آراء

الحل في تغيير الشخصية العراقية وليس الرؤوساء والوزراء

husan alshoayliكشرقيين بالمفهوم الجغرافي، يفصلنا عن العالم الغربي ليس المكان فحسب بل طريقة التفكير في رد النتائج الى أسبابها الطبيعية، أي محاكمة الواقع وليس الوقائع _ معالجة الأمراض السياسية وغيرها وليس الأقتصار على توصيف المرض، أقتلاع جذور الفساد وليس الأكتفاء بتقليم الأغصان !

هذا مايفصلنا عن الغرب بجانب الموقع الجغرافي .

وكمتدينين حيث نؤمن بالراعي والرعية وأن صلح الراعي صلحت الرعية ودب في جسد الأمة الرخاء والدعة .

قد نقل لنا التأريخ تلك المغلوطات وصدقناه، بأن كل صلاح أو فساد لابدّ وأن يقف خلفه حاكمٌ جيد أو فاشل ! فالولاة هم من مخلوقات غريبة تسعد أمة بكاملها أو تكون سبب في تعاستها .

وبهذا الحكم الجاهل - نجعل من الولاة كائنات خرافية تملك قوة خارقة تهيمن وتسيطر على بلد بأكمله ؟

وكقبليين ننتمي الى قبائل وأن لم نعلن هذا الأنتماء القبلي، والزعيم القبلي ترد لشخصه وتنسب له مفاخر القبيلة ومنجزاتها وسمعتها الأجتماعية، والغريب أن فشلها ينسب الى من مارس العمل والشيخ برئ !! فالشيخ الذي لايحمل من المؤهلات الاّ أنه أبن شيخ فهو المسؤول عن سمو القبيلة بكل مايتعلق بها،

فصناعة الزعماء حرفة العراقيين، لكننا لانجيد صناعة مؤسسة أجتماعية واعية بديلاً عن مؤسسة ودولة الأفراد وقبيلة الأفراد وحتى ديانة السماحات والعائلات   .

بأختصار هذه المنظومة التي ورثناها من التأريخ ولايبدو أننا سنغادرها على المنظور القريب، ونعلن القطيعة مع هذا الموروث الموبوء الذي يلغي دور الشعب تماماً كصانع للحضارات الأنسانية . ويصادر دوره القيادي في أختيار نوع الحكم والمحافظة عليه .

نطرح سؤال - أين دور الشعب كمؤسسة أجتماعية - أعطاها الله الحق في أختيار نظامها السياسي - وعمل الأنبياء والمصلحون على طول الطريق التأريخي لترسيخ هذا المفهوم ؟

فمن الواضح أن النصوص الدينية تخاطب الشعب كقوة وحيدة ومسؤولة أزاء قضية التغيير نحو الأرقى، بيد أن الشرع جعل المسؤولية تنطلق من المجتمع لتنتهي في السلطة السياسية، التي هي شبح يمثل المجموع ويلبي تطلعاته .

ومن مفاخر الأسلام ليس فيه سلطة كهنوتية تقرر للناس مصيرهم، والخروج عليها يعد تمرداً على الله وتعاليمه (كما تحاول أن تصوّره بعض الأحزاب والحركات الأسلامية الآن)

فالله لم يسلب حق الناس في أختيار المصير وتعطيه الى حاكم أو حزب وأن كانا ينطلقان من منطلقات دينية .

قلنا بأن العهد الملكي كان أقطاعياً ونظاماً عميلاً متخلفاً، وطائفياً لأنه رسخ فكرة المذهب الواحد (الحنفي) وضيّع حقوق الآخرين .

وشجعنا ثورة 14 تموز 1958 وطربنا لها ومازلنا نشتر بمفاخرها ومنجزاتها، وتكبيرها لقرص الخبز .

قلنا بأن سلطة الأخوين عارف (المرحلة البعثية الأولى) كانت ضعيفة ومنكفئة وضعفها من مهد للمرحلة البعثية الثانية التي أنتهت نيسان 2003 والتي قتلت وشردت وسجنت ثلث سكان العراق الأصليين .

حيث أتخمنا أسماع الكون عن دموية البعث وديكتاتوريته المفرطة وأستحقاره للفرد العراقي .

أين كان دور الشعب من تلك السلطات والمتغيرات السياسية ؟ فموتنا وفقرنا جاء به الحاكم الذي نصطلح عليه بالمستبد الجائر، ورفاهنا وحسن حالنا جاء به حاكمٌ نصطلح عيه بالعادل .

مختصر السياسة العراقية في قرن من الزمان عاش فيه متنقلاً من ظالم،، الى آخر . الم نبدو كقطيع من العشوائيات التي لاتملك عقلاً ولا أراده وتنتظر من يقودها ؟ ثم نثور عليه لاعنين عهده ومبشرين بعهد سياسي جديد .

(أستبشر بعض من المتظاهرين الآن برحيل المالكي ومجيئ العبادي - والآن يتظاهرون بمن أستبشروا به) !

 

 

في الغرب الصناعي أي أنتكاسه تعتريه سواء كانت أجتماعية كـأنتشار المخدرات - وأجهاض الأجنة في العيادات الطبية - أو أقتصادية أو أمنية - يقوم الشعب بمراجعة نفسه ويطرح سؤالاً (هل وفقنا بصناعة هذه الحكومة ؟ وأنتخاب أعظائها ) وتبدأ مؤسسات المجتمع المدني التي هي الوجه الآخر للمجتمع بمناقشة الأسباب ومن ثمّ تقديم الحلول الناجعة ويتم تطويق المشكلة ثم أنحسارها في مكان أو منطقة للقضاء عليها، تعالج عندهم المشاكل بمسؤولية شعبية واعية، ولم تتبنى شعار (كله صوج المالكي) !

نحن نخرج لاعنيين المسؤول السياسي مطالبين بأسقاطه ثم طرده، وكان الأحرى التظاهر لأسقاط الأرث السيئ في التفكير من رؤوسنا.

الآن لا أمن ولا خدمات ولابريق أمل يلوح في الأفق،، علينا التخلص من كسادنا الفكري وكسلنا في خدمة الوطن بعيداً عن أستحقاقات الحزب والفئة، وترك أنتكاليتنا على الحكومة في الأمن والأقتصاد . تخرج الآلوف الآن مطالبة بالكهرباء التي - أكتفى العالم الآخر منها منذ العشرينيات ! نتظاهر ونريد أسقاط - الفهداوي - والذي يريد أسقاطه بلجنته - بهاء الأعرجي !

وأطلّ برأسه الأتحاد الديمقراطي - الممثل للعلمانية يريد أسقاط الأسلاميين كما صرّح السيد علي العلاق، وكما تبدو الأحداث أنها تدور حول من يحكم ومن يكون وزيراً،

لابد أن نعي كل الوعي أن الشعب الذي لم يتظاهر على نفسه ويسقط أرثه وتفكيره السيئ وأنتكاليته، لاينتج حكومة ناجحة وأن أفنى العمر في التظاهر .

نحن أن بدأنا بتنظيف مدننا التي ماكان لها أن تتسخ أبتداءاً لو كنّا حضاريين، وعلينا التمسك بالبعد الأنساني المتحضر في الدوائر والأسواق والطرقات . وجعلنا أمن العراق قضية كل فرد وليس قضية الحزب وأنصاره، وتشجيع الصناعات والمنتوجات الزراعية الوطنية - لو كنّا أبتداءاً هكذا -

لخافنا - الفهداوي ومن يقف خلفه . ولم يحرمونا من الكهرباء أو غيرها ..

(قد تبدو القضية تنظيرية لكن الحقيقة أنها ليست كذالك وليست ممتنعة الحدوث بل هي ثقافة المجتمعات الآخرى، أي أنها ثقافة واقعية معاشة وعلينا أن نتعلم منها، فقد مللنا أنتاج الأنتهازيين واللصوص والدمويين، والتظاهر لأجل أسقاط الأغصان تاركين الجذور تتعفن .

 

حسين الشويلي

 

في المثقف اليوم