آراء

هل العراق يتغير؟

emad aliتاريخ العراق اكثر من غيره مليء بالاحداث الكثيرة ومنها الدامية، الجغرافيا وسمات المجتمع العراقي الخاص لهما التاثير المباشر على حياة الفرد العراقي والشعب بشكل عام . حدثت فيه من الثورات وامتدت صراعات وبزغت فجر الثقافات في المقابل، اقترفت ابشع الجرائم الانسانية من قبل الافراد والجماعات والايديولوجيات مقابل اكثر الافعال الانسانية التي اثرت على حياة المجتمع العراقي والاخرين ايضا، نرى لحد اليوم العطف والرافة والحنان والحب مقابل العنف والقتل والجريمة والكره في ذات الشخص، وهنا بحث العالم الكبير علي الوردي هذه السمات بدقة واستنتج كثيرا في هذه الصفات المتناقضة التي هي محل السخرية احيانا، لانها اكثر شيء وضوحا في العراق وليس غيره في المنطقة، امام ذلك هناك اسباب وعوامل كثيرة ومتعددة المنابع ومنها خارجية، ولكنه ابرز المتناقضات الاجتماعية والثقافية والسياسية مجتمعة ادت الى الاختلاف او جمع التناقضات في سلوك الفرد ذاته، اضافة الى كثرة الغزوات التي حصلت فيه وامتدت ايدي الشرق والغرب الى كيانه وغير من معالمه تلقائيا وبمرور الزمن وتاثر بالثقافات والصفات المختلفة التي وردت اليه طوال التاريخ بعد دخول افواج وجماعات مسالمين ومحاربين اليه .

لقد مرت مراحل كثيرة مختلفة جذريا عن بعضها في العراق، مراحل وان كانت اكثريتها متشددة وانتابتها الكثير من الفوضى، الا ان هناك اخرى مسالمة وامنة ولم يحدث شيء فيها غير التقدم التلقائي في حياة الناس .

اي العراق قابل للتغيير ولو في احلك مراحل حياة الناس وكيفما كان وضعه، اي قابل لتقبل المغاير والتغيير بشكل مرن. اننا نحسب للمراحل بعقود وليس بسنين وان شاهدنا تغييرات مفاجئة كثيرة خلال سنوات قليلة من تاريخه . الان ونحن وسط مجتمع ترسبت في كيانه مجموعة من الصفات المتناقضة ومنها الدخيلة والاصيلة، اي شابَ المجتمع العراقي تغييرا ملموسا في كينونته في العقود الاخيرة بالاخص نتيجة تاثره بالسياسات والاهداف الضيقة التي مارستها السلطات عليها وبطرق شتى وبالكثير من الضغوطات المتعددة الشكل سياسيا واجتماعيا واقتصاديا مما اثر بشكل مباشر على اخلاقيات والعادات والتقاليد العراقية الاصيلة بشكل ملحوظ، رغم وضوح الاصالة المخفية من تحت غبار الشواذ . لو تجنبنا مرحلة الدكتاتورية البعثية وما بعد السقوط لتبين لنا بوضوح ما كان عليه الشعب العراقي وما توارثه من تاريخه دون تغيير فجائي الا انه تقدم نحو الامام في تقبل المتغير المفيد بشكل بطيء وسلس، وما فترة الملكية الا دليل على ما تمتع به الشعب العراقي من النزاهة والاصالة وما حمل من السمات الايجابية وما يمكن ان نمسيه الخير في معدنه .

كما هو المعروف عندنا جميعا بان التغيير يكون من قبل النخبة وتتاثر به النخبة عموما تدريجيا الى ان يعم على الجميع، فان الجمع الغفير من الجماهير الذي يتاثر دائما عاطفيا بما هو الموجود لا يمكن ان يقفزوا بسرعة من حالة الى اخرى، الا اذا فرضت عليهم الامور عنوة واجبروا، الى ان تثبت المتغيرات نفسها بمرور الزمن كما تاثر الشعب العراقي بضغوطات ومفروضات النظام السابق بشكل كبير، ونحتاج لمدة من اجل قلع بعضها من كيان الفرد الذي ورث منها غير قليل .

بعد السقوط لم يشهد العراق مرحلة طبيعية بل تخلل التغيير مجموعة كبيرة من الاخطاء الجوهرية وفرضت عليه ارادات غير نابعة من صميم المجتمع وتاريخه وافكاره، لذا كان ولايزال تظهر شكلية ومظهرية هذه التغييرات ومنها رد فعل للكبت الذي مورس عليه، ويمكن ان ندعي بانها لم تتعمق في كيانه، انه شعب محب للحياة كما يدلنا التاريخ عليه، انه مجتهد ودائم الحركة ويحمل صفات لا يمكن ايجادها في شعوب اخرى بسهولة، اي ذات صفات ايجابية خاصة قابلة للتوجه الايجابي والتغيير نحو الافضل، ولكن يجب ان نقول فيه تناقض بانه لين الارادة احيانا وخاضع لما يفرض عليه بقوة كما نشهده في ثنايا الغزوات المتعددة التي تعرض لها في تاريخه وتقبل المستوردات الكثيرة، وفي المقابل انه لا يمكن ان يتحمل ما يعيق حركته الى الابد فانه انتفض كثيرا وثار وغير من حاله بالقوة كانت ام بخطوات باحثة عن المتغيرات المطلوبة .

اليوم بعدما تحمل الشعب العراقي ما لم يتحمله منقبل من صعوبة العوامل السلبية التي اثرت على حياته بشكل غير مقبول من كافة النواحي وشهد من الغبن والاجحاف لا مثيل له في تاريخه من اللاعدالة والظلم والفساد، ويمكن ان ندعي بانه عامل مباشر ايجابي من اجل ان يختصر المدة والمرحلة التي يمكن ان يحاول ان يعبر الى الضفة الاخرى من خلال التغيير السياسي المباشر ان لم يتدخل الاخرون الذين لهم مصالح متنوعة فيه من اجل مستقبل شعوبهم على حساب هذا الشعب كما يحصل لحد اليوم . انه بداية انتفاضة كبيرة بعدما قطع الخوف والشك في نجاح خطواته، ومن خلال هذين الاسبوعين استهل ما ينوي بخطوات جميلة يشهد لها الجميع واثبت بانه قادر على التغيير باقل التضحيات، ولنشهد المستقبل القريب، نعم العراق يتغير نحو الافضل وبسواعد الشعب نفسه .

 

عماد علي

في المثقف اليوم