آراء

سرعة فشل الاحزاب الاسلامية في السلطة

emad aliكما يقول المثل لا يصح الا الصحيح في النهاية، فان عدم تلائم وتناغم اي شيء مع الظروف المحيطة به من حيث البنى التحية والفوقية التي يحملها لا يمكن ان نتوقع نجاحه ونهايته ومصيره الفشل دائما مهما تنكر بغير ماهو الواقع كما هو المعلوم.

اي دولة ناخذ لنثبت صحة القول، العراق ام مصر ام تونس ام ليبيا ام تركيا الشبه الاسلامي التي قاومت لانها ليس بالاسلامي المطلق كما الاخرين وانما تعيش على التراث المتوارث عثمانيا.

ان الفشل كما هو المعلوم قائم على اسباب ذاتية لهذه الاحزاب والموضوعية التي تحيط بهم، والموجود هو الذي يستوضح اسباب تخبط المسيرة التي يسيرون فيه. فان ما يحملون من الافكار والايديولوجيا البالية التي لا يمكن ان تصح لمجموع الشعب وانما لفئة او حلقة او حزب فقط، والاصح انه يخص الفرد ونفسيته واعتقاده وفكره ونظرته للحياة، اما الواقع الذي يوجد فيه المجموع المختلط والذي يتسم بالتغييرات التي تفرض نفسها عليه نتيجة التطور الحاصل في العالم والاحتكاك وما يتميز به بعيدا عن صلب الفكر الديني في الحياة العامة، في حال توجه البلد التقدمي وليس الرجوع كما يحصل في بعض بلدان المنطقة نتيجة تورطه بالحرب والفوضى والتخلف وانتشار الجهل .

لم يستمر حكم الاخوان في مصر اكثر من سنة او لم يكملها اصلا، وافرز ما لا يمكن ان يقبله شعب عريق متطور وحامل للتاريخ والحضارة مهما كانت هناك شواذ تتخلل فئاته . وهذا العراق الذي لم يكن حرة ومستقلة بل سيرته االايدي الخارجية التي فرضت عليه الشواذ لم تدم حاله وخرج عن الطوع الشعب بعفويته رغم وجود العادات والتقاليد المتوارثة من التاريخ الاسلامي التي طالت في العراق وفرضت نفسها في عقلية واعتقاد الناس وثبتت ما كانت تحوي على شؤون الناس وغيرت حتى من طبيعتهم، وهي التي تساعد على بقاء الاحزاب الاسلامية، الا ان هذا العامل ايضا لم يفد الاحزاب الاسلامية ولم يقهم من الفساد ولم يوفر لهم عوامل البقاء بالشكل الذي تمددوا فيه وهو خلاف لما تتصف به النخبة على الواقع . لازال هناك احتمالات لبقاء سيطرة الاسلام السياسي على زمام الامور نتيجة الهيبة وسطوة وبقاء قدسية المرجعية التي تفرض ما تريد وان ضاق الامر بالشعب ذرعا الوضع القائم من كافة النواحي .

وجود الصراعات الاقليمية المتشددة في المنطقة والتدخلات الكثيرة من قبل دول الاقليم في العراق فرض عليه طول مدة الفوضى العارمة التي اصابته بعد سقوط النظام . ان المحاور المعتمدة على الدين والمذهب ازدادت من تهيء الظروف التيساعدت على نشر وفرض الاحزاب الاسلامية، اضافة الى الكبت والمضايقات الكبيرة التي فرضت بالقوة على المنتمين لتلك الافكار والفلسفات وظلوا متمسكين بها تلقائيا ايضا، وهذا ما جعلهم لم يدركوا الاصح وما لا يلائم العصر ومتطلباته ايضا، واطال من امد الخنوع وعدم الانتفاض رغم الصعوبات .

اما في مصر، فان الشعب والظروف والنسبة العالية من الثقافة العالية والوعي المطلوب والتفاوت النوعي وسمات النخبة ومستوى الثقافة والمعرفة كان لهم تاثير مباشر على التغيير السريع اضافة الى وجود جيش حر مستقل ومهني لم يخضع للايديولوجيا والفكر الديني .

اما الاسباب الموضوعية لفشل اي حزب اسلامي ان لم يتطور ويصل الى مصافي الفكر الليبرالي فانها كثيرة والموضوعية اكثر تاثيرا بشكل ايجابي من الذاتية . لا يمكن فرض عودة المرحلة التي يصل اليها الشعب من النواحي الثقافية والفكرية والمعيشية بشكل عام ولا يمكن تلائم الفكر السلفي الجامد المبني على ظروف عشرات القرون التي مضت وان يفرض على العقل الواعي لدى الشعب مهما كانت نسبة الجهل والتخلف فيه . ربما يمكن ان يفيد هذه الافكار شخصيا للفرد بحد ذاته من الناحية السايكولوجية نظرا لصعوبات ومتطلبات الحياة والفقر وعدم توفر امكانيات المعيشة او توفير الضرورات والمتطلبات والتوجه الى الخيال لصبر الذات وتاجيل المتطلبات الحياتية والتفائل بما يضمنه الغيب . اضافة الى ذلك ان هناك الخلل الموجود في المنهج والفلسفة السياسية لدى الحزب الاسلامي بكافة انواعه وتوجهاته، وهو ما يفرض سرعة وضوح الخلل في وجوده اصلا . ولا يمكن ان تتحجج هذه الاحزاب بالسياسة في فشلهم لان القوى الراسمالية الى جانبهم ولمصلحتهم دوما، اضافة الى الفقر المسيطر وظروف انتشارهم .

ولم يلق الحزب الاسلامي الاذان الصاغية في تونس نظرا لتعمق العلمانية والوضع الاجتماعي المختلف عما هو في الدول العربية الاخرى، وهناك ما يجعا ان يفرض اليسار والمراة نفسهما على الواقع السياسي واصبحا سدا منيعا للفوضى التي كانت واقعة لا محال لولا نجاحهم في منعها لحد اليوم .

بعد اكثر من عقد والعراق يعاني من اللاملائم والطاريء في حياته العامة، ولكن وجود الاسباب والعوامل السياسية الخارجة عن ارادة الشعب من حيث مساعدة الراسمالية والدول الدينية المجاورة قد اخر الانتفاض وفرض المعاناة والفساد والتخلف على المجتمع . اليوم تظهر بداية الافق ولكن بدات ايضا بمساعدة المرجعية او يمكن ان نقول بالاحرى، بعدما ضاق الشعب ذرعا وخرج بتظاهرة مليونية فصعدت المرجعية الركب وفرضت رايها وهذا ما ساعد العبادي اكثر في نجاح خطواته لحد اليوم وربما يواجه العراقيل مستقبلا .

اما الاسباب والعوامل الرئيسية لفشل الاحزاب الدينية في حكم البلدان ليست نابعة من مسيرة الحكم بقدر ما هي موجودة في صلب وفحوى هذا الفكر من المعرقلات الذاتية التي تفرض التناقض مع الذات داخل البيئة التي لا يمكن ترهيمها مع غير المناسب من كافة النواحي. لذا فشل الاحزاب الاسلامية في السلطة قائم من ذاته مهما طالت العوامل الاخرى في اطالة مدة حكمها وبقائها على حساب مصالح الشعب. لو نرى تركيا فانها تحوي في كينونتها عوامل اسقاط هذا النظام ولكن توجه حزب العدالة والتنمية في ازاحة العراقيل بعوامل غير اسلامية ومسيرة متخبطة غير نابعة من ثوابت الاسلام العربية، فانه نجح في استغلال الاسباب الموضوعية لنجاحه المرحلي غير النهائي، اضافة الى التراث العثماني الذي يثبت نفسه في كيان الشعب التركي الذي يفتخر به وهو يتمسك به ويعتبره عامل تعاليه وغروره ونقائه وتفرده في الصفات التي تجعله هو صاحب الامكانية في السلطة، الا ان الوقت يسير نحو مضايقة هذه التوجهات ويحتاج لشرارة حقيقية لازاحة ماموجود، ولكن من الناحية الاخرى من المحتمل عودة الاسوا من الدكتاتورية قبل العلمانية ويمنع الحرية ويصد الظروف المؤاتية لتحقيق اهداف فئات الشعب .

اي بشكل عام، فان فشل في السلطة الاسلامية ليس مستندا على عدم وجود الخبرة او الامكانية بقدر وجود اسباب موضوعية في فحوى الفكر والتوجه الذي تحمله هذه الاحزاب غير الواقعية التي تتهيا فجاة الظروف لاعتلاء زمام الامور في هذا العصر .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم