آراء

لن تعيد روسيا تجربة افغانستان ولكن!

emad aliربما يعتقد البعض ان التاريخ الروسي يعيد نفسه. عندما دشنت روسيا عمليا البرنامج التي تعيد الى الاذهان انها تعيد ما اقدم عليه الاتحاد السوفيتي في افغانستان في حينه، وربما لم ياخذ بعض المراقبين بنظر الاعتبار التغييرات التي حصلت في الشرق الاوسط والجهات الموجودة وموقع سوريا والعلاقات التي استجدت ودور ايران وخروجها من دائرة امريكا ايام ما حدث في افغانستان وكيف عزمت امريكا العزم على تاسيس وتفعيل وتوجيه الحركات الاسلامية الجهادية برمجة وتخطيطا وتنفيذا وتمويلا بنفسها او من كان مواليا لها، ولم يقارنوا المرحلتين مع البعض ولم ياخذوا المتغيرات التي حدثت بنظر الاعتبار بشكل كافي.

يعتقد البعض ايضا ان روسيا سينغمس في وحل سوريا قريبا جدا، كما حدث للاتحاد السوفيتي في افغانستان وخرج منه بشق الانفس، ويعتقدوا بان هذه لعبة امريكا وتريد ان تلعبها مع روسيا بمهارة وحيل سياسية شرعية، غير مهتمين بما يدور ومن يحكم امريكا والنظام الجديد والاستراتيجية الامريكية والعامل الاقتصادي المتغير منذ حدوث التغييرات والتحولات المختلفة في منطقة الشرق الاوسط، وفي مقدمتها انخفاض اهميتها اي هذه المنطقة اقتصاديا بشكل عام في هذه المرحلة بالذات . لذا لا يمكن ان نتصور ان تتعامل امريكا والغرب مع ما يحدث في هذه المنطقة وفق اسس قديمة ونظرات انتهت مدة صلاحياتها. لن تكرر امريكا باستراتيجيتها المعلنة وما يمكنها من تحقيق مصالحها بعيدا عن التدخلات المباشرة وبخطط قديمة لانها تتمكن من تنفيذ ما تريده باستغلال ثغرات التي تحصل نتيجة تفاعل المعادلات السياسية العسكرية التي تحدث، وهي ظلت باقية على راس المتبوعين وتنفذ ما تريد من قبل دول المنطقة من كافة النواحي دون ان تحتاج لجهد مضني .

تدخلت ومن ثم توغلت روسيا بقوات في سوريا منذ ان احست بان الخطط جارية على قدم وساق لعزل سوريا عن مصالح روسيا الاستراتيجة الاقتصادية، والتي اعلنتها بويتن بعظمة لسانه بالامس . انها تريد نظاما تابعا ضعيفا كان ام قويا بل الاهم عندها هو عدم المساس بالاستراتيجة التي يتبعها في هذه المنطقة الحساسة التي تعتبر سوريا راس السهم في تحقيق ما تريد او تامل ان تحتفظ على ما موجود على الاقل . من الخطوات التي تتبعها روسيا توضح لنا يوما بعد اخر بانها لن تغير من موقفها من الموجود مهما كانت تحت الضغوط المختلفة وحاولت دول المنطقة من تغيير رايها ومواقفها في هذا الشان . انها تعلم بان مستقبل سياساتها الاقتصادية الاستراتيجية المرتبطة بالغاز والنفط والتجارة بشكل عام سوف تهتز بمجرد تغيير السلطة السورية كاخر ما تبقى لديها وجهتها الى جهة مغايرة لها . ولكن لا يمكن ان تلعب بالالية والخطة ذاتها كما فعل الاتحاد السوفيتي من جوانب، اولا انها تدعم السلطة والتوجهات العلمانية سواء كانت مزيفة او حقيقية واصبحت رافعة لرايتها فكريا ومعها الكثيرون امام الايديولوجية التعصبية التخلفية التي اجتمعت معها من لها مصلحة في تغيير النظام السوري . انها صراع الايديولوجيا ومن ثم الصراع السياسي وقبلهم الاقتصادي، الذي يتعامل مع المضاد ان كان في النهاية لصالح التكتيكات او الاستراتيجية التي يهدف اليها اي طرف، فهل من المعقول ان تتعاون قوى وحتى دول دينية مذهبية متعصبة مع حاملي الايديولوجيا العلمانية المعادية لها من اجل هدف او مصلحة انية الا في هذه المنطقة بالذات . هل راينا تعاون المضادان وتضاد المتوافقان حول امور عدة كما يحصل اليوم في الشرق الاوسط، نتيجة التداخلات الشديدة التعقيد في سير المعادلات السياسية المعقدة اصلا ومن ثم ازدادت اليها المتغيرات نتيجة ما يحدث من الحروب والتدخلات المباشرة من قوى الارهاب واحتلالاتها المباشرة للاراضي بهذا الشكل . ان كان مجيء روسيا استدراجا امريكيا لها فانها حسبت كل الحسابات وليست خطواتها بسطحية كما يعتقد البعض (نقول هذا ونحن اول من يؤمن بان ازالة النظام السوري هو فاتحة خير من منظور واعتقاد نابع من ان ازالة اي دكتاتور، سياتي بافضل منه مهما كانت نسبة تلائمه مع الواقع وما يريده الشعب، ولكن بحسابات وقراءة مابعد سقوطه بشكل دقيق) .

ان كانت امريكا تعتبر سوريا مستنقعا لروسيا يمكنها من النيل منها وفق ما تعتقده حسب تجربة ما حصل في افغانستان فانها ليست بصاحب بخطة محكمة للبدء بمرحلة توجيه ضربة قاضية الى روسيا وبوتين بالذات، لانها اي امريكا تعتقد بانبوتين يفكر ويغامر من اجل ان يعيد مجد القيصرية الروسية ودورها، كما يحلم اردوغان من مكانه ويعمل على اعادة امجاد العثمانية ايضا، والمنطقة تشتعل بالنار تحت ضيم الطموحات النرجسية والاحلام العديدة لاعادة الامجاد بدلا من التسيير مع المستجدات وا لواقع وما يفرضه العصر، ياله من تخبط ومهزلة نعيشها في الشرق جميعا. وان كانت امريكا تتمكن من ان تحاصر روسيا ورئيسها بمخالب والية وادوات مواليها، فانها على خطا ايضا، لان الصراع اليوم اشتد بين جهتين من المنطقة ذاتها وليست روسيا الا لاعبا مساعدا ثانويا ايضا، وتتعامل مع الموالين من القوى المتمكنة من امثال ايران وسوريا وقوى صغرى اخرى منتشرة في المنطقة. وان ايران لن تغدو منافسا لروسيا وان نفذت الاتفاقية النووية مع امريكا لاسباب وعوامل مصيرية حيوية تسير عليها ايران والموالين ومن يعيش تحت رحمتها. لذا، لا يمكن ان نعتقد بان روسيا ستعيد ما فعله الاتحاد السوفيتي ولا يمكن لاحد ان يجبرها على ذلك، ولا الظروف العامة للمنطقة ستساعدها، وانها مجرد تريد ان تلعب دورا حازما وحاسما لمنع سقوط الاسد باي ثمن كان ومن خلال المساعدات العسكرية والسياسية المتاحة وبشكل مباشر وباليات مختلفة بعيدة عن احتلال الارض كما فعله الاتحاد السوفيتي من اجتياح وتوغل واسع للاراضي الافغانية في حينه. بل ستكون روسيا راسا وصاحب ثقة للمتحالفين معها مع اخذ بنظر الاعتبار التغييرات التي تطرا بعد تنفيذ الاتفاقية النووية وما تخطط لها تركيا وامريكا في التحركات حول سوريا في المستقبل القريب. وهناك تفاصيل عديدة لما يمكن ان نقرا منها ما يحدث الان من الفوضى في تركيا والعراق وسوريا واليمن وحتى لبنان، ويمكن ان نستقرا او نستشف منها ما يحدث عند التمعن في المعادلات السياسية والاحتكاكات والتحركات السياسية العسكرية الجارية و نتائجها المتوقعة .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم