آراء

لماذا اوصلوا الثورة في كوردستان الى هذه الحال

emad aliفي جنوب كوردستان، اندلعت الثورة في 11 ايلول 1961 من قبل قائدها ملا مصطفى البرزاني دون ان ياخذ براي الحزب في حينه، نتيجة الواقع الذي عاشته كوردستان والحزب في حينه والذي كان في الظروف العامة متخلفة ولم تنضج ظروف الثورة بشكل مقنع، وحدث هذا اي الثورة دون قناعة الحزب ويدل هذا على مدى ايمان البرزاني بالحزب كتنظيم تقدمي الذي تاسس على يد مجموعة من المثقفين وتم تسليمه الى السيد البرزاني من اجل جماهيريته والكاريزما التي تمتع بها من اجل اتساع قاعدة الحزب وجماهيريته. لم يؤمن المرحوم البرزاني بالحزب حتى اخر لحظة من حياته بل انفرد بكل ما امن به، وحتىا لثورة التي اندلعت على يده لم يكن للحزب يد فيها بل عارضها كما اسلفنا. هكذا حصلت امور لم تكن بالحسبان، والصراعات التي حدثت داخل الحزب مع البرزاني ادت الى الانشقاق الكبير بقيادة ابراهيم احمد وسميت بالجلالي نسبة الى جلال طالباني الذي كان الساعد الايمن لابراهيم احمد وانفرد هو في الكثير من الامور مما برز اسمه اكثر من ايبراهيم احمد القائد الحقيقي لانشقاق 1964. وصلت الحال الى النكسة التي منيت بها الثورة وهاجر البرزاني الى امريكا وتوفي هناك، وفشلت الثورة في تحقيق اقل نسبة من اهدافها لانها خضعت لتوجه واحد في النهاية . واني على اعتقاد بان تسليم الثورة في حينه الى شخص ومن تربية وبيئة اجتماعية معروفة غير ملائمة مع التنظيم الحزبي، هو الخطا الفاضح في مسيرة الحزب والذي انتهى امره بفشل الثورة والانتكاسة الكبيرة . وحتى اهم قرار وهو التحالفات مع القوى الداخلية والخارجية عند البت في اندلاع ثورة عارمة لم يكن للحزب الديموقراطي الكوردستاني يد فيها ايضا، وانه قرار فردي من قبل البرزاني لاسباب ضيقة دون قراءة الظروف الموضوعية والذاتية في حينه بشكل علمي . وهنا لا اريد ان ادخل في التفاصيل التي سجلها لنا التاريخ بشكل ادق لضيق المجال هنا، وهذا يحتاج لاباحث طويلة . الاهم ما اريد ان اذكره، ان الحزب الديموقراطي الكوردستاني سُلم الى من لا يؤمن باي حزب، لاسباب وعوامل موضوعية وفي مقدمتها ايجاد رجل كاريزما وصاحب قاعدة جماهيرية، رغم كل الموانع الحزبية السليمة التي تفرض مثل هذه الخطوة، وكان من اجل احداث قفزة في جماهيرية الحزب بشكل سريع وهذا هو الخطا الكبير، وبهذه الخطوة اوصل الحزب الى مفترق الطرق واحدث الانشقاق بين العقلية الاجتماعية الملائمة لتلك الاوضاع الاجتماعية الثقافية السياسية، والعقلية الطليعية التي كانت في مقدمة صفوف النخبة التي لم تثق بنفسها ولم تتحمل كذلك ما ادخلت نفسها فيه من اجل التنمية الكمية على حساب الكيفية .

في غضون تلك الصراعات كانت هناك تنظيمات يسارية وفي مقدمتها عصبة كادحي كوردستان التي تحركت منذ بدايات سنة 1970، وعند انتكاسة الثورة برزت رؤس من كان له اليد في تلك التشكيلات والتنظيمات التي كانت يسارية وتحركت القوى تلك وفي مقدمتهم عصبة كادحي كوردستان بشكل يمكن ان نقول منفرد، وكما نوت هذه التشكيلة اليسارية التقدمية، بدات بظهور افاق ثورة جديدة، واستهلت عملها بعد فراغ الساحة من بقايا ووارثي الثورة القديمة، الذين ابتعدوا ونفوا الى خارج البلد، ولكن تم تجميعهم فيما بعد لاهداف وتربصوا بما يجري من بعيد، لحينما دخلوا على اساس قدم الثورة مدعين انهم اصحاب الثورة . والخطا الذي تكرر في الثورة الجديدة كما في ثورة ايلول هو تسليم الثورة الى العقول التي ترعرعت في خضم الصراعات الثورة القديمة ولنفس الاسباب والعوامل، وهي ايجاد قاعدة جماهيرية والقفز على الاحداث دون التمهل والتحمل من اجل النمو الطبيعي دون اي حقن خارجي، اي سلموا الثورة الجديدة ايضا الى ما افرزته الثورة القديمة من السلبيات وبالاشخاص ذاتها التي انشقت عن الحزب الديموقراطي من قبل . وبعد تدخلات خارجية وداخلية متعددةو لاغراض سياسية عدائية للشعب الكوردستاني، اصبحت الثورة منذ حين، في اتجاهين مضادين تخللتها حروب وصراعات دموية بشعة . لحين الانتفاضة وبعدها ايضا ولحد اليوم وبشكل كبير، تسلمت تلك العقليات الوضع السياسي وادخلت كوردستان في اتون تلك المتاهات التي اتوا بها من صراعات الثورة القديمة .

بطبيعة الحال، عندما سجنت اكثرية قادة عصبة كادحي كوردستان واعدم الكثير منهم على يد الدكتاتورية العراقية، واستشهد القائد شهيد ارام على ايدي خبيثة داخلية، لم يبق من احد قادر على قيادة العصبة والثورة معا، لذا اصحاب القاعدة القديمة والكاريزما فرضوا انفسهم على الواقع وسيطروا علي الثورة كليا بعد حل عصبة الكادحين بشكل كامل في النهاية . وهكذا اوصلوا حال الثورة والحياة العامة للشعب الكوردستاني الى ما نحن فيه، من الصراعات المتتالية بين الاحزاب وبعقلية قديمة بالية، وربما برز من خلالها من يريد التجديد ولكن فشل في النهاية في تحقيق اهدافه . واليوم نحن نعيش في ظروف مغايرة تماما، وهناك جيل جديد في واقع قفز بذاته كثيرا، نتيجة دخول الالات والاليات التقدمية الحديثة الى حياة الناس بشكل كبير جدا ناهيك عن تاثيرات العولمة والتغييرات الجذرية في العراق والمنطقة بشكل كبير . فانني على اعتقاد بان الجيل الجيدي الميؤس من حاله ويهرب الكثيرون منه الى خارج كوردستان لعدم تحمله ما يحدث، فان بين ظهرانيهم وثناياهم نخبة تقدمية سياسية عالية الثقافة، يمكنهم قيادة الواقع السياسي الاجتماعي الاقتصادي بعيدا عن العقلية القديمة التي ورثت الخلاقات والصراعات، وان وعوا الحال واعتبروا من الاخطاء المتكررة التي حدثت خلال الثورتين، فانهم يعتمدون على ذاتهم بشكل مجرد دون اي شخصية او ما يسمون انفسهم بالقائد والكاريزما، لتجاوز السلبيات التي يمكن ان يورثونها ويفرضونها عليهم ايضا ويكررون الخطا المصيري السابق ايضا . وبه يمكن ان نعتقد ان الثورة الجديدة يمكن ان تنجح، والا بهذه التركيبات والعقليات والالية المسيطرة على كوردستان لا يمكن ان نخرج من النفق المظلم، واحتمال العودة الى المربع الاول وارد في ان ولحظة .

لذا نحن ننتظر ثورة سلمية بيضاء من اصحاب العقول الالكترونية من الاجيال الجديدة الوطنية الواعية المعتبرة من التاريخ .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم