آراء

لماذا يستقيل الشباب من اقليم كوردستان؟

emad aliنسمع ونرى يوميا هجرة عشرات الالاف من شباب اقليم كوردستان شبه المستقل الى اوربا والذي لم نكن نتصورحدوثها في هذا الوقت، وبشكل يختلف كليا عن الهجرات السابقة من حيث الاسباب والعوامل والطريقة والادعاءات الحقيقية التي يتخذونها حجة في عملية الهجرة، مع ما يعتنقون من الفكرة والنظرة الى كوردستان وكيف تغيروا، وعدم اهتمامهم بما يخلفون من الذكريات، وكيف يريدون الاقتلاع جذريا غاضبين حانقين، يعلنونها جاهرا وهم يلعنون وطنهم الذي استحقرته السلطة الفاسدة في كوردستان امام اعينهم وفي قلوبهم. السلطة فرحت كثيرا وانتشت من اتاحة الفرصة لهجرة الشباب الغاضبة، من اجل عدم حدوث احتجاجات، واستمرارهم في ادارة الشعب الكوردستاني كالقطيع وهم يرضخون لكل ما تفعله بهم من كافة الجوانب السياسية الاقتصادية، ومن كم الافواه والغدر والاغتيالات وعدم توفر الخدمات الضرورية الاساسية لابسط حياة ارتضى به هذا الشعب المضحي، ولكن هذه السلطة لم توفر حتى اقل نسبة من ضرورات الحياة ونحن في القرن الواحد والعشرين، لا بل تراجعت الحال على حتى ما كانت عليه قبل سنين.

الهجرة الجديدة تحتلف عن سابقاتها في كثير من الجوانب:

1- انهم غضبوا وملوا وضاقت بهم الحياة ذرعا نتيجة انعدام كل ما يحلمون به ولو بنسبة قليلة جدا.

2- وجود وسائل العيش السليم والسعيد نتيجة التجارة الحرة واستيراد ما يبرز ويصنع في وقته، ولكن دون ان يتمكن الشاب ان ينالها او تصل يده اليها بسهولة، اي وهم يبصرون وينظرون الى اسباب سعادتهم المادية ولم يحصلوا عليها ولو بنسبة صغيرة مع عدم توفر الوسائل المعنوية ايضا .

3- البطالة وعدم المام السلطة بحياة الشباب العامة والخاصة، مع وجود حرية مزيفة اي بامكان ان تسمع السلطة لما يُقال ولكن دون تحرك من اجل الحلول، اي يطبقون قانون (اسمع واهمل) .

4- وجود الفروقات الشاسعة بين معيشة الشباب من عامة الشعب البسطاء مع نظرائهم من ابناء المسؤلين والاثرياء الجدد الذي اغنوا على حساب عموم الشعب ، وهم يلقون يوميا ما يقوم به هؤلاء من الافعال الفضيحة المخلة لكل القيم والسمات التي يتمتع بها الشعب الكوردي .

5- في وجود كل تلك الطاقات المشعة في كيان الشباب وحيويتهم وهم يتعرضون للكبت ويلمسون ما يضر بهم نفسيا وحياتيا بشكل عام، من تلمسهم الفساد المستشري والفروقات الطبقية المعيشية في ظل اللاعدالة لحكومة الاحزاب الضيقة الافق .

6- الملل المسيطر على حياة الشباب وعدم لمسهم لاي حراك ثقافي اقتصادي سياسي مؤدي الى التطور، لا بل يتلقون عوامل التخلف والتراجع يوميا في ظل الصراعات المخزية للاحزاب التي تقع على حساب الشباب ومستقبلهم قبل اي احد اخر .

7- عدم توفر فرص مشاركتهم بشكل فعلي وعملي في العمل السياسي، وما يدعيه البعض عكس ذلك ليس الا ادعاء شكلي او مظهري وليس مشاركة الشباب فعليا، اي، استخدام نسبة قليلة من الشباب من اجل الادعاءات الحزبية الفارغة من جانب ايمانهم بعمل الشباب واستغلال طاقاتهم، ولكنهم يستغلونهم من اجل اهداف حزبية وسياسية ضيقة لا يفيدون بها الا الحراس القدماء الذي يبيعون ما ادقموا عليه اثناء الثورة لاسباب مختلفة وليس جميعها ثورية او نضال او من اجل تحرر الشعب .

اننا هنا يجب ان نعلن بوضوح وكما نراهبشكل صريح، ان الهجرة الحالية لشباب كوردستان ليس فرارا او هربا من نظام دكتاتوري فاسد وفاشل فحسب، بل انهم يستقيلون فكرا وكيانا وانتماءا من وطنهم ويقلعون جذريا من مكان مولدهم وكثير منهم يدعون؛ بانه لا يربطهم بالوطن الا حذائهم . اي ان كان هرب الشباب في عهد الدكتاتورية هو هربا منها ولم ينقطعوا روحا وانتماءا وعقلا من وطنهم، فاليوم يتئصلون بكيانهم وما يمتلكون جسديا وعقليا وفكريا من، وطنهم يلعنون ما عاشوه فيه وربما يعادونه مستقبلا بكل ما يؤمنون به من الوسائل المتاحة لديهم . وهذا صلب المشكلة التي يجب ان تعلمها السلطة والقيادة الكوردستانية التي تتناطح مع بعضها لمصالح شخصية بحتة دون التفات الى اي شيء يحدث في الوطن، لا تمت ما هم قائمون به اليوم بالشباب ومستقبلهم بصلة تُذكر، والشباب اليوم عند فرارهم من كوردستان يعتقدون بانهم انقذوا انفسهم من الجحيم وطنا وحكما واحزابا ومن كل ما يمس الحياة فيه، وما عانوه طوال هذه الفترة التي اعتقد الكثيرون حصول عكس ما يجري اليوم، وتوقعوا الحرية والرفاه والسعادة والنعيم من ما بعد الخلاص من اعتى دكتاتورية، ولكنهم تلاقوا مع العكس تماما. اي الهجرة الحالية هي الخلاص والاستقالة من الوطن وبكل ما فيه وما لهم عليه .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم