغيير الواقع نحو الأفضل، بأن الانتماء للعراق فوق كل الانتماءآت الأخرى، حتى نخرج من حالة تكريس، متطلبات الطائفية والمحاصصات السياسية.

4. أن لا تقف الجماهير العراقية، عند حدود تحقيق الاصلاحات الخدميّة، فان أُسَّ المشكلة، يكمن في الممارسة السياسية، التي انتجت حكومات فاشلة مكبلة بقيود التوافقات السياسية المقيتة، بعيداً عن النظرة الشاملة، لمصلحة عموم طبقات الشعب العراقي.

5. حذار من الانزلاق في دوامة الفوضى والأعمال العبثيّة، فان في ذلك أُمنيَةَ كلِّ الفاسدين والمفسدين، الذين يتربصون بافتعال أزمة معيّنة، تؤدي إلى انفلات المتظاهرين، والقيام بأعمال عدوانية، تطال المال العام ومؤسسات الدولة. حتى تنفرط الوحدة الوطنية والاجماع الوطني، الذي عبأ الجماهير للخروج الى الشارع، والتعبير عن احتجاجها بسبب تردي الواقع العراقي المؤلم. وان حدث ذلك (لا سمح الله)، فان الفاسدين والمفسدين سيجدون متنفساً، للخروج من حلقة التضيّيق الشعبي التي تخنقهم، يوماً بعد يوم.

6. على الجماهير المتظاهرة، أن تحدّد مطالبها بدقة، وان تختار ممثلين عنها، يمتازون بالوعي الوطني النّاضج، وقدر عالٍ من الثقافة. حتى تتحقق حالة التنظيم بين صفوف الجماهير، اضافة للوصول الى حالة تحقيق الأهداف المطلوبة، بأقصر طريق وأقصر مدّة زمنيّة.

7. أن تَحذَرَ الجماهير، المطالبة بحقوقها المشروعة، من حالات الاختراق المعادية، التي تحاول شقّ صفوف وحدة الجماهير. فأجهزة المخابرات المعادية للعراق، ستجد في أجواء التظاهرات، فرصة كبيرة وواسعة للعمل في ساحة المتظاهرين، لخلط الاوراق على الجميع، وتحقيق مصالح الدول المعادية للعراق.

هذه النقاط استخلصتها من تجربتي الخاصة، التي تمتدّ لفترة الستينيات من القرن الماضي. فوجدت من الضروري ان اضعها، نُصب أَعين أَبنائي العراقيين الغياري، الذين يدافعون عن الحقوق المهضومة للغالبية المسحوقة، من ابناء الشعب العراقي. والله تعالى من وراء القصد.

 

مُحَمَّد جَواد سُنبَه كاتِبٌ وبَاحِثٌ عِرَاقي

 

 

في المثقف اليوم