آراء

هل يستطيع العبادي ان يكون المنقذ من دون الرجوع الى الدكتاتورية؟

musadaq alhabibكلما جرى الحديث عن التغيير المطلوب في العراق نصطدم بمواجهة الحلقة المفرغة التي لانهاية او بداية لها فتبدو كل الحلول غير قابلة للتطبيق. فالتخلص من الطغيان والاستبداد الذي عانينا منه منذ زمن بعيد معناه تبني النظام الديمقراطي الذي لايستطيع فيه الرئيس او رئيس الوزراء او القائد العام للقوات المسلحة او حتى رئيس البرلمان بالاستئثار بالسلطة، وهذا النظام وضع كيانين جوهريين هما البرلمان والقضاء من اجل موازنة السلطة مع الحكومة ومنع الاستئثار بها من قبل اي طرف. ولكن تجربتنا المؤلمة في العراق اثبتت ان البرلمان اصبح مجرد شلة من اللصوص والانتهازيين والمنتفعين الذين لم ولن يعملوا للوطن، والحكومة ورئيسها تتشكل تبعا للبرلمان، والقضاء يتشكل بواسطة الحكومة، والكل فاسدون!! فتعالي الاصوات للاستنجاد بالعبادي كمنقذ، لايعبر بمعناه العام عن رغبة الشعب للعودة للدكتاتورية، ولو انه قد يصبح منزلقا خطيرا قد يقود اليها! ولكن يبدو ان الرغبة بتفويض العبادي لاجراء التغييرات تكمن في معناها العقلاني العملي بكسر تلك الحلقة المفرغة من اجل ايجاد المنفذ للحل الشامل البعيد عن الاجراءات الترقيعية. المشكلة الكبرى هي ان اي اصلاح كبير يتقدم به رئيس الوزراء ينبغي ان يصادق عليه البرلمان قبل تنفيذه، والبرلمان متكون بمحاصصة الاحزاب والكتل التي ينتمي لواحدة منها رئيس الوزراء، وهنا تبدأ الحلقة المفرغة بالدوران. فلا سلطة فوق البرلمان الا سلطة الشعب الجمعية، ولهذا السبب فان انتفاضات الشعب المليونية هي المنفذ للحل، ولكن الحكمة تكمن في ايجاد الآلية الشرعية المقبولة لجعل سلطة الشعب نافذة ومؤثرة. الحفاظ على الديمقراطية ومنع الدكتاتورية من الزحف الى البلاد مرة اخرى معناه الابقاء على الكيانات التوازنية الثلاثة: السلطة التشريعية (البرلمان) والسلطة التنفيذية (الحكومة) والقضاء. ولان ماافسد الامور بشكل رئيسي هو المحاصصة والاحزاب ، فمن هنا ينبغي ان يبدأ شفاء الداء ، ولكن من ينهي المحاصصة وينظف عمل الاحزاب اذا كان البرلمان متمسكا بهما وهو الطرف الاول القادر على انهائهما. فلابد اذاً من اللجوء للدستور وهو القادر نظريا على تنظيم عمل البرلمان والاحزاب كبادءة لسلسلة الحلول المطلوبة، ولكن نعود ونقول من ينقح الدستور وينظفه من الالغام غير البرلمان؟؟ وهنا نعود ونستنتج بان بامكان ارادة الشعب الجمعية وعن طريق الاستفتاء العام ان تدفع الى اعادة كتابة الدستور كخطوة اولى ليتم بعدها الاقرار في الدستور الجديد على انهاء المحاصصة وتنظيم عمل الاحزاب وتنظيم قانون البرلمان، وبافتراض ان هذا الشعب الثائر لايعيد انتخاب نفس الوجوه ولايؤيد نفس الاحزاب والكتل في الدورة الانتخابية القادمة ، من الممكن ان يكون البرلمان الجديد مهيئا وقادرا على انجاز الاصلاحات الكبرى. وهذه هي الخطوة التي ستكون المنطلق الاساسي للبدء ببناء عراق مدني ديمقراطي مستقل. الدستور المعدل والبرلمان الانظف سيمهدان لسن وتبني القوانين الاساسية الكبرى التي تضع الحلول للمشاكل الاساسية كمشكلة الدين والدولة ومشكلة العلاقة مع كردستان وهي مشكلة جوهرية حاسمة، ومشكلة تنظيم الجيش، وقانون الاحزاب والانتخابات، وقانون النفط واستثمار الثروات، وقانون البنك المركزي والسياسات النقدية والمالية، وقانون المحافظات ومدى استقلالها وحصصها من الثروة الوطنية، وقانون الموازنة ، وقانون البنى التحتية والكثير من القوانين التي ينبغي على البرلمان الجديد ان يعمل ليل نهار من اجل الاسراع بتشريعها وعرضها على الشعب وتنقيحها ومن ثم المصادقة عليها.

ولذلك، يبدو لي ان العبادي، لو استجاب الى رغبة الشعب بمنحه الثقة ان يبدأ بالاستفتاء العام لاعادة كتابة الدستور الذي سيكون المرجع العام لكل الحلول وقانون البلاد الاسمى. هذا العمل سيضمن الحفاظ على النظام الديمقراطي ويزيل شبح المخاطرة للانزلاق الى الدكتاتورية. ولكن من اجل ان يضطلع العبادي بهذه المهمة ويستمر بنيل ثقة الشعب، عليه، وتحت هذا الافتراض الفنطازي الصعب ان:

1. يستقيل من حزب الدعوة ويعلن نفسه سياسيا مستقلا ورئيسا للوزراء يخدم كل العراقيين بصدق وتفان لما تبقى من ولايته.

2. ينأى بنفسه عن نفوذ المرجعية.

3. لايسمح بهيمنة امريكا على قراراته من دون ان يعاديها.

4. لايسمح بهيمنة ايران على قراراته من دون ان يعاديها.

5. يبدأ العمل بما من صلاحيته دستوريا وهو حل وزارته واعادة تشكيلها بما لايزيد عن 15 وزارة يقودها المهنيون المخلصون غير المرتبطين بالاحزاب والكتل المتنفذة.

6. يعيد تشكيل مجلس القضاء الاعلى والمحكمة التمييزية من القضاة المتمرسين النزيهين غير المرتبطين بالاحزاب والكتل المتنفذة.

7. يعيد تشكيل هيئة النزاهة من الاختصاصيين في القانون والمحاسبة والرقابة والتدقيق والمتمرسين النزيهين غير المرتبطين بالاحزاب والكتل المتنفذة.

8. يحيل الفاسدين واللصوص والمقصرين الى القضاء وينفذ بحزم الاحكام التي تصدر بحقهم.

وواضح ان بعض هذه الاجراءات يتطلب مصادقة البرلمان ولكن عليه ان يرمي الكرة في مرمى البرلمان وسيعرف الشعب من سيقف ضد اجراءات الاصلاح فتكون له العبرة الاكبر حين يتوجه الى صناديق الاقتراع المرة القادمة.

 

مصدق الحبيب

 

 

في المثقف اليوم