آراء

الجماعات الاسلامية في كوردستان حائرة بين الحس القومي والفلسفة الدينية

emad aliمن يتابع الواقع الاجتماعي والثقافي في كوردستان، ويريد ان يقرا جانبا مهما من مسيرة جهات معينة في هذا العصر، لابد ان يركز على فحوى الادعائات الحقيقية لهم من حيث المنهج والفكر والفلسفة . وان نختصر الحال من قرائتنا لجانب منه من منظور باحث هاوي محاولا التجرد من اية خلفية او فكر او فلسفة، فاننا نجد ان الجماعات الاسلامية السياسية وغيرها لازالت تعيش في في تناقضات المجتمع الكوردي، لا بل هم اكثر من يتاثرون بها لوجود التناقضات الكثيرة بين ظهرانيهم الفكرية الفلسفية الخاصة بالاسلام وبهم كاحزاب سياسية، عدا ما يلمسهم مما اورثه المجتمع الكوردي من العادات والتقاليد ماقبل الاسلام وكيف اختلط بالمستورد بعد فرض الدين الاسلامي بقوة السيف والترهيب والترغيب من جهة والاعتناق الذاتي وبشكل اقل من جهة اخرى، وصعوبة المزج بين ما كانت راسخة وثابتة من السمات الاجتماعية الاصيلة والدخيلة من جهة اخرى .

ان ابتعدنا شيئا ما عن الجماعات الاسلامية السياسيا فهناك قوى اخرى من الممكن ان نسميها الاجتماعية غير السياسية، فاننا نجدهم سائرين على خطوات ابتدعها كما يحلو للبعض ان يسميها الناشطون والمجتهدون في تاريخ الكورد واكثرهم بروزا في تاريخه واكثر انتشارا وهما القادرية والنقشبندية، وفروعهما وفق المجتهدين الصغار ما بعد مؤسسهما مولانا خالد والشيخ عبدالقادر الكيلاني . انهم تربوا من جراء مسيرة التاريخ والعصور المتلاحقة وما اقتنوه من المعلومات وما سموه العلوم الاسلامية، فحدثت تغييرات واضحة على طقوسهم ونشاطاتهم الدينية الاجتماعية وعلموا الناس بها وعرف فيما بعد بمدارس القادرية والنقشبندية . ولم يكن هناك منافس لهم من قبيل احزاب سياسية اسلامية، الا في الاونة الاخيرة وما انبثق من احزاب اسلامية سياسية مستوردين الافكار من العالم العربي ، وقد اثر ما يحمله الاسلام السياسي في جزء من المجتمع الكوردستاني، نتيجة تاثيراتهم الايديولوجية باسم وادعاء صلب الدين والاسلام الحقيقي وعلى اساس تطورهم وعقلانيتهم في الفكر والفلسفة بما يتماشى مع العصر ومتطلباته . اي اصبح الاسلام السياسي بديلا لتلك الجماعات على الارض، على الرغم من استخدام هؤلاء احيانا من قبل الاحزاب العلمانية في تنافسهم الجماهيري مع احزاب الاسلام السياسي اخيرا بعدما دخلت لعبة الديموقراطية الساحة بشكل اوسع وخاصة بعد سقوط الدكتاتورية في العراق .

لو اهملنا التاثيرات الطفيفة لتلك الجماعات الاسلامية الاجتماعية القديمة في العمل والفكر نتيجة التغييرات، وبحثنا ماهو عليه الاحزاب الاسلام الاسياسي من حيث نشوئهم وفكرهم وفلسفتهم الدينية السياسية المصلحية القحة بعيدا عن فحوى الدين لما جائوا به بعد الوهابية والاخوان المسلمين والذين اثروا على المجتمع الاسلامي الذي انتشر فيه الدين الاسلامي ايضا بوسائل عصرية ونتيجة التماس والسرعة في التواصل والمصالح المشتركة بينهم .

الحزب الاسلامي في كوردستان من حيث الفكر والفلسفة الدينية الاسلامية، يجد نفسه محصورا بين فكي المبررات القومية للالتزام بجماعة اجتماعية اصحاب مقومات مشتركة وهي مؤثرة جدا في عقلية وسلوك الناس لحد اليوم لانه لازال يعاني من عدم تحقيق ابسط الاهداف التي تهم القومية قبل اي شيء اخر، اي لازالوا يعانون من نواقص ما قبل الدين نتيجة ظروفهم السياسية والاحتلال الذي وقعوا فيه مجبرين، ومابين الادعاءات الاسلامية مافوق القومية التي تدعي الانسانية وفوق القومية، وان كان في جزء كبير منه خداع لصالح قومية على حساب الاخر، بعض القوميات التي استغلت الاسلام لتثبيت اركانها عدا الاهداف الاخرى، ومنها الترك باسم السلطنة العثمانية والمذهب السني، والفرس باسم الامبراطورية الفارسية والساسانية والمذهب الشيعي، ومحاولات النشطاء والمجتهدين الكورد من تثبيت القومية الكوردية باسم الدين ومن امثال الشيخ مولانا خالد النقشبندي رغم عدم نجاحهم بشكل كامل، نتيجة انعدام الدولة القومية او كيان يعتمدوا عليه، وهذا اهم سبب في فشلهم النسبي وعدم امتدادهم بشكل اكبر، وعلى الرغم من تاثيرهم المباشر على المجتمع وبقاء توصياتهم وطقوسهم واداعائاتهم الفكرية الفلسفية متبعة من قبل جماعات دينية اجتماعية من مختلف القوميات لحد اليوم .

لو تعاملنا مع كافة الاحزاب الدينية الاسلامية السياسية الموجودة على الساحة السياسية الكوردستانية كحزمة واحدة واهملنا الفروقات الكبيرة بينهم من جوانب شتى وحتى الفكرية والفلسفية ناهيك عن الايديولوجية . نجد ان جميعهم لم يعبروا بعد نحو الضفة الاخرى مما تفرضه متطلبات القومية نتيجة احتكاكهم المباشر مع المجتمع وما تفرضه مقومات القومية على المسار السياسي من جهة، ومن اجل التماهي مع تداعيات وابعاد القومية او ارضاءه من اجل عدم فقدان الجماهيرية المطلوبة لديهم كاحزاب الاسلام السياسي، لم يقدروا على تجاوز القومية على ارض الواقع رغم عدم ايمانهم بها فكرا وفلسفة، او بالاحرى نتيجة سيطرة مقومات القومية العربية على افكارهم وقناعاتهم من خلال الدين الاسلامي وعلى كل من اعتنق الاسلام دينا منذ الفتوحات الدموية وبحد السيف لحد الان .

احزاب الاسلام السياسي المتفرعة في كوردستان تنصارع على ابسط مصلحة وتعاند على ما تدعيه من اهتمامهم بالاخرة وما تؤمرهم به شروط وتعليمات الدين التي انتشرت وفرضت نفسها سواء فكرا او فلسفة في العالم الاسلامي منذ انتشاره او اصبحت عادة اجتماعية يلتزمون بها . الاسلام السياسي في كوردستان لم يتمكن من تجاوز متطلبات الفرد البسيط من اعتناقه لما ورثه من قبل ان كان بالخطا ام هو الحقيقي،بينما يدعيه هؤلاء بالبدعة لانها ربما امتزجت هذه الصفات والمراسيم والطقوس الدينية الاسلامية مع تداعيات وابعاد القومية الثابتة المتجسدة في جسم الامة الكوردية منذ نشوئه وبزوغه في فترات متباعدة مع بعضها .

لو قيٌمنا المرحلة ما بعد الانتفاضة في كوردستان، فاننا نجد ان احزاب الاسلام السياسي في كوردستان قد تغير بامر الواقع وتساير مع المستجدات، واننا يمكن ان ندعي انها اعتدلت نسبيا لانها كانت ترفض ما تفرضه القومية جملة وتفصيلا من قبل ومنذ البداية واقحمت المنتمين اليها في افكار خيالية بحتة لا صلة لها بالواقع وما هو عليه الشعب الكوردي، الا ان الواقع وافرزاته قد اثر في مسيرتهم وتوجهاتهم وغيرهم نحو الاعتدال حتى عند اكبر المتطرفين فيهم وصولا لاصغرهم . ما يعيشه المنتمون الى تلك الاحزاب الاسلامية السياسية هو التناقض الذي يقعون فيه نتيجة التقاطع ما بين الارشادات التي يتلقونها من مراكزهم ومواقعهم ومقراتهم مع ما تلقوه من تربيتهم العائلية والبئية، وما بقي من السمات الاصيلة المتوارثة في كيانهم وبنيتهم الاجتماعية، وعليه نجدهم يتحالفون مع كافة الاطراف من اجل مصالح يومية ايديولوجية ضيقة ولا يبالون بانهم يصافحون الشيطان كما سموهم من قبل . وهذا الوجه الايجابي للتغييرات التي حصلت خلال هذه الفترة، وهذا ما يجسد ارضية لتطبيق اليات الديموقراطية دون اعتراض او ممانعة احد . الا ان التزام بعض منهم مع المصدر الرئيسي الخارجي الامر في اكثر الاحيان قد يؤثر على مسيرتهم السياسية، وهنا نجد ان سلوكهم ومواقفهم تجاه بعض القضايا القومية المصيرية، تجعلهم حائرين بين ما يؤمنون وما يفرض عليهم خارجيا وما يؤمن به المجتمع الكوردستاني، وهو الاهم لهم ولجماهيريتهم وانتمائاتهم الاجتماعية . نجد التناقض والاختلافات الكبيرة في رؤياهم، مما يحدث لهم احتكاكات كبيرة بينهم هم او بينهم وبين المجتمع بشكل عام، وتضر بهم جميعا جملة وتفصيلا، عدا الاسباب الاقتصادية المؤثرة في تنميتهم او تراجعهم، وجميعهم مروا بمنحيات متذبذبة كثيرا من حيث نموهم او ضعفهم خلال هذه السنوات، وكان العامل الاقتصادي في مقدمة مسببات لتطورهم او تنميتهم العددية، وفي امكانياتهم الكمية والكيفية ارتفاعا وانخفاضا . لذا لا يمكنهم ان ينسلخوا تماما من المتطلبات القومية ولا يصح لهم الابتعاد عن ما تامرهم به الفلسفة الاسلامية والفكر والايديولوجيا التي تفرض عليهم الالتزام بمقومات اخرى، ومنها لصالح القومية العربية وعلى العكس ما تفرضه متطلبات ومقومات القومية الكوردية، وهذا هو مربط الفرس في امكانية كل طرف التعامل مع هذا التناقض من اجل اقناع الموالين لهم . لذا نجد ان التناقض ساري المفعول طالما اعتمدت كل من هؤلاء الاحزاب الاسلامية السياسية على اسس وثوابت الاسلام دينا وتاريخا وفكرا وفلسفة، وكيف ينظمون ما يجري لهم ويربطونه بالمتغيرات، بشرط ان لا يقع على حساب الايمان والارتباط باصل الدين الاسلامي . اننا تلمسنا تغيرات تكتيكية في سلوكهم وتصرفاتهم وتعاملهم مع المتغيرات السطحية اليومية لحياة الناس والتغييرات السياسية المؤثرة على حياة الناس ايضا . ولا نريد هنا ان نتكلم عن كيفية تعاملهم مع التطورات العلمية وما يحاولون مزجها مع ثوابتهم، لانها قضية عالمية تمس جميع الاحزاب الاسلام السياسي في العالم ولا تخص كوردستان فقط .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم